الأمم المتحدة عاجزة: من سياسات ترامب إلى الحروب بالوكالة

الأمم المتحدة عاجزة: من سياسات ترامب إلى الحروب بالوكالة

01 يناير 2020
غوتيريس بقي في ظلال ترامب (درو أنجيرر/Getty)
+ الخط -

لم يتمكن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بعد ثلاث سنوات من توليه منصبه، من الخروج من ظلال سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وردود الفعل عليها. تلك السياسة المتمثلة بالتفرّد بالقرارات وضرب الإجماع الدولي عرض الحائط في قضايا جوهرية، كالمناخ وحقوق الإنسان وفلسطين، ناهيك عن التعاون متعدد الأطراف بين الدول، والذي يتبلور في سياق الأمم المتحدة بإصدار قرارات مجلس الأمن واتفاقيات دولية كاتفاقية باريس للمناخ مثلاً وغيرها. وتجلّت هذه الإشكالية في أكثر من مناسبة خلال عام 2019 لا بسبب سياسات الولايات المتحدة فحسب، بل كذلك لاستمرار عدد من الدول بفرض سياساتها على أرض الواقع ودعم حروب بالوكالة كما يحدث في سورية أو ليبيا ومناطق أخرى. وزادت سياسات الرئيس الأميركي من التشرذم الذي يشهده العالم وزعزعت، في ما يخص الأمم المتحدة، سنوات من العمل على عدد من الملفات، كملف الاتفاق النووي الإيراني والمناخ، والتي كانت الولايات المتحدة من بين مهندسيها.

وبعد مرور عامين من المد والجزر في العلاقة بين الأمم المتحدة وترامب، راهن غوتيريس على ملف المناخ لعله يتمكن من إحراز تقدم فيه على الرغم من إعلان الرئيس الأميركي رغبته بالانسحاب من اتفاقية باريس، بعد أشهر من توليه لرئاسة الولايات المتحدة. ولعل رهان غوتيريس جاء بسبب وجود عدد من الدول الغربية المهمة، كألمانيا وفرنسا وبريطانيا، التي أعلنت استمرارها بدعم الاتفاق والتزامها به. وفي شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، تمكن غوتيريس خلال اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك، من حشد عدد من قادة العالم الذين أكدوا على استمرار دعمهم للاتفاق. وقدم العديد منهم اقتراحات عملية حول الخطوات التي يريدون اتخاذها لمحاربة التلوث البيئي والاحتباس الحراري. كما تمكنت الأمم المتحدة، وعلى رأسها غوتيريس، من إشراك الشباب بشكل فعال خلال أعمال الجمعية العامة. ولم تقتصر تلك الفعاليات على المسيرات بل تضمنت مشاركة قادة شباب لاجتماعات وندوات عديدة حضرها كذلك قادة دول كما مسؤولون كبار في شركات وقطاعات خاصة ومنظمات المجتمع المدني.

وأظهرت نتائج قمة مدريد للمناخ "كوب 25" في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، محدودية النجاح الذي تمكن غوتيريس من تحقيقه في ظل التعنت الأميركي والصيني، أكبر اقتصادين في العالم وأكبر ملوثين للبيئة، وعدم إحراز تقدم ملموس. وعبّر غوتيريس عن خيبة أمله من تفويت فرصة مهمة لمواجهة تحديات المناخ وإثبات طموح أكبر بما يتعلق بخفض انبعاثات غازات الدفيئة كما تمويل الأزمة المناخية ودعم الدول الفقيرة والأكثر تضرراً.

وفي العام 2019 استمر العنف حول العالم وبدت مؤسسات الأمم المتحدة ونظامها الذي يعكس نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) وميزان القوى آنذاك، عاجزين عن العمل بكفاءة والتصدي لأوضاع سياسية مزرية تفرض نفسها على الأرض من دون أن يكون هناك نظام دولي يساعد على تقديم الحلول ويفرض دبلوماسية وقائية دولية، ويشكّل ضغطاً على أنظمة عديدة مستمرة في بطشها ضد الأبرياء، من الصين وزجها لأكثر من مليون من الإيغور في معتقلات احتجاز، إلى أميركا اللاتينية وانقلاب بوليفيا، فالشرق الأوسط والصراعات المستديمة وظهور انتفاضات جديدة، كما في العراق ولبنان. لكن ارتفاع صوت الحرب وبلطجة الدول القوية تجلى حتى في الملفات التي صدرت فيها قرارات عن مجلس الأمن أو الجمعية العامة والتي لا يتم تنفيذها. ولعل أكثر الأمثلة فجاجة في هذا السياق هي القضية الفلسطينية. إلا أن ذلك لا يقتصر عليها، إذ شكّلت ليبيا مثالاً آخر على قرارات مجلس الأمن التي يتم خرقها من دون محاسبة.



