2019...عام ثورات حول العالم وجيل جديد يؤرق الطبقات الحاكمة

2019... عام ثورات حول العالم وجيل جديد يؤرق الطبقات الحاكمة

30 ديسمبر 2019
احتجاجات 2019 تحولت إلى ظاهرة عالمية (فرانس برس)
+ الخط -
يستقبل العالم عام 2020 بأزمات مفتوحة وانتفاضات مستمرة منذ 2019، شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وإن اختلفت أسبابها ودوافعها، لكنها حملت سمة مشتركة في غياب قيادة أو تحديد أيديولوجيات لدى بعضها، فيما أخذت وسائل التواصل الاجتماعي نصيبها في الاستلهام والتأثير المتبادل بين المنتفضين على أوضاعهم، من تشيلي إلى بوليفيا والإكوادور وهونغ كونغ والعراق، مروراً بـالسودان والجزائر ولبنان وغيرها.

ويُعتبر 2019 أحد أكثر الأعوام التي حددت، في الألفية الجديدة، مشتركات كثيرة بين الشعوب في تحركاتها الاحتجاجية، الممتدة والعابرة للحدود والمحيطات. ولا يبدو، مع توديع 2019، أن العام 2020 سيكون أقل قلقاً للطبقات السياسية التقليدية الحاكمة، يساراً ويميناً، من جيل بات عملياً يقود نفسه، وإن ظل يفتقد إلى توافقات على قواسم مشتركة، يرى فيها المختصون والمشاركون في الانتقال الديمقراطي في دولهم أهمية كبيرة لتحقيق مطالب المنتفضين في أكثر من مكان حول العالم، بما فيه المنطقة العربية. 

الغضب أبعد من ارتفاع الأسعار

وعلى الرغم من أنه قد لا يبدو هناك جامع بين انتفاضة الشارع التشيلي خلال خريف 2019 مع ثورات أخرى، إلا أن البعض يربط ما يجري بإحباط متدحرج من قيادات وأحزاب تقليدية، قد يكون لرفع سعر وقود هنا ومواصلات هناك فعل القداحة في غشعال شرارة الغضب. ففي سانتياغو، بدأت القصة مثلا باحتجاج في أكتوبر/تشرين الأول الماضي على رفع أسعار تذاكر المترو، لكنها سرعان ما تحولت إلى ما يشبه ثورة شعبية، بانضمام طبقات تشعر بالتهميش وتأثير الواقع الاقتصادي السلبي وغياب المساواة، على مدى 30 سنة من عصر الديمقراطية، بعد انتهاء حكم الديكتاتورية العسكرية بزعامة أوغستو بينوشيه. وفي حراك الشارع، لم يخف الناس امتعاضهم وغضبهم على الطبقة السياسية وعلى اتساع الفجوة بين الأثرياء والفقراء، وارتفاع تكلفة الحياة اليومية على طبقات منتشرة في معظم المدن، وخصوصاً حين يتعلق الأمر بمستقبل المتقاعدين الموجودين في كل بيت تشيلي.

ولم يخفف ذهاب الطبقة السياسية نحو نقاشات برلمانية، واعتبار تبنيها لـ"تعديل الدستور" في استفتاء الشعب على طريقة تعديله، من الغضب والاحتقان، بل وسع من انضمام مترددين وخلق ما يشبه اصطفافا شعبيا متعارضا، وبطابع طبقي ملحوظ. ففي ضواحي الأثرياء، مثل لوس كوندوس وغيرها، ثمة نقمة على منتفضي "ساحة إيطاليا" في وسط العاصمة سانتياغو وقرب المقرات الحكومية والقصر الرئاسي، فيما المنتفضون يوسعون نطاق الاحتجاجات في محاولة الوصول إلى تلك الأحياء الراقية، لإقلاق كبريات الشركات وطبقة الأثرياء التي تقيم في مناطق مرتفعة تطل على سانتياغو.

ومثلما تدحرجت "تذكرة المترو" في سانتياغو نحو ما شهدناه على مدى أكثر من شهرين، كان لبنان على موعد أيضا مع تدحرج أشعل شرارته قرار فرض رسوم ضريبية على مكالمات "واتساب"، على الرغم من أن أسباباً أخرى وتراكمات كثيرة تقف خلف انتفاضة اللبنانيين، ليصبح المطلب "لا نريد هذه الطبقة السياسية الحاكمة".

فاحتجاج الناس حول العالم في 2019، كأنه تحوّل إلى ظاهرة عالمية تجمع بين الإكوادوري والبوليفي واللبناني والتشيلي والعراقي. 

تأثيرات الأسباب المتشابهة

وباتت موجة الانتفاضات في العالم قضية يدرسها المتخصصون في قراءة الثورات الشعبية غير العنفية، كما فعلت البروفسورة في جامعة هارفارد إيريكا شينويث، في دراسة خلصت إلى أن "أعداد الثورات الاحتجاجية غير العنيفة ارتفعت بشكل كبير منذ الستينيات، وهذه الأيام الحكومات هي المستهدفة"، وهو أيضاً ما ذهبت إليه باحثة علم الاجتماع في جامعة فريجي في أمستردام، جاكلين فان ستكلنبورغ، باعتبار الناس أمام مشهد متسع من الحركات الاحتجاجية منذ 2009.

