عامان على هزيمة "داعش": آثار النكبة العراقية راسخة

عامان على هزيمة "داعش": آثار النكبة العراقية راسخة

10 ديسمبر 2019
هجّرت الحرب 6 ملايين عراقي (سافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -
يحيي العراقيون، اليوم الثلاثاء، الذكرى الثانية لإعلان تحرير بلادهم من سيطرة تنظيم "داعش"، إثر حربٍ دامت نحو أربع سنوات، بعد اجتياح التنظيم آتياً من سورية، عام 2014، مدناً وأراضيَ شاسعة شمال بلاد الرافدين وغربها، تزامناً مع اندلاع حراك واسع وتظاهرات في ذلك الحين، شملت المحافظات الشمالية والغربية، احتجاجاً ورفضاً لسياسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

ولا تزال آثار الحرب ضد "داعش"، شاخصةً اليوم، في مدن العراق الرئيسية التي احتلها التنظيم، كالموصل والفلوجة وتكريت والرمادي والقيارة وتلعفر وهيت والقائم، حيث تطغى معالم الخراب، ويواصل قسم كبير من الأهالي حياة النزوح. وخلّفت الحرب، وفقاً لأرقام وتقارير سابقة صدرت عن وزارات الداخلية والصحة والتخطيط والهجرة والدفاع، وكذلك منظمات دولية ومحلية مختلفة، أكثر من ربع مليون قتيل وجريح، ونحو 20 ألف مختطف ومغيب، وتهجير قرابة ستة ملايين عراقي، فضلاً عن خسائر قدرت بنحو 100 مليار دولار أميركي. 

وخاضت القوات العراقية، التي استجمعت قواها بدعمٍ دولي كبير عقب تشكيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، معركة التحرير. وانخرطت معها فصائل "الحشد الشعبي" التي تشكلت بفتوى دينية من المرجع علي السيستاني، وسرعان ما نمت وتكاثر عناصرها، لتضم اليوم أكثر من 70 فصيلاً مسلحاً، تبنت إيران قسماً كبيراً منها، ولتتفرع إلى أجنحةٍ باتت تشارك أيضاً في الحرب السورية دعماً لنظام بشار الأسد.

وتأتي الذكرى الثانية لإعلان تحرير العراق من "داعش"، مع دخول عمليات "إرادة النصر" السابعة، التي تقودها القوات العراقية لملاحقة فلول التنظيم في مناطق متفرقة، يومها الرابع. ويكشف تواصل هذه العمليات أن خطر التنظيم الإرهابي في العراق لم ينته كلياً، بل لا يزال جاثماً على صدور العراقيين، مهدداً أمن البلاد التي لم تتعافَ من تداعيات كابوسه.

وتدور عمليات "إرادة النصر 7" حالياً في سلسلة جبال حمرين الممتدة بين محافظتي ديالى وكركوك، إضافة إلى فتح محاور في صلاح الدين. وأعلنت فصائل "الحشد الشعبي"، أخيراً، تدميرها مضافات تابعة لـ"داعش"، مؤكدة عثورها على عدد من العبوات الناسفة. ومن المفترض أن تستمر العملية إلى حين إعلان تطهير تلك المنطقة للشروع بعملية أخرى.



وفي السياق، قال المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة في العراق، تحسين الخفاجي، إن "القوات الأمنية تمكنت قبل أسابيع من إلقاء القبض على حامد شاكر، وهو الرجل الثاني في داعش، وابن عم أبو بكر البغدادي (زعيم التنظيم الذي قتل أخيراً بعملية أميركية في سورية)، ومن خلالها تمكنا من معرفة الكثير من المعلومات عما يمرّ به التنظيم في هذه المرحلة، وكيف يعمل على إعادة تنشيط خلاياه المنتشرة في مناطق عراقية". ورأى الخفاجي، بالرغم من ذلك، أن "داعش" لا يشكل الخطر الكبير على أمن العراق، لأنه بات "غير مرغوبٍ فيه، ويسعى حالياً إلى تجنيد بعض الأفراد ممن لا يملكون قاعدة بيانات، لكن بصعوبة، بسبب عمليات تجفيف منابع الإرهاب التي نفذتها القوات العراقية، إضافةً إلى الرفض الشعبي الكبير له، ناهيك بانهيار آلته الإعلامية التي كان يستخدمها لجذب الشبّان والمراهقين".

