ريا الحسن أول وزيرة للداخلية اللبنانية: منطق جديد للأمن؟

ريا الحسن أول امرأة تتولّى وزارة الداخلية اللبنانية: منطق جديد للأمن؟

01 فبراير 2019
الحريري: فخور بأول وزيرة داخلية في العالم العربي(حسين بيضون)
+ الخط -
منذ عودة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري من العاصمة الفرنسية باريس، بعد استقالته المفاجئة من العاصمة السعودية الرياض، خريف عام 2018، تغيّر الرجل في طريقة التعاطي مع من حوله. كثرٌ حُيدوا عن دوائر صناعة القرار في تيار "المستقبل"، وقلة بقيت حوله ومحط ثقته.

منذ هذا التاريخ، صار الحريري يعتبر أنّه طُعن من القريبين. وطُعن من شخصيات تحاول وراثة "الحريرية السياسية"، والصعود على ظهره للوصول. يرى الحريري أنّ بعض هؤلاء استغلّوا حالته مالياً مباشرة، أو عبر الانتفاع من المناصب التي وصلوا إليها بفعل الحالة السياسية لتيار "المستقبل"، فخدموا أنفسهم، بدل خدمة الوزارات، وبدل تقديم نموذج إيجابي في إدارة المحسوبين على تياره لوزاراتهم والشأن العام.

ومنذ هذا التاريخ ابتعد الحريري عن الجميع. حتى الدائرة الضيقة أصبحت لا تعلم ما يخفيه الرجل، وأصبح لا يستشير إلا قلة محدودة، يجمع فيما بينها عدم تقديم نفسها على أنّها مشروع زعامة مستقلة، ويجمع فيما بينها أيضاً أنّها شخصيات أقرب إلى التكنوقراط من النمط السياسي اللبناني.

يعود الحريري بعد سنوات إلى نمط والده الراحل رفيق الحريري، في اختيار الشخصيات التي تحيط به. كان والده يحيط نفسه دوماً بأهل الاختصاص في الشأن العام، وخبراء، ومخضرمين، قبل أن تفرض عملية اغتيال الحريري الأب على سعد الحريري تعاطياً مختلفاً، وخبرة سياسية كان يفتقر إليها، فتوسّع تيار "المستقبل" ليصبح تياراً عابراً للمناطق من الشمال إلى الجنوب من دون قدرة تنظيمية.

قد يصلح هذا الحديث الذي يردده أحد قادة تيار "المستقبل"، لفهم أسباب اختيار ريا الحسن لوزارة الداخلية كأول سيدة تتولّى ربما أهم وزارة في لبنان.

بات معلوماً أنّ تجربة وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق بالنسبة للحريري كانت سيئة، خصوصاً أنّه يعتبر أنّ نهاد خدم نفسه، وخدم مشروع زعامة كان يطمح إليها، ومشروع وصول إلى كرسي رئاسة الحكومة، بينما لم يقدّم أي خدمة لتيار "المستقبل"، وأضرّ بصورة التيار بطريقة إدارته للوزارة، واستغلاله نفوذه، فضلاً عما يحكى ضمناً عن فساد استشرى في وزارة الداخلية، لم تشهده في تاريخها.


"ضربة معلم"

عندما يُسأل أحد المقربّين جداً من الحريري، عن أسباب اختيار رئيس الحكومة للحسن، لتولّي وزارة الداخلية، يجيب، لـ"العربي الجديد"، باختصار: "بسبب الكفاءة والولاء والالتزام والنزاهة، إضافة إلى كونها سيدة".

يلخّص هذا الحديث ما يدور خلف أبواب بيت الوسط (مقر إقامة الحريري)، في مرحلة ما بعد الاستقالة من الرياض.

يقول العارفون إنّ الرجل عاش، منذ تلك الفترة، حالة من الإحباط وعدم الثقة بكل من حوله، ويشير الاختيار أيضاً إلى أنّ الحريري بدأ يعدّ العدة لتحوّل في تيار "المستقبل" إلى نمط جديد في اختيار الشخصيات التي سيقدّمها لدوائر صنع القرار، وهو ما بدأ به سابقاً عبر إعادة الهيكلة ضمن "التيار"، وعبر المحاسبة خلال ما بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، وتركيزه على النساء والشباب، على الرغم من أنّ إعادة الهيكلة تلك، كما تسميها المصادر، لم تكن ناجحة كلياً مع بروز شخصيات لم تكن على مستوى التطلعات، خصوصاً على المستوى النيابي.

