حركة "الشباب الملكي" المغربية: ذراع بلطجية أم تنظيم للاسترزاق؟

حركة "الشباب الملكي" المغربية: ذراع بلطجية أم تنظيم للاسترزاق؟

05 ديسمبر 2019
شهد العام 2011 انقساماً في الشارع المغربي (جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -
تعيش حركة "الشباب الملكي" المغربية، منذ تأسيسها في عزّ الربيع الديمقراطي، نشاطاً متزايداً على فضاء الإنترنت، وميدانياً من خلال فروعها المنتشرة في عدد من الدول الأجنبية. وبالإضافة إلى العنف الذي يطبع أنشطتها، تُطرح الكثير من التساؤلات عن مدى قانونية أنشطة التنظيم ومصادر تمويله، وكذا سرّ الحماية التي يبدو أنه يحظى بها من قبل النظام.


ربيع البلطجة وخريف الديمقراطية؟

برزت حركة "الشباب الملكي" المغربية في سياق الربيع الديمقراطي ("الربيع العربي")، إذ يمكن تصنيفها ضمن ما يصطلح عليه بـ"البلطجية"، وهم أشخاص، غالباً من المنحرفين والجانحين من ذوي السوابق الإجرامية، تدفع لهم الأنظمة الاستبدادية مقابل محاربة كل أشكال المعارضة السياسية من طريق العنف. وتقتضي البلطجة ممارسة الترهيب ضد المتظاهرين عبر نسف مسيراتهم الاحتجاجية وتنظيم تظاهرات موازية، أو مُضادة، تروم إظهار نوع من الانقسام المجتمعي حول قضايا سياسية واجتماعية معينة. وتُعتبر "موقعة الجمل" التي عرفتها القاهرة، أيام الثورة المصرية، إحدى أهم المحطات التي سلّطت الضوء على هذه الظاهرة. ففي يوم 2 فبراير/ شباط 2011، أقدم عدد من المسلحين على مهاجمة المتظاهرين بالسكاكين والعصي والحجارة، في محاولة لإخلاء ميدان التحرير من المتظاهرين المعتصمين منذ 25 يناير/ كانون الثاني، وهو ما سبّب سقوط عشرات القتلى والآلاف من الجرحى.

وتستمد كلمة "البلطجي" أصلها من مصطلح "البلطة"، أي الفأس الحادة التي تستخدم في تقطيع الأشجار، وتُطلق على فرق المشاة العثمانية التي كانت تتجلى مهمّتها في تمهيد الطرق، عبر نزع الأشجار على سبيل المثال، قبل الغزو. ولا يخلو هذا التعريف اليوم من رمزية، إذ غالباً ما تُمهّد أنشطة "البلطجية" لحملات القمع بين صفوف المُعارضين، وهو ما يجعل دورها يُختزل في نزع الصدقية عن الحركات الاحتجاجية القوية. رغم الانتشار الواسع لمصطلح "البلطجية" على المستوى العربي، فإننا نجد له مقابلاً بحسب البلدان، إذ نتحدث عن "الشبيحة" في سورية، و"البلاطجة" في اليمن، و"المليشيا" في تونس، و"المرتزقة" في ليبيا، و"الرباطة" في السودان و"الزعران" في الأردن. أمّا في المغرب، فيُطلق عليها "العياشة"، نسبة إلى عبارة "عاش الملك" التي يعكف البلطجية على ترديدها أينما حلّوا.