وفي السياق الفلسطيني، استمر الجانب الأميركي باتخاذ القرارات أحادية الجانب، إضافة لخطوات اتخذها في سنوات سابقة، كنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، والاعتراف بالأخيرة كعاصمة لدولة الاحتلال، ليلحقها نهاية عام 2019 الإعلان الأميركي أن "المستوطنات لا تتنافى مع القانون الدولي"، على عكس ما ينص عليه القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وفشل مجلس الأمن في تبني بيان تعبيراً عن أسفه لقرار دولة الاحتلال الإسرائيلي رفضها التمديد لولاية بعثة المراقبة الدولية في مدينة الخليل، والتي تقوم بولايتها منذ عام 1994. وكانت تلك البعثة المؤلفة من 64 عنصراً، قد بدأت عملها عقب مجزرة ارتكبها المستوطن الإسرائيلي باروخ غولدشتاين، في 25 فبراير/ شباط 1994، داخل المسجد الإبراهيمي، ما أدى إلى استشهاد 29 فلسطينياً وجرح عشرات آخرين أثناء تأديتهم صلاة الفجر. واقتصرت المهام الرئيسة للبعثة على المراقبة وكتابة التقارير التي لا تنشر رسمياً وترفع فقط إلى الجوانب ذات الصلة، الإسرائيلي والفلسطيني.

وفي ليبيا، فشل مجلس الأمن في تطبيق قراراته، وأهمها حظر مد أطراف النزاع بالأسلحة. ولم تبذل أي من الدول التي خرقت القرار مجهوداً لإخفاء مدها أطراف الصراع في ليبيا بالأسلحة والتدريب وتهريب النفط وغيرها، وهو ما خلص إليه تقرير صادر عن فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وفي سورية، فشل غوتيريس بعد استخدام روسيا والصين حق النقض "الفيتو" وإسقاط تبنّي مجلس الأمن لقرار يجدد لآلية تقديم المساعدات الإنسانية لسورية من خلال المعابر الحدودية مع تركيا، باب السلام وباب الهوى، ومع العراق، اليعربية، ولستة أشهر. وستنتهي صلاحية القرار الحالي الذي يسمح بتقديم المساعدات عبر المعابر الحدودية، في 10 من شهر يناير/ كانون الثاني المقبل. ومن المتوقع أن تجتمع الدول الأعضاء في مجلس الأمن مجدداً للتفاوض حول صيغة جديدة قد تقبل بها روسيا والصين.

وفي اليمن وعلى الرغم من مرور عام على التوصل لاتفاق الحديدة في استوكهولم، إلا أنه لم يتم تنفيذ سوى بعض جوانب الاتفاق. وعلى الرغم من خفض التصعيد في تلك المنطقة، إلا أنه زاد في مناطق أخرى، بحسب تقارير الأمم المتحدة. واستمرت معاناة المدنيين في اليمن مع استمرار الصراع، إذ يشهد اليمن أكبر أزمة إنسانية ويحتاج قرابة 24 مليون يمني، أي نحو ثمانين في المائة من الشعب اليمني، إلى مساعدات إنسانية. وتواجه الأمم المتحدة صعوبات في ما يخص الأوضاع في اليمن، ليس فقط على صعيد الملف السياسي بل على صعيد تمويل صندوق المساعدات الخاص باليمن، ما اضطرها لوقف العمل في عدد من برامجها أو إغلاق بعضها وعدم بدء برامج أخرى. ويعيش ملايين اليمنيين على حافة المجاعة، بحسب تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، صدر نهاية عام 2019 كذلك. وبحسب التقرير نفسه، فإن عدد المحتاجين لمساعدات الإنسانية حول العالم ارتفع خلال عام 2019 ليصل إلى أكثر من 167 مليون شخص. ومن المتوقع أن يزداد العدد مع استمرار الصراعات المسلحة واشتداد ظاهرة التغيّر المناخي.

ولا تشكل سياسات الدول والحلول الأحادية العائق الوحيد أمام إحراز تقدم لحل النزاعات بل تلعب بيروقراطية الأمم المتحدة نفسها دوراً سلبياً في أكثر من منطقة. وهذا ما خلص إليه تقرير آخر صدر في إطار تقييم داخلي للأمم المتحدة حول عمل بعثتها في ميانمار، الذي سلّط الضوء على الإخفاقات والعراقيل البيروقراطية التي تمنع القيام بإصلاحات جذرية داخلية كافية للنهوض بمؤسساتها المختلفة. وخلص التقرير الصادر عام 2019 إلى وجود إخفاقات منهجية في تعامل المسؤولين في بعثة الأمم المتحدة في ميانمار مع ملف الروهينغا. ونزح قرابة 700 ألف شخص، أغلبهم من مسلمي الروهينغا في ميانمار، إلى بنغلاديش بعد تعرضهم للملاحقة والقتل والاغتصاب والطرد.