فبراير اليمنية: 8 سنوات من محاولات الإجهاز على المكتسبات

فبراير اليمنية: 8 سنوات من محاولات الإجهاز على المكتسبات

11 فبراير 2019
حددت الثورة في البداية مطلب إطاحة صالح(محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -

في 11 فبراير/شباط 2011، أي يوم تنحّي الرئيس المصري حسني مبارك، كانت مجموعة من الشباب اليمنيين تنظم احتجاجات أمام جامعة صنعاء تطالب بسقوط الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، وهي تأمل أن يكون مصيره مشابهاً لمصير لمبارك، بعدما حكم البلاد على مدى 33 عاماً ولم يتردد في محاولات السعي إلى توريث الحكم لنجله أحمد علي عبد الله صالح.

منذ اللحظة الأولى بدا أن الثورة اليمنية لن تكون بمنأى عن محاولات إجهاضها، وهو ما بدأ يظهر تباعاً سواء مباشرة من خلال استنفار صالح الذي لم يوفر وسيلة إلا واستخدمها لوأد الاحتجاجات، بما في ذلك المجازر أو بطرق غير مباشرة من خلال سعي الأحزاب لسرقتها، خصوصاً بعد أفكار الحلول السياسية التي طرحت مستفيدة من تعنت صالح ورفضه التجاوب مع المطالب الشعبية.

استغرق الأمر أشهرا عدة، قبل أن يرضخ صالح الذي تعرض لمحاولة اغتيال في يونيو/حزيران 2011 ويوافق على المبادرة الخليجية لنقل السلطة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي. وبعد أن تم التوقيع عليها في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 أجريت انتخابات في فبراير/شباط 2012 أتت بهادي رئيساً توافقياً للبلاد. ولم يدم الأمر طويلاً حتى تعرّض المكتسب الأهم للثورة، وهو إنهاء حكم علي عبد الله صالح، لمحاولة الالتفاف عليه، بعدما رفض الأخير القبول بما تحقق له من مكتسبات من حصانة قضائية والاحتفاظ بدور سياسي وعسكري، إذ لم يتعرض حزبه المؤتمر الشعبي العام للحل على غرار ما حصل في مصر، ولم يُقص الموظفون المحسوبون عليه من وظائفهم، فضلاً عن الاحتفاظ بالأموال التي راكمها خلال سنوات حكمه. ولجأ صالح إلى توظيف الحوثيين للانتقام من الثورة واليمنيين فوضع جميع إمكاناته العسكرية بين أيديهم لاجتياح العاصمة صنعاء وباقي المحافظات اليمنية تباعاً، قبل أن ينقلبوا عليه وتتم تصفيته في الوقت الذي كانت البلاد لا تزال تشهد تداعيات هذا الانقلاب، وسط استمرار الحرب التي يقودها التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات على اليمن منذ 2015.

لكن على الرغم من جميع هذه التحولات والأثمان التي دفعها اليمنيون طوال السنوات الثماني الماضية، فإنهم ما زالوا متمسكين بثورتهم، التي قدّمت صورة مختلفة عن المجتمع اليمني، تجاوزت تلك الصورة النمطية المقدمة عنه كمجتمع قبلي تنتشر فيه ملايين القطع من السلاح. وأصرّ اليمنيون على أن ما صنعوه، رجالا ونساء، عندما توافدوا إلى الساحات حاملين الشعارات السلمية والورود محاولين إصلاح الانحراف في مسار الدولة، بتحويلها إلى مصلحة عائلية لصالح، كان ثورة لكنها تعرضت لانتكاسات بعدما حاول الانقلاب حرف مسارها، تماماً مثلما اعتبروا أن الصراع الدائر حالياً في اليمن وعليه، مرحلة متقدمة من معركة الثورة.

وبالنسبة إلى الناشط فيصل علي، وهو أحد شباب الثورة، فإنه "لا الثورة المضادة والانقلاب ولا إضعاف الدولة والتدخلات في الشؤون الداخلية، خصوصاً في المناطق المحررة، تعني أن الثورة قابلة للهزيمة". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الثورة تعني الاستمرار حتى استعادة الدولة وبنائها". واعتبر أن "الثورة وشبابها اليوم أقدر على إنتاج حل وطني، فجلّهم من الكوادر الوطنية المؤهلة"، مضيفاً أنه "بعد كل هذه الحرب على الجميع أن يتذكروا أن الثورة سلمية، ومهما بحثوا عن سلام مستورد ومشروط، إلا أنه كان بإمكانهم الإيمان بالثورة وسلميتها وما أنتجته من حوار وطني". وأكد أن "11 فبراير تجدد نفسها رغم كل الجراح والتشرد والدماء". وإذا كان من الطبيعي وجود الرأي الذي يسعى لتحميل ثورة الشباب المسؤولية عما آلت إليه البلاد، يشدد يمنيون على أنها كانت محاولة لتصحيح الوضع المختل في الأساس.



