الجزائر... مواطنون لا "أهالي"

الجزائر... مواطنون لا "أهالي"

20 فبراير 2019
حقوق المواطنين ليست منّة من أحد (Getty)
+ الخط -
لماذا تعتقد الحكومات في الدول غير الشفافة أنها تقدّم عطاءً أو هبات ومزايا من عندها حين تنجز لمواطنيها مشاريع خدمية أو اجتماعية ما، حتى ولو كان جواز سفر أو بطاقة هوية، مع أن ذلك في الواقع حقّ أصلي للمواطن وواجب مفروض على الدولة؟ يحدث أن تقدّم الحكومة الجزائرية حصيلة منجزاتها خلال السنوات الأخيرة (البيان السنوي للسياسة العامة) أمام البرلمان، ويحدث أن تدرج في مسودة البيان عدد جوازات السفر (13 مليون جواز) التي منحتها للمواطنين، ضمن رصيد منجزاتها، كما لو كان منح جواز سفر للمواطن إنجازاً يجب التذكير به. عند هذا المستوى، تصبح هناك مشكلة في فهم دور الدولة وحقّ المواطن، والعلاقة بينهما، ومفهوم المواطنة في نظر السلطة التي تتولى الحكم، والمؤسسات التي تدير الشأن العام.

للمواطن سبعة حقوق تكرسها الدساتير وهي: الحياة والسكن والعمل والتعليم والعلاج والترشح والانتخاب، إضافة إلى الحقّ الثقافي والحق في البيئة النظيفة، وفق تصنيف الأمم المتحدة. وعدم حصول المواطن على أي من هذه الحقوق، يعني أنّ هناك تقصيراً وإخلالاً من الدولة بمسؤولياتها ووظيفتها. أما عند حصول المواطن على هذه الحقوق، فذلك لا يعدّ منّة من أحد، إنما حقه الطبيعي، والأمر ليس مدعاة للمزايدة. من المعيب أن تمنّ الحكومة على الجزائري حين تمنحه سكناً، وتستدعي كاميرات التلفاز لتوثيق ذلك وتطرح هذا الأمر وغيره للمزايدة السياسية، مع أنّ ذلك حقه الذي يكفله له الدستور. بل إنه يفترض على الدولة أن تعتذر لكل مواطن بلغ سن الزواج ولم يحصل على سكن وعمل، وأن تعتذر لكل مواطن بُخس حقه في العلاج (450 ألف جزائري يضطرون للسفر للعلاج في الخارج)، ولكل عائلة ما زال معيلها يقف في الطابور بانتظار قارورة غاز، ولكل تلميذ لا يجد وسيلة نقل تقله إلى مدرسته، مثلما تسارع الدولة في اليابان إلى الاعتذار للمسافرين عن تأخّر قطار.

منطق المنّ على المواطن -وهو في الغالب سياسة تحضر في الدول غير الشفافة- ودعوة الجزائري لتقديم الولاء للدولة والسيد الرئيس والوالي (المحافظ)، بسبب حصوله على سكن أو شغل أو قرض، وحرص الحكومة عشية كل استحقاق سياسي وانتخابي على تذكير الجزائريين بما تسلّموه من شقق سكنية، وما تم فتحه من مدارس ومستشفيات وما تمّ شقه من طرق، لم يكن مطلقاً منطق دولة تحترم حقوق مواطنيها، بقدر ما هو أقرب إلى منطق دولة و"أهالي". والأهالي مصطلح يرتبط في خيال الجزائريين بكلمة مقيتة "الانديجان" (السكان الأصليين) في زمن القهر الاستعماري.

الدولة أو الحكومة دورها الوظيفي أن تنظّم منح الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمواطن. ورؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان والمدراء، موظفون انتدبهم الشعب بالانتخاب أو بالوكالة، لتوفير متطلبات الحياة والسكن للمواطن ومستحقاته من ماء وغاز وكهرباء ومستشفيات ومدارس وطرق وقطارات وغيرها. وحين ترغب الدولة في المزايدة، فلتفعل بالمحطات النووية ومخرجات البحث العلمي، إن وجدت. أمّا السكن والماء وجواز السفر، فهي حقوق مواطنة وليست عطايا للأهالي.