تونس: جدلٌ داخل "النهضة" حول الخيارات الاستراتيجية

تونس: جدلٌ داخل "النهضة" حول الخيارات الاستراتيجية ومسألة "الحركة المدنية"

15 فبراير 2019
تحقق "النهضة" في تسريب لاجتماع مجلس شورتها(Getty)
+ الخط -
دعا القيادي في حركة "النهضة"، والمستشار السياسي لرئيسها، لطفي زيتون، إلى ضرورة قيام الحركة بجملة من الإصلاحات بهدف استكمال تحويلها إلى حركة مدنية.

وذهب زيتون إلى أبعد من ذلك، داعياً الحركة الى أن تتحول لحزبٍ مُحافظ، مهمته سياسية، تعتمد على البرامج فقط، وتترك المسائل الدينية للمجتمع المدني، لأن "النهضة" وغيرها من الأحزاب "لا تحتكر المسائل الدينية والأيديولوجية".

وأوضح لطفي زيتون، في سلسلة تصريحاتٍ شغلت المتابعين، أن "النهضة" يجب أن تهتم بإنجاز البرامج وتسيير الدولة وبناء الثقة معها، خصوصاً أنها أصبحت جزءاً من الحكم، وأهم حزبٍ في البلاد، وتفوض القضايا الدينية والثقافية لمنظومة المجتمع المدني.

وشدّد زيتون على ضرورة تحرير الإسلام من الصراع السياسي، والاقتناع نهائياً بأن هذا الإسلام ملكٌ للشعب التونسي بكل أطيافه، حتى لمن لا يعتنق الإسلام، وأن هذا الدين موجود منذ 14 قرناً، و"النهضة" عمرها 50 سنة فقط.

وقال زيتون إنه لم يعد مقتنعاً كثيراً بمصطلح "الإسلام الديمقراطي"، لأنه لم يخلص الحركة من المسألة الدينية، وحافظ على التوجس ذاته منها لدى الرأي العام المحلي والدولي.

وفي ما يتعلق بتحالفات الحركة بعد انفراط التوافق مع الرئيس التونس الباجي قايد السبسي وبداية علاقة جديدة مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، قال زيتون إنه لا يوافق على التداخل بين الدولة والحزب الجديد "تحيا تونس"، مؤكداً على حق الشاهد بتأسيس حزب جديد، ولكن بعيداً عن أدوات الدولة، وأنه لا مشكلة شخصية له معه، كما يروّج البعض.

ويأتي هذا التصريح على خلفية تسريبٍ لمداخلة زيتون في مجلس الشورى الأخير المنعقد أواخر الأسبوع الماضي. 

وقال زيتون، في تصريح لصحيفة "الشارع المغاربي"، إنه قاطع اجتماع مجلس شورى الحركة بسبب تسريب مداخلاته، مؤكداً أن "قرارات الشورى، ككل الدورات، تنتهي بالتصويت وتدرس خلالها الاقتراحات التي تهم سياسات الحركة، علاوة على دورها في مراقبة الجهاز التنفيذي للحركة".

وأضاف: "أنا غادرت الاجتماع لأنّه تبين لي وجود تسريب لمداولاته إلى أطراف خارج الحركة، غادرت احتجاجاً على هذا التسريب الذي لا يشرف من قام به ولا يشرف أيضاً من استقبله، لأن من سرّب هو من يُسرّب أمانات المجالس، ومن استقبل يتجسس على المجالس، والحياة السياسية السليمة لا تبنى بهذا الشكل..غادرت الجلسة احتجاجاً، وطلبت من المجلس اتخاذ موقف من هذا الموضوع".

واعتبر زيتون أن هناك نوعاً من الخوف بدأ يتسرب إلى كثيرين، من السياسيين والصحافيين وأصحاب الرأي، بسبب الشكوك حول التنصت عليهم.

وقالت حركة "النهضة"، من جهتها، إن مجلس الشورى سيحقق في هذا التسريب، معربة في بيان لها عن "اعتزازها بما يدور داخل الحركة من آراء ومواقف فكريّة وسياسيّة، وما يجري على هامشها من نقاشات وجدل وحوارات، مثّلت عامل إثراء وتطوير لتوجهات الحركة ومواقفها منذ انبعاثها"، داعية "قادة الحركة والمتحدثين باسمها، إلى الالتزام والتعبير عن المواقف والسياسات الرسمية لها"، وإن "أغلبية مؤسسات الحركة تعرف حوارات معمّقة تنتهي إلى بلورة المواقف الأكثر تعبيراً عن الضمير الجماعي لمناضليها وأنصارها ولتطلعات الشرائح الاجتماعية التي تمثلها".

وأثار كلام زيتون الجدل من جديد حول ملف الفصل بين الدعوي والسياسي الذي خلص إليه المؤتمر العاشر الأخير للحركة، ولكنها طرحت أيضاً أسئلة حول الخيارات الاستراتيجية لـ"النهضة" في ما يتعلق بتحالفاتها وتداعياتها على مستقبلها، ملقية الضوء على جانب مهم من النقاشات التي تجري داخلها بهذا الخصوص.

واعتبر زيتون أن المشكلة ليست في إدارة الحركة، وإنما في هذه النقاشات العميقة التي يجب أن تنتهي سريعاً، وقبل الانتخابات، في ما يتعلق بتطوير الحركة إلى حزبٍ محافظ، يتخلص نهائياً من العبء الأيديولوجي، ليوجه رسائل طمأنة إلى الجميع بهذا الخصوص، وينهي هذا الغموض والتخوف الذي يبقى حاضراً بسبب تاريخ الحركة، وصورة تنظيمها الرائجة لدى كثيرين.