الصحافي ياسر الحسني، وهو أحد شباب الثورة الذين برزوا خلال العام 2011، كشف لـ"العربي الجديد"، أنه "شارك قبل اندلاع شرارة الثورة مع بعض السياسيين والحقوقيين والناشطين، في الكثير من الاجتماعات المغلقة لمناقشة نتائج الانسداد السياسي الذي وصلت إليه البلاد"، فمن ناحية عجز الحزب الحاكم عن تقديم حلول عادلة وسريعة ومن ناحية أخرى عجزت المعارضة عن تقديم تصورات وتنازلات مقنعة. وفي ضوء ذلك فإن أهم ما توافق عليه الجميع هو ضرورة تغيير النظام السياسي بثورة سلمية عاجلة". وأضاف أنه "في خضم تلك اللقاءات اندلعت ثورة تونس، ثم مصر فكانت بمثابة الوقود والمشجع لانطلاقنا نحو أهدافنا السامية وكنا نواكب ذلك بمسيرات ليلاً ونهاراً برفع الشعارات المطالبة بالتغيير".

وأفاد الحسني بأنْ "تجمعّنا أمام جامعة صنعاء في مسيرات وتظاهرات. كانت شعاراتنا تُكتب على أوراق عادية. لم نكن نمتلك حتى مكبّرات صوت، وكانت أحلامنا تتلخّص بيمنٍ تسوده الحرية والعدالة والدولة المدنية والمواطنة المتساوية والعيش الكريم". وأكد أن "خيام الثورة جمعت شباب اليمن بمختلف التوجهات الفكرية والسياسية والمناطقية وكافة الشرائح المجتمعية". واعتبر أنه "فيما يحتفل اليمن بـ11 فبراير رسمياً كيوم وطني، فإن هذا مكسب يجب التمسك به ولكن الأهم هو أن يعمل الجميع على استكمال أهدافها واستمرارية النضال من أجل تحقيق التطلعّات التي ضحّى من أجلها الشهداء والجرحى والمختطفون، وأن تبقى منطلقاً لدورة جديدة من مقاومة الاستبداد والمشاريع التخريبية التي تضر بالوطن".

بدوره، أفاد الناشط في الثورة، الإعلامي صلاح الدين حمزة، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن "الاحتفال بثورة 11 فبراير، هو احتفال بالقضاء على حكم الفرد والتوريث للأبد. وهذا مطلب كل أحرار اليمن". وشدّد على أن "ثورة فبراير ستظل أنقى الثورات على مر التاريخ اليمني الحديث لأنها قدمت الصورة الحقيقية للشعب اليمني الضارب في عمق التاريخ وجسدت تاريخ بلاد العرب قولاً وفعلاً، إذ لم تكن ثورة حزب أو فئة أو جماعة، بل ثورة شعب خرج بكل فئاته في مواجهة الطغيان وعلى خطى ثورة سبتمبر/أيلول 1962 هتف اليمنيون: الشعب يريد إسقاط النظام، نظام الفرد المستبد".

وفي إشارة إلى ما قام به الحوثيون في عام 2014، أكد حمزة أن "شباب الثورة لم يسقطوا مؤسسات الدولة ولم يفجّروا البيوت ولا فجّروا المساجد ولا المدارس ولا قطعوا الرواتب ولا أغلقوا الجامعات ولا زرعوا الألغام ولا قتلوا رئيساً ولا نهبوا المصارف". وأضاف أن "شباب الثورة لم يفتحوا أسواقا سوداء ولا سجنوا النساء ولا مارسوا العنصرية والطائفية ولا تحالفوا مع الإماميين لإسقاط الدولة ولا تاجروا بأعضاء البشر". وشدّد على أن "الثورة كانت سلمية جميلة بجمال روح الشعب اليمني الثائر، لذلك سميت بثورة الربيع، ودورها كبير في إتاحة حرية أكبر أمام اليمنيين، فضلاً عن تعزيز الوعي الجمعي وروح المقاومة ورفض الاستبداد". لكنه اعترف بأن "الثورة تعثرت لكنها لم تسقط، إذ ما زال ثوارها الأحرار يقاومون الطغيان ويواجهون الإماميين الجدد في كل الميادين"، في إشارة إلى المواجهات مع الحوثيين.

كذلك اعتبر كمال السداح، أحد شباب الثورة، أن "ثورة فبراير التي خرج شبابها قبل ثماني سنوات، ينشدون وطناً يحقق تطلعاتهم، كانت تمثّل المشروع الوطني الجامع، الذي تجاوز كل المشاريع والأجندات المناطقية أو الفئوية، ليعبر بالوطن نحو التغيير المنشود لبناء دولة مدنية حديثة تحقق قيم المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون. كما استطاعت الثورة إسقاط مشروع التوريث وحققت توافقاً مجتمعياً تجسد حياً في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني".

ومع ذلك رأى السداح في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "أصحاب المشاريع الخاصة (الحوثيين) وأصحاب الوطن هو الرئيس (أنصار النظام السابق)، استثمروا الأحقاد وضعف القرار وحالة التبلد لدى الثورة الشبابية". ولفت إلى أن "واجهة الحكومة كانوا عاجزين واجتمعوا لقتل الحلم فقتلوا الوطن وانتهكوا مقدساته، وعلى رأسها الجمهورية وهي الثابت الأهم، فتحولت المعركة اليوم إلى معركة استعادة الشرعية وهي معركة كل جمهوري".