المخاوف الإسرائيلية من هجمات لـ"ولاية سيناء": فرضية تضعفها الوقائع

المخاوف الإسرائيلية من هجمات لـ"ولاية سيناء": فرضية تضعفها الوقائع

18 فبراير 2019
تنتشر قوات الجيش المصري على طول الحدود (Getty)
+ الخط -
ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، قبل فترة، أنّ لواء "فاران" المناطقي المسؤول عن تأمين الحدود مع مصر، أجرى أول مناورة عسكرية منذ تشكيله قبل أشهر، "حاكت محاولات داعش المستمرة المساس بأمن إسرائيل"، بحسب ما ذكر موقع "إسرائيل ديفنس" العبري. وأوضح الموقع أنّ المناورات الإسرائيلية تضمّنت سلسلة من السيناريوهات القتالية، مثل التسلل إلى المستوطنات القريبة من الحدود المصرية، وإطلاق نيران وصواريخ، وتنفيذ اشتباكات مباشرة في المنطقة الحدودية بين مصر والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتعكس المناورة حقيقة أنّ إسرائيل لا تسقط من حساباتها فرضية إمكانية تنفيذ تنظيم "ولاية سيناء" هجمات على أهداف إسرائيلية على الحدود الفاصلة بين فلسطين المحتلة وسيناء، في ظلّ تصاعد القصف الجوي الإسرائيلي على محافظة شمال سيناء، مستهدفاً نقاطاً لـ"ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" الإرهابي، والذي يواجه حرباً مفتوحة مع الجيش المصري منذ خمس سنوات، وتزايدت حدتها منذ عام مع انطلاق العملية العسكرية الشاملة.

ولذلك، تساعد إسرائيل الجيش المصري في عملياته ضدّ التنظيم، بما في ذلك اشتراكها المباشر في ضربه من خلال هجمات دقيقة ينفذها الطيران الحربي الإسرائيلي. يضاف إلى ذلك، عمل إسرائيل على إنشاء جدار فاصل بين سيناء والأراضي المحتلة، بدلاً من الحدود الفاصلة الموجودة حالياً، والتي تهرّأ جزء كبير منها بفعل مرور الوقت، فضلاً عن عدم تمتّعها بقدرات تكنولوجية تسمح بالكشف عن المتسللين.

وتنتشر قوات الجيش المصري على طول الحدود الفاصلة بين سيناء والأراضي المحتلة، والبالغ طولها 277 كيلومتراً، إلا أنه توجد العديد من الثغرات الأمنية التي يمكن للتنظيم من خلالها شنّ هجمات ضدّ قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، أو الأهداف الإسرائيلية المدنية.

صحيح أن القدرة العسكرية لدى التنظيم متوفرة وتظهر في هجماته ضدّ قوات الجيش المصري على مدار السنوات الماضية، فضلاً عن أن التواجد الميداني للتنظيم يسمح له بالتحرّك على الحدود الفاصلة بين أرض فلسطين المحتلة، وسيناء، لكن احتمال لجوئه إلى تنفيذ هجمات، كما تخشى إسرائيل، يخضع لحسابات عدة، تقلّل بحسب رأي بعض المحللين، من فرص اعتماد التنظيم لهذا الخيار، على الأقلّ في الوقت الراهن.

ومنذ نشوئه، لم يسجّل لتنظيم "ولاية سيناء" تنفيذه هجمات كثيرة أو نوعية ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، عدا بعض القصف الصاروخي لمدينة إيلات القريبة من سيناء، وعمليات إطلاق نار باتجاه دوريات لقوات جيش الاحتلال، وذلك رغم وصول التنظيم إلى قدرات عسكرية كبيرة، أوصلته قبل ثلاثة أعوام إلى محاولة السيطرة الميدانية على مدينة الشيخ زويد بشكل كامل، وضربه لأهداف عسكرية للجيش المصري في كل أرجاء سيناء. ورغم ذلك، لم يفكّر "ولاية سيناء" بتحويل بوصلة هجماته  نحو الاحتلال مع كل الأحداث التي مرّت خلال السنوات الخمس الماضية، بما فيها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، وقتل الاحتلال لعشرات الفلسطينيين على مدار السنوات الماضية، وكذلك قصفه أهدافاً في سيناء.


لكن بعدما أصبح القصف الجوي الإسرائيلي لسيناء أمراً اعتيادياً، بصورة غير مسبوقة، فإنّ ثمّة من يرى أنّ التنظيم قد يتجه لمهاجمة أهداف إسرائيلية على الحدود خلال الفترة المقبلة، من خلال إطلاق صواريخ باتجاه مستوطنات إسرائيلية مجاورة لحدود سيناء، أو تنفيذ هجمات ضدّ دوريات جيش الاحتلال عبر إطلاق النار أو بصواريخ موجهة. وهي أدوات يمتلكها تنظيم "ولاية سيناء"، ويمكنه استخدامها وقتما أراد، وبسهولة ميدانية لم تكن متوفرة في السنوات الماضية.

