ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة: غضب في الشارع

ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة: غضب في الشارع

18 فبراير 2019
بلام: مؤشرات الرفض الراهنة أكبر من مؤشرات 2014(العربي الجديد)
+ الخط -
تأخذ السلطات الجزائرية، على محمل الجدّ، الدعوات التي أطلقها ناشطون وتنظيمات للتظاهر في العاصمة الجزائرية وعدد من المدن، يومي الجمعة والأحد المقبلين، 22 و24 فبراير/شباط الحالي، ضدّ ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، في انتخابات 18 إبريل/نيسان المقبل، وسط مخاوف حقيقية من قبل السلطات وأطراف سياسية عدة، موالية ومعارضة، من انزلاق الأوضاع، مع تصاعد حدة الاحتقان والرفض الشعبي، وفي ظلّ التظاهرات الأخيرة التي شهدتها مدن جزائرية عدة.

وألغت السلطات جميع مقرّرات العطل والإجازات في صفوف جهاز الأمن العام (الشرطة) والاستعلامات (جهاز تابع للشرطة)، وذلك في سياق تدابير استباقية واحترازية، تخوّفاً من اندلاع تظاهرات أو حراك احتجاجي واسع، في سياق رفض ترشّح بوتفليقة. وفي هذا الإطار، قال مسؤول أمني لـ"العربي الجديد"، إنّ قيادة جهاز الأمن العام أصدرت تعليمات تقضي بإلغاء العطل بين 18 فبراير و28 إبريل المقبل، وهي الفترة التي تشمل الحملة الانتخابية للرئاسيات وإجراء عمليات الاقتراع. كما تمّ إلغاء مقررات العطل في جهاز الاستخبارات، وإعادة كافة الضباط العاملين في هذا الجهاز إلى مواقع عملهم، وخفض العطلة الأسبوعية إلى يوم واحد بشكل مؤقت. كما قرّرت قيادة الجيش إلغاء العطل في صفوف أفرادها إلى وقت لاحق.

وذكر المسؤول الأمني أنّ "تقديرات الموقف والتقارير الصادرة عن قيادة الأمن، تشير إلى إمكانية حدوث اضطرابات واحتجاجات في العاصمة ومدن وهران وعنابة وقسنطينة وسطيف وورقلة وأماكن أخرى محتملة، إضافة إلى كامل منطقة القبائل، خلال الفترة المقبلة، وهو ما يستدعي وضع كل الجسم الأمني في حالة يقظة"، مشيراً إلى أنه "تقرّر وضع وحدات الأمن، المكلفة بمكافحة الشغب، في حالة استنفار، سواء لحماية المنشآت العامة والخاصة، أو لتأمين الحماية الكافية للقاعات والأماكن المخصصة للحملة الانتخابية التي ستبدأ في 17 مارس المقبل وتستمرّ على مدى 21 يوماً". ولفت المسؤول إلى أنّ "التعليمات الأولى التي صدرت عن القيادة الأمنية تشدّد على احترام قواعد ضبط الأمن العام، بمعنى إعطاء الألوية للحوار مع أي مجموعات قد تتجمهر بدون ترخيص، وضبط النفس إلى أقصى درجة، قبل اللجوء إلى استعمال القوة، تجنباً للانزلاق السريع أو الوقوع في فخّ الاستفزاز، وذلك لتلافي المساس بالصورة العامة للانتخابات الرئاسية، خصوصاً في هذا الظرف الذي تسلّط فيه أجهزة الإعلام الأجنبية كاميراتها على الجزائر".

وفيما تراقب الأجهزة الفنية للشرطة والأمن مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الناشطين والمجموعات التي تتبنى الدعوات للخروج إلى الشارع والتظاهر في 22 و24 فبراير الجاري، خصوصاً عقب دعوة تكتل "مواطنة" الذي يضمّ أحزاباً وشخصيات سياسية ومدنية مستقلة، الجزائريين إلى التظاهر في 24 فبراير، أعادت مصالح الأمن نشر قوات الشرطة على مداخل العاصمة الجزائرية والمحاور الكبرى، وشدّدت المراقبة لرصد أي تحركات لافتة للنظر. ويتوقّع مراقبون أن تقدِم السلطات على زيادة عدد الحواجز الأمنية على الطرق السريعة مع قرب الموعد الانتخابي، وذلك بحسب التطورات اللاحقة.



وإذا كانت هذه التدابير تأتي في سياق الترتيبات الأمنية الاعتيادية لضبط الأمن العام في البلاد عشية استحقاق بحجم الانتخابات الرئاسية الذي يعدّ الأكثر أهمية، فإنّ مستوى هذه التدابير يبدو أكبر من ذلك بكثير، ويعطي انطباعاً بوجود مخاوف جدية لدى السلطات من اندلاع احتجاجات شعبية رافضة لترشّح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة. ولعلّ ما يعزز هذه المخاوف هو التظاهرات الأخيرة التي شهدتها مدن وهران ومستغانم غربي الجزائر، وباب الزوار في العاصمة الجزائرية، وعين البيضاء بولاية أم البواقي، وعنابة وبرج بوعريريج، وكذلك التظاهرة الحاشدة التي شهدتها مدينة خراطة بولاية بجاية شرقي الجزائر، والتي رفعت فيها أعلام سوداء كرمز للحداد الوطني. وبدت التظاهرات وكأنها "بروفة" بالنسبة للقوى التي تتبنى خيار الخروج إلى الشارع، وجس نبض لطريقة التعامل الأمني، والتي تفاوتت بين السماح بالتظاهر، وبين اعتقال ناشطين، كما حدث في منطقتي عين البيضاء وبرج بوعريريج شرقي البلاد.