في شريط فيديو، يعترف محمد دالي، الرئيس المؤسس للحركة، بأن "الشباب الملكي" تنظيم مُضاد لحركة "20 فبراير"، إذ تأسس بعد يوم واحد من خروجها إلى الشارع. يحكي محمد دالي، الذي يقدم نفسه كـ"مستثمر" على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن التنظيم أُطلق من إيطاليا حيث كان يقيم، وحمل في البداية اسم "حركة الشباب الملكي للمغاربة المقيمين بإيطاليا"، قبل أن يتوسّع تحت تسمية "حركة الشباب الملكي للمغاربة بالخارج والداخل" بعد تلقيه عدة طلبات عضوية وانخراط من خارج إيطاليا، خصوصاً في إطار "تطبيق التعليمات السّامية لصاحب الجلالة" (بحسب الأشرطة الدعائية للحركة فالتنظيم يضم اليوم أكثر من 260 فرعاً في المغرب ومختلف الدول، وانفتح على أعضاء من جنسيات من غير المغاربة: السنغال وكوت ديفوار (ساحل العاج) ومصر والصين...). غير أن مصادر أخرى تشير إلى أن الحركة تأسست يوم 10 يناير/ كانون الثاني 2011، أي نحو 5 أسابيع من خروج حركة "20 فبراير" إلى الشارع، وهو ما يعني ـ إن صحّت المعلومة التي أوردها أيضاً موقع "Le360" المُقرب من السّلطة ـ أن مؤسّسي الحركة استبقوا الشارع بفضل إرهاصات "الربيع العربي" في كل من تونس ومصر.

ذراع شبه عسكرية
لفتت حركة "الشباب الملكي" الأنظار من خلال هجماتها على المتظاهرين في أثناء تظاهرات حركة "20 فبراير"، النسخة المغربية للربيع الديمقراطي. ويُعتبر أمين البارودي، الملقب بـ"مول الفردي" (صاحب المسدس) بعد بثه شريط فيديو تهديدياً يحمل فيه مسدساً، أحد الأسماء الأولى التي جلبت إليها الأضواء. ورشق البارودي أعضاء حركة "20 فبراير" بالبيض (عملية أطلق عليها "ثورة البيض")، وأشرف على تنظيم حملات في الشارع للدعوة إلى التصويت بـ"نعم للدستور الجديد"، وهاجم المناهضين للاستفتاء. وفي أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2013 تهجم بالسب والتهديد بكرسي على مجموعة من الشباب، وهم يتبادلون القُبل رمزياً على مقربة من البرلمان المغربي، تضامناً مع مراهقَيْن اعتُقلا بمدينة الناظور، بسبب صورة لهما وهما يقبّل بعضهما البعض. كذلك ظهر الملقب بـ"مول الساطور"، في شريط فيديو بُثّ على "يوتيوب"، وهو يحمل ساطوراً ويهدد أعضاء "20 فبراير" بالقتل، موجهاً اتهامات إلى الحركة وإلى كل من جماعة "العدل والإحسان" واليسار الموحد، بالسعي وراء إسقاط النظام للاستيلاء على الحُكم وتخريب البلاد.

تكرّر الأمر ذاته مع حراك الريف (2016)، إذ ظهر أعضاء محسوبون على الحركة في عدة فيديوهات (1، 2) وهم يحاولون نسف عدة وقفات ومسيرات احتجاجية، كما هو الحال خلال وقفة تضامنية مع "حراك الريف" في الدار البيضاء، يوم 28 مايو/ أيار 2017، رغم أنها شهدت حضور بعض الشخصيات السياسية، أمثال الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب. وفي يونيو/ حزيران من عام 2017، أقدم عشرات من أفراد الحركة، مدججين بالحجارة والأسلحة البيضاء، بمهاجمة المواطنين المتضامنين مع حراك الريف في ساحة التغيير بطنجة، مرددين شعارات "عاش الملك" و"محمد السادس، ملكنا واحد"، و"عاش الملك"، فضلاً عن عبارات نابية تتهم النشطاء بالخيانة وخدمة أجندات انفصالية.