يندر أن ينتقد أحد في تيار "المستقبل" ريا الحسن، صاحبة السيرة المهنية الصاخبة بمناصب وزارة المالية وإدارة مشاريع كبرى لمؤسسات مالية لبنانية ودولية ومصرفية. على عكس المشنوق الذي كان الانقسام الكبير في تيار "المستقبل" حول دوره وشخصيته حاضراً دوماً، بين من يرى أنّه يسعى إلى مطامع شخصية، وبين من يرى فيه ضرورة سياسية، في حين يبدو اختيار الحسن، وفق المقربين من الحريري: "ضربة معلم".

يريد الحريري لتجربته السياسية أن تكون مصبوغة بصبغة حداثية. هكذا مثلاً نجح في أن يوصل 3 نساء إلى مجلس النواب، لتكون الحصة النسائية الكبرى بين الكتل الممثلة في المجلس، وفي تاريخ لبنان، وهكذا أيضاً أراد من خلال وجود 4 سيدات في حكومته أن يُقال إنّها الحكومة التي تضمّ أكبر عدد من السيدات في تاريخ لبنان.


اختيار الحسن لوزارة لداخلية كان يراد منه إحداث "صدمة إيجابية"، تُلغي مفاعيل ما دار وما حصل خلال فترة تأليف الحكومة، من هرطقات دستورية، ومحاصصة فاقعة، انتُقد فيها جميع السياسيين، لا سيما الحريري المكلف تأليفها.

بعد ساعات ستدخل الحسن وزارة الداخلية لتتسلّمها من المشنوق. المرأة التي تتبوأ أهم منصب كامرأة في لبنان منذ الاستقلال، بعد أن شغلت يوماً وزارة المالية التي لا تقل أهمية عن الداخلية، ستكون أمام اختبار جدي لتثبت معه إما نجاح رهان الحريري، أو فشله مرة جديدة.


"حصان رابح"

يعوّل الحريري وغيره على الحسن القادمة من عالم المال والأعمال لقدرتها الإدارية. انتقد البعض تسليمها الداخلية، وهي التي قد تكون تصلح للمالية أكثر، نظراً إلى خبراتها وما راكمته منذ تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت في عداد فريق رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة، ولاحقاً الوزير باسل فليحان، قبل أن تتولى المالية في حكومة الحريري الأولى.

راهن الحريري لدى اختياره الحسن على شهادتها في إدارة الأعمال من الجامعة الأميركية في بيروت، التي نالتها في الثمانينيات، وشهادة الماجستير في الاختصاص نفسه من جامعة "جورج واشنطن" الأميركية في التسعينيات، وهو تحديداً ما نظر إليه الحريري بوصفه خلفية يمكن أن تفيد في إدارة وزارة الداخلية، لا سيما أنّ الشق الأمني مرتبط بقوى الأمن الداخلي التي يديرها اللواء عماد عثمان المقرّب من الحريري.

يراهن الحريري على المرأة الهادئة في الداخلية، ويراهن أيضاً عليها في مجلس الوزراء. يضيف العارفون أنّها "حصان رابح" أبعد من وزارة الداخلية، وفي ذلك إشارة واضحة إلى الدور المطلوب منها، لا سيما أنّ مهمة اقتصادية حساسة تنتظر الحكومة الحالية، لانتشال البلاد من أزماتها، وتنفيذ التعهدات المرتبطة بمؤتمر "سيدر"، وبالتالي ستكون الحسن، الخبيرة الاقتصادية، حاضرة إلى يمين الحريري، تماماً مثل وزير الاتصالات محمد شقير، رئيس اتحاد الغرف الاقتصادية اللبنانية.

ابنة طرابلس ستكون حاضرة أيضاً إلى يمين الحريري في الملفات المتعلّقة بمدينة طرابلس والشمال اللبناني عموماً، الذي يضم أغلبية سنية، والذي يعاني اقتصادياً، ويُعتبر من الأفقر في لبنان، لا سيما أنّ المرأة تدرك تفاصيل الملف الشمالي الاقتصادي من ألفه إلى يائه، بعد أن عملت أكثر من مرة في فريق الحريري على خطط متعلقة بهذه المنطقة، إضافة إلى تولّيها مؤخراً رئاسة المنطقة الاقتصادية الحرة في طرابلس.

يفتتح الحريري مع الحسن عهداً جديداً. وكأنّه أراد أن يقول إنّ سعد الحريري السابق انتهى، وإنّ عهداً جديداً بدأ؛ عنوانه العودة إلى شخصيات سياسية يمكن الركون إليها، بدل شخصيات سياسية استغلّت تياره لسنوات، مفتتحاً أيضاً عهداً جديداً يصفه في مجالسه بأنّه عهد "العمل" وليس عهد المواقف السياسية، ولهذا يمكن فهم استبعاده لشخصيات سياسية، لحساب شخصيات اقتصادية أو صاحبة اختصاص.

المساهمون