في المقابل، هناك من يستبعد هذا الخيار بالنظر إلى طبيعة تعامل التنظيم الأم في سورية والعراق (داعش) مع الاحتلال الإسرائيلي. إذ لم يجرؤ هذا التنظيم على إطلاق رصاصة واحدة في اتجاه الاحتلال خلال فترة سيطرته لسنوات على القرى القريبة من الحدود في الجولان المحتل. كذلك، يستذكر بعض المتابعين للشأن في سيناء، حالة الاختراق الأمني الإسرائيلي لتنظيم "ولاية سيناء"، من خلال التجسس الدائم على حركته، أو دخول أفراد يعملون لصالح أجهزة الأمن الإسرائيلية في صفوفه، وهو ما قد يفضح أي توجه له لاستهداف إسرائيل. ويعزّز المتحدثون عن هذه النقطة رأيهم، بالاستشهاد باعترافات عميل لصالح إسرائيل ألقي القبض عليه في قطاع غزة، قال فيها إنّ الاستخبارات الإسرائيلية طلبت منه الالتحاق بتنظيم "ولاية سيناء".

كما أنّ الضربات الجوية الإسرائيلية المستهدِفة لنقاط محددة تتبع تنظيم "ولاية سيناء"، تدفع قيادات الأخير إلى التريّث قليلاً والبحث الأمني داخل صفوفه عن مسربي المعلومات الحساسة عن تحركات التنظيم للاحتلال الإسرائيلي. وهذه الخطوة قد يرى فيها التنظيم أهمية تتقدّم على ضرورة الانتقام من إسرائيل لاستهدافاتها المتكررة في سيناء، ما يزيد التخوّف أيضاً من استهداف إسرائيلي مباشر لقيادات التنظيم، في حال إقرارهم استهداف مصالح إسرائيلية. وهذا ما قد لا ترغب به القيادات الحالية التي ترى في مهاجمة الجيش المصري أولوية قصوى لا انفكاك عنها في الخطة المرحلية للتنظيم.

إلا أنّ حالة العشوائية التي تنتاب التنظيم أحياناً، قد تدفعه إلى اتخاذ قرارات خارجة عن مساره المتعارف عليه، خصوصاً مع ازدياد الضربات الجوية الإسرائيلية، ووصولها لأهداف حساسة.

وفي التعقيب على ذلك، قال باحث في شؤون سيناء لـ"العربي الجديد"، إنّ التنظيم "بات في موقف محرج أمام عناصره، في ظلّ الاستهداف الإسرائيلي المستمر لنقاط تتبع له في سيناء، أو لمنازل المدنيين، خصوصاً في ظلّ تمتّع التنظيم بقدرات عسكرية تمكنه من الانتقام الفوري من الاعتداء الإسرائيلي عليه وعلى سيناء التي يعتبرها التنظيم أرضه الأولى"، مضيفاً أنّ "الردّ سيمثّل كذلك محاولة من التنظيم لتحسين صورته أمام المجتمع المصري، وخصوصاً السيناوي، والظهور على أنه يدافع عن سيناء أمام العدوان الإسرائيلي على الأرض المصرية، ولا سيما في ظلّ الرفض الشعبي المصري لرضا نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي على مشاركة إسرائيل في العمليات العسكرية بسيناء، بشكل معلن وواضح، وبدون مراعاة تاريخ العلاقة بين مصر وإسرائيل، خصوصاً على أرض سيناء".

وتابع الباحث، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لتواجده في سيناء، أنّ "أيّ استهداف ذي قيمة قد ينفّذه التنظيم ضدّ أهداف إسرائيلية خلال الفترة المقبلة، سيمثّل ضربة ذات تأثير على الأخيرة وقد يدفعها لتغيير طبيعة العمل في سيناء. كما سيكشف سوء العملية العسكرية الشاملة التي بدأت قبل عام، إذ إنه وبرغم حجم التحرّك العسكري المصري الكبير ضدّ التنظيم في العام الأخير، فإنّ ولاية سيناء ظلّ موجوداً وبات في وضع يمكّنه من فتح جبهة جديدة مع الاحتلال الإسرائيلي، من خلال استهداف مصالحه على الحدود". وتابع الباحث أنه "يمكن لهجوم التنظيم أيضاً على أهداف إسرائيلية أن يظهر عدم قدرة الجيش المصري على ضبط الحدود، وعلى السيطرة الميدانية، في مقابل قدرة ولاية سيناء على استهداف إسرائيل، والتحرّك عبر الحدود الفاصلة. وبذلك يحقق التنظيم نتائج إيجابية عدة".

لكنّ الباحث أشار إلى أنّ "ذلك كله بحاجة إلى وجود توجّه حقيقي لدى قيادة ولاية سيناء الحالية لاستهداف إسرائيل، لما يحمله هذا التوجّه من عواقب عسكرية وأمنية قد تؤدي إلى زيادة الهجمات الإسرائيلية ضدّ التنظيم كردّ أولي، وكذلك جنوح أفراد التنظيم عن المشاركة في هجمات ضدّ الجيش المصري، ومطالبتهم للقيادة بالتركيز على الاستهداف الإسرائيلي، بما أنه يحقق صدًى إيجابياً لدى كل المتابعين للأحداث في سيناء، خصوصاً أنّ الكثير من أفراد التنظيم يرغبون في قتال الاحتلال الإسرائيلي، سواء كانوا مصريين أو فلسطينيين، أو حتى من جنسيات عربية أخرى. وبالتالي، فإنّ القرار بحاجة إلى دراسة كبيرة من قبل قيادة التنظيم، التي بات جزء كبير منها من الأجانب، وهذا ما قد يقلّل من فرص اتجاه ولاية سيناء إلى ضرب إسرائيل في المرحلة الحالية على الأقل".