ووصل عنف "الشباب الملكي" إلى حد اتهامها بقتل متظاهرين. فقد اتهمت رابطة العمل الشيوعي الحركة بتصفية كمال الحساني، المناضل في الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين في المغرب وحركة "20 فبراير" في الحُسيمة، بطعنات غادرة بواسطة سكين في 27 أكتوبر 2011. هذا المعطى جعل بعض المحللين السياسيين يشبّهون الحركة بجماعات اليمين المتطرف في أوروبا. ووقّع أعضاء الحركة تعهداً مصدقاً عليه من طرف الإدارة الترابية المحلية بعدم "خيانة البلد والملك رمز السيادة الوطنية والوحدة الترابية تحت شعار الله، الوطن، الملك"، تحت طائلة فقدان العضوية. في أحد الملصقات الدعائية الرسمية بخلفية حمراء (اللون الرئيسي للعلم الوطني)، وُضع الملك في أعلى الصورة وسط شعار المملكة، وهو محاط بخمسة رجال مسلحين وملثمين على شاكلة قوات الكومندوس، وكتبت عبارة "هنا المغرب، تتعدى حدودك ينتهي وجودك".

استراتيجية رقمية مبنية على الرّقابة وردّ الفعل

تنبني الاستراتيجية الرقمية لحركة "الشباب الملكي" على ردود الفعل أكثر من الفعل، إذ إن حملاتها (سواء الإلكترونية أو الميدانية) غالباً ما تأتي للتصدي لقوة معارضة جديدة أو لمساندة توجه جديد للنظام (عقب خطاب ملكي مثلاً). يُشيد "الشباب الملكي" بأربعة أو خمسة أشخاص، ويشنون "حرباً" على كل من يجرؤ على انتقادهم. يتعلق الأمر بكل من الملك ومستشاره فؤاد عالي الهمة ورجل المخابرات عبد اللطيف الحموشي (المدير العام للأمن الوطني والمدير العام لمديرية مراقبة التراب الوطني) ورجل الملفات الإرهابية عبد الحق الخيام (مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية)، فيما يضاف إليهم أحياناً الملياردير عزيز أخنوش، صديق الملك ووزير الفلاحة منذ 2007.

ومن أجل تحقيق أهداف الحركة من الإعلام، يبني أعضاؤها استدلالهم بالتنبيه من "الفتنة" ومن "الأيادي الخارجية" عبر التذكير بالمحيط الجيوسياسي للمنطقة العربية، وبـ"الدمار" الذي خلّفه الربيع العربي ("الخراب العربي" حسب أحد أعضاء الحركة)، وذلك بعبارات من قبيل "هل تريدون أن يتحول المغرب إلى سورية/ ليبيا جديدة؟". وفي كل الأحوال يعمل أعضاؤه بلا كلل على تجميل صورة الملكية ومحاولة إظهار رئيس الدولة على أنه غير مسؤول عن مشاكل البلاد أو على غير علم بها ("الملك زوين، اللي دايرين بيه اللي خايبين" أي "الملك جيد، لكن محيطه سيّئ/ فاسد").

من أجل تقوية حضورها الافتراضي والرفع من تأثيرها، عملت الحركة على استقطاب جيل جديد من "المؤثرين الإلكترونيين"، من أمثال محمد السكاكي، المعروف بـ"مول الكاسكيطة" (صاحب القبعة). في شريط بثه هذا الأخير على صفحته على "فيسبوك" يبرر التحاقه بالحركة بتخلي المناضلين عنه وهو في السجن عند اعتقاله مرتين. ويُضيف أن حركة "الشباب الملكي" هي الوحيدة التي آزرته في محنته، من خلال مساعدات قدمها أعضاؤها لزوجته، مع توصية لها مفادها "قولي له أن يهتم بشأنه، فلا وجود لشعب يستحق التضحية من أجله".

لمواجهة المُعارضين على فضاء الإنترنت، ينظّم أعضاء الحركة حملات للتعليق على بث "الأعداء". تروم التعاليق الحية تحقيق هدفين اثنين: إخراج المتحدث عن الموضوع الذي اختاره، ليناقش مواضيع هامشية (غالباً ما يكون الدفاع عن الاتهامات المُوجهة إليه في التعليقات)، ثم محاولة التأثير في الرأي العام عن طريق إظهار المتحدث كنقطة نشاز لا تحظى بدعم شعبي مُهم. في مقابل التعليقات المكتوبة على البث المباشر، كثيراً ما يُلجأ إلى الصور المركبة والكاريكاتورية لاستهداف آراء النخبة المثقفة، نظراً لصعوبة مواجهتهم على المستوى "الفكري". بالإضافة إلى ذلك، تعطي الصور الكاريكاتورية، كتلك التي تصور الشخص كلص يحمل كيساً مليئاً بالدولارات الأميركية، الانطباع بأن المعني سبق أن كشفت وسائل الإعلام "تورطه" في فساد مالي، في حين أن تلك الرسوم لم يسبق نشرها، كذلك فإنها غير موقعة كما هي عادة رسومات الكاريكاتير.