واللافت أنّ المخاوف الرسمية من إمكانية تبني الرافضين لترشّح بوتفليقة خيار اللجوء إلى الشارع، سبقت فرض هذه التدابير الأمنية الاستباقية، إذ كان رئيس الحكومة أحمد أويحيى قد هدّد، في مؤتمر صحافي عقده في الثاني من فبراير الحالي، بالتصدّي لكل محاولة للنزول إلى الشارع. في المقابل، قال وزير الداخلية، نور الدين بدوي، في تغريدة نشرها في 12 فبراير وتضمّنت تحذيرات من المساس بالأمن العام، إنّ "مكاسب الأمن والاستقرار والتنمية مسؤولية تقع على الجميع، وبلادنا اليوم أمام مرحلة حاسمة لتكريس البناء الديمقراطي، وهو أهم حدث تنصبّ عليه الأعين على المستوى الدولي، ونجاحه سيفوّت الفرصة على أعداء الجزائر الذين يراهنون على إفشال هذا الموعد، وأبناء الجزائر سيقفون بالمرصاد لكل المناورات".

لكنّ هذه التحذيرات الرسمية من خيار الشارع لا تبدو كافية لمنع الناشطين من الاستمرار في الدعوات إلى التظاهر. وتذكّر الأجواء الحالية بنشاط حركة "بركات" (التي لم تعد موجودة اليوم) والتي نشطت عام 2014، ونظّمت تظاهرات ضدّ ترشّح بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة حينذاك. وفي السياق، قال الناشط في الحراك المدني عبد الوكيل بلام، القيادي السابق في "بركات"، رداً على سؤال لـ"العربي الجديد" حول الفرق بين مؤشرات الرفض والحراك الشعبي في انتخابات 2014 (كان الرئيس قد تعرّض للمرض وبقي 81 يوماً في مستشفى بباريس من إبريل 2013 حتى يوليو من العام نفسه)، مقارنة مع المؤشرات ذاتها في انتخابات 2019: "أعتقد أنّ مؤشرات الرفض الراهنة أكبر بكثير من تلك التي كانت موجودة في 2014. ففي الانتخابات الماضية، كان الرئيس قد تعرّض لتوه للمرض، وبالنسبة للبعض كان مأمولاً أن يشفى، لكنه الآن مغيّب تماماً، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تدهورت بشكل كبير، ومستويات الفساد زادت بشكل فاضح، هذا عدا عن أنّ قطاعاً واسعاً من الجزائريين يشعرون بالإهانة لترشّح رئيس في هذا الوضع الصحي المتردي. كل هذه العوامل تؤسّس للرفض الشعبي وتنذر بانفجار في الشارع" على حد تعبير بلام.

لكنّ خيار الشارع، بما يحمله من موقف شعبي وسياسي رافض لترشّح بوتفليقة وهو على وضعه الصحي الصعب، خصوصاً مع إقرار الأخير في رسالة ترشّحه بعدم توفره على القدرة البدنية، يثير في الوقت نفسه مخاوف مشتركة بين قوى الموالاة والمعارضة، من مغبة انزلاق الأوضاع وانفلاتها، وانفراط عقد السلم المدني والاجتماعي الذي يمثّل أهم رصيد حققته الجزائر بعد العشرية الدامية، والفوضى السياسية التي عاشتها البلاد قبل عام 1999، فضلاً عن نسف أبرز "منجزات" بوتفليقة خلال ولاياته الرئاسية الأربع.

وفي السياق، حذّر رئيس تجمّع "أمل الجزائر"، عمار غول، أول من أمس السبت، في مؤتمر سياسي لكوادر حزبه، مما اعتبره "محاولة أطراف في الداخل والخارج جرّ الجزائريين إلى الشارع"، ودعا الجزائريين إلى عدم الاستجابة لدعوات التظاهر التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى "أهمية الحفاظ على منجزات السلم والاستقرار". وهي مخاوف شاركه فيها القيادي في حزب "العمال" المعارض، جلول جودي، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأوضاع ليست جيّدة، وهناك مؤشرات خطيرة على إمكانية انزلاق الأمور. نحن نبهنا إلى ذلك منذ وقت، والأمينة العامة للحزب السيدة لويزة حنون كانت تحدّثت عن مخاوف حزبنا من الانزلاق".

وعبّر رئيس حركة "مجتمع السلم"، والمرشّح الرئاسي عبد الرزاق مقري، عن المخاوف نفسها، إذ نشر تغريدة أخيراً قال فيها إنّ "الجزائر لا تتحمّل فتنة وأزمة أخرى كأزمة التسعينيات، والجزائريون ليس لديهم ما يصبرون لأجله مجدداً". ولا تتبنى قوى المعارضة السياسية في الجزائر خيار الشارع وإن كانت تتفهّم مواقف الداعين إليه، بسبب رفضها تحمّل مسؤولية تداعيات هذا الخيار. لكن ذلك لا يلغي جملة المخاوف التي تخيّم على كل الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي والشعبي وحتى الأمني، من عودة الجزائر إلى مربع التجاذبات واستحقاقات الشارع، خلال الفترة المقبلة، وكيف ستتعاطى السلطة مع التظاهرات المحتملة، والمخاوف من انزلاق ينسف حالة الاستقرار والسلم الاجتماعي النسبي الذي شهدته الجزائر في العقدين الماضيين.

المساهمون