وأقرّ الخفاجي، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، بأن "التنظيم يسعى حالياً لاستغلال الأزمة الدائرة في العراق، وما تمر به البلاد من موجات احتجاج"، معرباً عن تقدير السلطات الأمنية بأن "داعش" يسعى للقيام بأعمال إرهابية في المناطق القلقة، مستغلاً انشغال القوات العراقية بتأمين مناطق الاحتجاجات، مع توفر تأكيدات على هذا التوجه".

من جهته، بيَّن الخبير الأمني سرمد البياتي، أن "داعش ضعُف وتلاشت قوته كثيراً، ولم تعد خطاباته مسموعة من أحد، وحالياً لا توجد سوى جيوب صغيرة من التنظيم في مناطق جزيرة سامراء وجنوب غربي الموصل وغرب الأنبار، وفي جنوب وجنوب غربي كركوك وبعض مناطق ديالى التي شهدت نشاطاً جديداً في الآونة الأخيرة نظراً لجغرافيتها التي تساعد ما تبقى من فلول التنظيم على السيطرة على مناطق مختلفة من وديان وتلال وبساتين".

وفي ما يتعلق بتموين التنظيم، أكد البياتي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه "أصبح قليلاً حالياً"، وأن "المتعاونين مع داعش أصبحوا بدورهم قلة، ليصح القول إن هذا التنظيم دخل مرحلة الاندثار، رغم استمرار تهديده لبعض المناطق البعيدة عن سيطرة الدولة وتحديداً الحدود العراقية - السورية، كما يمكن القول إن التنظيم مات بدوره مع مقتل زعيمه".

وفي مقابل الانتصار العسكري الذي حققه العراق على "داعش"، تتواصل ظاهرة الابتزاز السياسي والأمني للمدن التي وقعت أسيرة التنظيم بسبب الخلل الأمني الذي وقع في عهد رئيس الحكومة العراقية الأسبق، والمتهم الأول في ملف "داعش" ودخوله إلى العراق، نوري المالكي. وبحسب عضو "ائتلاف الوطنية" حامد المطلك، فإن "بعض الأطراف السياسية لا تزال تمارس سياسة الترهيب لمجتمعات الموصل والأنبار وصلاح الدين وكركوك، في سبيل إسكاتها".

وأكد المطلك، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "داعش بات منبوذاً في المناطق الغربية والشمالية أكثر منها في مناطق الجنوب، نظراً لما عانته المناطق العراقية التي تعرضت للاحتلال"، مستبعداً بشدة تمكن التنظيم الإرهابي من العودة والسيطرة حتى على حيّ واحد من أحياء أي محافظة"، ومشدداً على أن "داعش" أصبح "من الماضي". ورأى عضو "ائتلاف الوطنية" أن الذي يحصل حالياً، هو أن بعض القوى السياسية تعمد بشكل دائم إلى استفزاز المواطنين وابتزازهم وترهيبهم بعودة داعش، في حال رفضهم أي قرار يخدم مصالح تلك القوى". وأعطى المطلك مثالاً على هذا النوع من التخويف الأمني للمواطنين؛ "عندما خرج مئات العراقيين في مدينة الموصل لمساندة المتظاهرين في بغداد ومطالبهم المشروعة، انبرى بعض قادة الأمن ليهولوا من أن داعش قد يخترق الاحتجاجات، علماً أن التنظيم سُحِق وانتهى في المدينة".