كثيراً ما تستهدف تهديدات الحركة معارضي النظام المقيمين بالخارج، والذين يصعب أن تطاولهم يد القضاء الانتقامي. في رسالة تحذيرية مليئة بالوعيد، دعا منسق الحركة المناضلين المغاربة في أوروبا إلى الحذر، واصفاً حركته بأنها "جيش بالزي المدني هدفه الأسمى الدفاع عن النظام الملكي"، مُضيفاً: "نموت ويحيا الملك. هذا هو شعارنا. فانتظرونا، نحن قادمون". محمد الراضي الليلي، صحافي لاجئ في فرنسا، واحد من هؤلاء الذين استهدفتهم الحركة، خصوصاً بسبب آرائه في قضية الصحراء على قناة "فرانس 24"، التي اعتاد الحلول ضيفاً على برامجها. على سبيل المثال، نشر محمد شاهما، أحد أعضاء الحركة، صورة مركبة لهذا الأخير، وهو يطأ على الراضي الليلي، مع عبارات "مكانك تحت القدم أيها الخائن القزم". كذلك نشر عبدو الريفي، وهو أحد أعضاء الحركة البارزين، الرقم الهاتفي الشخصي للصحافي على "فيسبوك"، ليتلقى بعدها رسائل سب وأخرى تهدده بالاغتصاب. وفي صور عديدة أخرى، اطلعت عليها "أوريونت 21"، نرى الراضي الليلي في صورة شيطان وبجسد كلب ورضيع في ثوب علم "البوليساريو"، وكذا في وضعيات وبلباس أنثوي شبه عارٍ في وضعية مُخلة بالآداب.

إلى جانب الراضي الليلي، استُهدف المُعارض تاشفين بلقزيز، أحد مؤسسي "حركة الجمهوريين المغاربة"، وهو مُقيم في إيطاليا، بعدة حملات إلكترونية، كهذا الشريط الذي يصفه فيه رئيس حركة الشباب الملكي بـ "المرتزق المبعوث والمُدعم من جهات إرهابية لزعزعة استقرار البلاد". تُضاف إلى حملات التشهير والتهديد خاصية التبليغات التي تُتيحها شبكة "فيسبوك"، والتي اعتاد "الذباب الإلكتروني" استغلالها لممارسة الرقابة على الآراء المزعجة. ففي 23 أغسطس/ آب الماضي، على سبيل المثال، تعرض حساب سعيد السالمي الصحافي والأستاذ الجامعي المقيم في فرنسا، للتعطيل ساعات قليلة فقط بعد مشاركته على شبكات التواصل بمقال نشرته أسبوعية "ليكسبريس" الفرنسية، يتناول قصة طلاق الملك محمد السادس من الأميرة سلمى. يصعب معرفة مصدر الهجوم، إلا أنه بات معلوماً اليوم كيف تستغل "الجيوش الإلكترونية" لبعض الأنظمة "ثغرة قانونية" ضمن شروط استخدام "فيسبوك" كالتزام عدم استعمال خطاب كراهية أو تحريض على العنف على سبيل المثال. غير أن العدد الضخم لمستعملي "فيسبوك" عبر العالم يجعل الشركة عاجزة عن التأكد من مطابقة كل ما يُنشر لشروطها، وهذا ما دفعها إلى ابتكار نظام التبليغات، وهو خاصية تُتيح للمستخدمين إثارة انتباه "فيسبوك" إلى محتويات تحرض على العنف مثلاً. عندما يتلقى منشور تبليغات كثيفة (وهو ما يسهل القيام به بشكل جرمي) يقوم "فيسبوك" بالحظر الأتوماتيكي للمحتوى المعني أو لحساب صاحبه، في انتظار أن يتأكد موظفو الشركة من صحة التبليغات.

