وقف إطلاق النار في أفغانستان: ورقة للتفاوض السياسي

وقف إطلاق النار في أفغانستان: ورقة للتفاوض السياسي

01 يناير 2020
قوات أفغانية تعتقل عناصر من "طالبان"(نورالله شيرزاده/فرانس برس)
+ الخط -

ارتفعت وتيرة التكهنات بشأن وقف إطلاق النار في أفغانستان في الأيام الأخيرة، للمضي قدماً في عملية المصالحة، وتحديداً موافقة حركة "طالبان" بهذا الصدد، كونه الشرط الأساسي لواشنطن وكابول للتقدم في الحوار قبل توقيع اتفاقية مرتقبة بين الأميركيين والحركة، تدشن المرحلة الثانية والأهم وهي الحوار بين الحكومة الأفغانية و"طالبان". في الأيام الماضية أوردت بعض وسائل الإعلام المحلية والدولية نبأ موافقة المجلس القيادي في "طالبان" على وقف إطلاق النار لأيام محدودة، من أجل إتاحة الفرصة للتوقيع على الاتفاقية بين واشنطن والحركة، وذكرت بعضها تفاصيل ما جرى بهذا الخصوص داخل "طالبان".

وفي خضم تلك التكهنات والأقاويل، أعلن المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد في بيان، يوم الإثنين أمس، أن قضية وقف إطلاق النار والتباحث بشأنه أمر غير وارد وغير مطروح على طاولة "طالبان"، مؤكداً أن بعض وسائل الإعلام تنشر تقارير غير صحيحة وغير دقيقة بهذا الخصوص. ولفت في الوقت نفسه إلى أن الحركة ليس لديها نيّة لوقف إطلاق النار، بل تلقت طلباً أميركياً لجهة تخفيض حجم وتيرة العنف والعمليات، وهي تتشاور داخلياً بشأنه. واتهم مجاهد بعض الجهات التي وصفها بـ"المغرضة" بترويج الشائعات للعبث بعملية المصالحة. كما نفى المتحدث باسم المكتب السياسي لـ"طالبان" في الدوحة سهيل شاهين، لـ"العربي الجديد" أن "تكون طالبان قد وافقت على وقف مؤقت لإطلاق النار".

وكان وقف إطلاق النار مطلب الحكومة الأفغانية منذ بدء عملية الحوار بين "طالبان" والولايات المتحدة، ولكن الفكرة طُرحت بقوة بعد إلغاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب عملية الحوار مع "طالبان" في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، وطلب الرئيس الأفغاني أشرف غني في أول رد فعل له على إلغاء الحوار أن يكون وقف إطلاق النار شرطاً أساسياً لاستئناف الحوار. وتعززت الفكرة بعد زيارة مفاجئة لترامب إلى أفغانستان في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث دار الحديث بينه وبين الرئيس الأفغاني حول استئناف الحوار مع "طالبان"، على أن يكون الشرط الأساسي قبول الحركة وقف إطلاق النار.

لاحقاً، أصبح هذا المطلب من أهم المتطلبات للمضي قدماً في العملية، وذلك بعد استئناف العمليات بين الطرفين في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فتمّ تأجيل العملية لفترة قصيرة بهدف تشاور مفاوضي الحركة مع قياداتها، غير أن فترة التوقف لم تمنع استمرارية المشاورات، التي تتراوح بين وقف إطلاق النار، حسبما يقول مسؤولون في الحكومة الأفغانية، أو خفض وتيرة العنف والعمليات حسبما تذكر الحركة.



وتنتظر الحكومة الأفغانية رد "طالبان" وموقفها حيال القضية من أجل توقيع الاتفاقية بينها وبين واشنطن، إيذاناً ببدء الحوار الأفغاني – الأفغاني، أي الحوار المباشر بين الحكومة والحركة. في هذا الصدد، ذكر أحد مستشاري الرئيس الأفغاني، رئيس مكتب الاستراتيجيات العامة في الحكومة الأفغانية، وحيد عمر في تغريدة له على موقع "تويتر"، أن الحكومة الأفغانية على أهبة كاملة لإجراء الحوار مع "طالبان" وسترسل مفاوضيها للحوار مع الحركة، بعد أن تعلن الأخيرة وقف إطلاق النار، والأمر متعلق بقرار "طالبان". وأكد أن وقف إطلاق النار شرط أساسي للحكومة من أجل الحوار، مشيراً إلى أن الحكومة تسعى جاهدة لإيجاد حل للأزمة الأفغانية، ولكنها تنتظر أموراً عدة: إعلان "طالبان" وقف إطلاق النار، وتوقيع الحركة الاتفاقية مع واشنطن ثم قبولها للحوار مع مفاوضي الحكومة.

أمام هذا الواقع يُطرح تساؤل حول أهمية وقف إطلاق النار للطرفين، فلماذا إصرار الحكومة الأفغانية على ذلك، في حين تعتبر "طالبان" أن وقف إطلاق النار مع الحكومة قضية داخلية يتم الحديث حولها في المرحلة التالية. ويقول مسؤولون إن إصرار الحكومة على وقف النار، هو لمعرفة مدى تماسك الحركة وما إذا كانت موحّدة، لأن وقف المعارك ولفترة طويلة قد يظهر ذلك. أما الحركة فإنها تصر على الرفض لأمور عدة، منها لأنها ورقتها الأقوى في المرحلة الثانية من التفاوض، وإذا وافقت عليها من الآن، سيُصبح موقفها ضعيفاً لاحقاً.

في هذا الإطار، قال قائد ميداني في الحركة لـ"العربي الجديد"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، إن "قوتنا هي السلاح وإذا ما ألقيناه سنصبح ضعفاء بعد ذلك على الطاولة، لذا لا نريد إلقاء السلاح حتى نصل إلى الهدف المنشود". كما تخشى الحركة تفرّق مقاتليها لأن الحرب هي ما تجمعهم، ومع وقف إطلاق النار ومن دون وجود آلية تجمع هؤلاء ستخسر الكثير من عناصرها. ثمة خشية أيضاً، كما يقول القيادي في الحركة، من أن "يعبث الأعداء بعملية المصالحة من خلال هذه الورقة، لأن الحركة إذا ما أعلنت وقف إطلاق النار في هذه المرحلة فإن تلك الجهة ستقوم بأعمال عنف باسم طالبان لتظهر أنها ليست متماسكة وأن هناك خروقاً للقرار، بحيث أنها لا تستطيع أن تجمع قياداتها الميدانيين على كلمة واحدة". ومن الواضح أن بعض القادة الميدانيين في "طالبان" لا يقبلون وقف المعارك في هذه المرحلة وقبل خروج القوات الأجنبية بأسرها من البلاد، ومنهم القيادي إبراهيم صدر الذي يعتبر في الحركة كوزير دفاع، بالتالي لا ترغب الحركة في أن تضع نفسها في هذا الاختبار في هذه الفترة الحساسة.


المساهمون