حركة تحوم حولها شبهات الارتباط بالقصر

في ظل التضارب حول تاريخ التأسيس الحقيقي للحركة، تُشير أقدم الوثائق المتحصل عليها إلى أن الجمعية جُدِّد مكتبها بتاريخ 21 يونيو/ حزيران 2012. فكيف وافقت السلطات على تأسيس جمعية تمارس أعمالاً تحريضية وعنيفة، ووضعت منذ البداية ضمن أهدافها "التصدي لكل الحركات والجبهات والأجندات والهيئات والأصوات التي تستهدف هوية الشعب المغربي أو المسّ بمقدساته"، فيما ينص قانون تأسيس الجمعيات المغربي على حلّ كل جمعيات أو هيئات "قد تُحرض على قيام مظاهرات مسلحة في الشارع"؟ وكيف منحت السلطات وصل اعتراف قانوني لحركة يشير اسمها علناً إلى الملكية؟ يزداد هذا السؤال إلحاحاً إذا استحضرنا محاكمة  مواطنين وسجنهم لمجرد استعمالهم صورة الملك، أو حتى أفراداً من العائلة الملكية، كبروفايلات حساباتهم على "فيسبوك"، كما هو حال المهندس الشاب فؤاد مرتضى، الذي حكم عليه في عام 2008 بثلاث سنوات سجناً، بتهمة "انتحال صفة" الأمير رشيد.

على غير العادة، وصل إيداع ملف التصريح إلى ختم عامل عمالة مقاطعة الحي الحسني أمحمد كردوح، في حين أن هذا النوع من الوثائق عادة ما يوقع من طرف القائد أو الباشا، وهو ما قد يمكن تفسيره ربما بتحفظ رجال السلطة المعنيين من اتخاذ قرار التوقيع من عدمه، وإحالة الملف على رئيسهم المباشر بحسب التسلسل الوظيفي. تفتخر الحركة بعلاقتها بالقصر، إذ يصف أعضاؤها أنفسهم في ملصقاتهم بكونهم "خدام العرش الأوفياء"، فيما يصرّح رئيسها بأنه يتحرك "تحت التعليمات السامية لصاحب الجلالة". تُفتتح أنشطة الجمعية باسم "جلالة الملك نصره الله وأيده"، ويُشير قانونها الأساسي صراحةً إلى وجود "تنسيق مع الديوان الملكي"، بالإضافة إلى مهامها في "الإسهام بمختلف مكوناتها في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي يرعاها صاحب الجلالة نصره الله وأيده". ودأبت الحركة على وضع شعار المملكة في ترويسة وثائقها والافتخار علناً بكونها تحظى بـ"الرعاية السامية لصاحب الجلالة"، وهو دعم يتطلب موافقة الديوان الملكي وتتهافت عليه الفعاليات الثقافية والفنية والرياضية للحصول عليه (ولا سيما أنه يسهل الحصول على التمويل ودعم السلطات المحلية في تنظيم التظاهرات)، خصوصاً إذا ما استحضرنا رفضه لعدة جمعيات وفعاليات وطنية هامة، بما فيها تلك التي تقف وراءها شخصيات سياسية بارزة، كما هو الحال مع حبيب الشوباني عندما كان وزيراً للعلاقات مع البرلمان، وقبله مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الأسبق.

إذا أضفنا إلى كل هذه المُعطيات عدم تحرك النيابة العامة في فتح تحقيقات بعد تداول فيديوهات تهديدية ضد نشطاء، والإمكانات اللوجستية (بورتريهات الملك، أعلام، تمويل التنقل لمئات الأشخاص من مختلف المدن للمشاركة في التظاهرات وأحياناً إلى أوروبا لفائدة أعضائها) التي تحظى بها الحركة، والحضور الإعلامي لبعض أعضاء الحركة في وسائل الإعلام الرسمية (كالتلفزة الوطنية) وتلك المقربة من السلطة، يمكن الحسم بأن النظام، إن لم يكن وراء التنظيم، فإنه - على الأقل - راضٍ عنه ويدعمه للاستمرار في أنشطته، بما فيها التي تتبنى العنف. "وما العيب في أن يحمل شباب آخر رأياً يتماهى مع أعلى سلطة في البلد ومستعد للدفاع عن هذا الموقف في الشارع العام؟"، كما كتبت إحدى الصحف المقربة من النظام عن الحركة.

إمكانات ضخمة من أجل نتائج ضعيفة وأحياناً عكسية

تعيش الحركة منذ تأسيسها اضطراباً على مستوى الرؤية الاستراتيجية. فبالإضافة إلى الصراع حول الشرعية التأسيسية والانقسامات الداخلية التي وصلت إلى حدّ تبادل الضرب بين رئيسها وإحدى عضوات الحركة التي اتهمها بـ"العمالة للجزائر"، فقد أعلنت في وقت سابق تغيير اسمها من "حركة الشباب الملكي" إلى "حركة مغاربة الدستور"، بسبب ما سمّته الحركة في بلاغ عُمِّم على وسائل الإعلام "استغلال البعض لهذا الاسم من أجل الاسترزاق والابتزاز بعيداً عن المبادئ التأسيسية". غير أن التسمية الأصلية سرعان ما عادت من جديد لتطفو على السطح، بل وبرز التنظيم في تركيبات مختلفة كـ"حركة الشباب الملكي للمغاربة في الداخل والخارج" على سبيل المثال. كذلك انبثقت عن النواة الأم للحركة عدة تنظيمات أخرى، كـ"جمعية حب الوطن أولاً" و"الحركة الدولية للتواصل والإعلام" و"فيلق الملثمات"، وهن مجموعة من النساء الملثمات يطلقن على أنفسهن أيضاً "بنات الحسن الثاني".

بالرغم من الإمكانات المادية واللوجيستية التي يبدو أن الحركة تحظى بها، تُظهر أنشطتها القليل من الاحترافية والكثير من الهواية. على سبيل المثال، أصدرت الحركة بلاغاً استنكارياً ركيكاً ردّاً على عملية حرق العلم الوطني في باريس خلال مسيرة تخليدية لمقتل محسن فكري في 26 أكتوبر الماضي. فقد توجه البلاغ إلى وزارة الداخلية الفرنسية بصيغة "عزيزتي فرنسا الإرهابية" قبل أن يختم بصيغة "وتقبلوا مني سيدي أحرّ التحيات"، مع توقيع رئيس الحركة بعبارة "خادم الأعتاب الشريفة"، وهو ما جرّ على الحركة تهكماً واسعاً على الشبكات الاجتماعية.

إذا نجحت الحركة عبر خدماتها في خلط الأوراق خلال بعض المحطات السياسية والاجتماعية الصعبة التي مرت منها البلاد (حركة 20 فبراير، حراك الريف...) وتقديم خدمات آنية للنظام (القدرة على الحشد مثلاً)، فإن أدوات عملها (قد) تؤدي إلى نتائج عكسية على المستوى البعيد. أولاً من خلال تشجيع تناسل تنظيمات مشابهة تحاول بيع خدماتها للنظام، أحياناً بنوع من الابتزاز، ثم من خلال مساهمتها في كشف بعض أوراق بروباغاندا (دعاية) النظام، وأخيراً بتوجيه النقاش نحو قضايا لم تكن مطروحة بشكل مباشر وحاد في ما مضى، كالانقسام حول الملكية من خلال شعاراتها "ملكنا واحد، محمد السادس"، و"عاش الملك" التي بدأ المتظاهرون أخيراً يردون عليها بهتاف "عـاش الشعب!".

يُنشر بالتزامن مع موقع ORIENT XXI