وخصصت "نيويورك تايمز"، خلال الأيام الأخيرة من 2019، مساحة واسعة للاحتجاجات العالمية، معتبرة أننا أمام حقبة من الاحتجاج العالمي، وأننا على مدار السنوات بتنا أمام موجة شائعة من الاحتجاجات التي تعد الأكبر منذ نهاية حقبة الحرب العالمية الثانية.

ولكن على الرغم من أن الباحثين يتفقون على وجود مشتركات تجمع الشعوب المنتفضة، إلا أنهم لا يزالون يبحثون عن أسباب اندلاع هذه الانتفاضات في هذه الأوقات تحديداً. وفي خضم كل هذا البحث يتفق كثيرون، بحثياً وإعلامياً، على أن الأوضاع الاقتصادية وغياب المساواة هي أسباب مشتركة في تحركات مدن حول العالم، ومنها المنطقة العربية. فالباحثة في قضايا الشرق الأوسط والأستاذة في جامعة روسكيلدا الدنماركية، سونا هاوبولا، شددت في حديث لصحيفة "إنفارماسيون" قبل أيام، على أن محفزات كثيرة كانت وراء التحركات الشعبية، "فمن الممكن أن يكون ارتفاع سعر النقل في تشيلي حافزاً، لكنه لدى شعوب أخرى ثمة تراكم ومحفزات جاهزة بوجود إحباط منتشر، مثلما هو الحال في لبنان والعراق والجزائر".

"غياب المساواة" في تحفيز الشارع المنتفض في أكثر من مكان لا تعني بالضرورة الوضع الاقتصادي ورواتب الناس فحسب، بل يراها باحثون وساسة سابقون، مثل وزير العمل السابق في تشيلي سيرجيو بيطار، بسبب "تفاوت الفرص".
وأضاف لـ"العربي الجديد" أن "غياب الفرص عن البعض، مع التطور في التقنيات ونكوص الساسة عن دورهم في تأمين فرص متساوية، يؤدي إلى ما نراه اليوم حول العالم".

وفي السياق، أكد تقرير منظمة الأمم المتحدة حول التنمية البشرية، الصادر في أواسط ديسمبر/كانون الأول الماضي، على أن غياب المساواة سببا رئيسا في الاحتجاجات الكبيرة التي يشهدها العالم.
وأكد أحد معدي التقرير بيدرو كونسيكاو، بمناسبة صدوره، أن "القصة تتعلق بشعور الناس أن توقعاتهم لم يستجب لها، وفي حالات كثيرة لا يبدو أنهم قادرون على التقدم"، كما لفت إلى أن "الأشكال الجديدة لعدم المساواة تدفع الناس لردود أفعال، وخصوصاً من الجيل الجديد في القرن الـ21، تنظر وتربط ما يجري بمستقبلها ومستقبل أبنائها، والقصة لا ترتبط فقط بأسس العيش الكريم بل أبعد من ذلك بكثير".

وفي ذات الاتجاه، يعترف الوزير السابق سيرجيو بيطار، وهو أحد وجوه الانتقال الديمقراطي في تشيلي، أن الناس "لم يشعروا بتحسن في مستوى حياتهم، ونحن نتحدث عن قضايا أساسية، كتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، والتي يبدو أننا أخطأنا فيها في تشيلي".
ولا يرى بيطار أن العالم شهد فعليا محاربة انتشار الفقر "وهي سمات مشتركة في أميركا اللاتينية وغيرها في العالم العربي في هذه الزاوية المتعلقة بغياب الفرص، هذا عدا عن أن غياب الانتقال الديمقراطي الحقيقي في العالم العربي يؤدي إلى وجود الشرارة لاندلاع الثورات الشعبية بشكل مستمر".
كما يرى بيطار أن "الرغبة في المشاركة في المؤسسات السياسية، وتحديدا في صناعة قرار مستقبل الناس، وعدم الرضا على النخب المهيمنة على المؤسسات، تعتبر دوافع مشتركة وعابرة للجنسيات والشعوب".

 

دور وسائل التواصل

سارعت أنظمة حكم واجهت هبّات شعبية، من طهران مروراً ببغداد إلى الخرطوم، نحو تعتيم شبه شامل على وسائل التواصل والإنترنت بشكل عام، واستهداف الصحافيين ومصوري الاحتجاجات في أكثر من مكان حول العالم، لإدراك النخب أهمية دور التقنيات الجديدة في نقل الحدث، وهو خوف نابع من خشية التأثير المتبادل بين الحركات الاحتجاجية في أكثر من مكان. ويُعتبر دور وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب بعض الباحثين مثل الباحثة في جامعة تورنتو، سيفا غونتسكي، الأكثر فعالية "لناحية تنظيم الناس لحركاتهم وبسرعات قياسية"، على ما تذكر لصحيفة "انفارماسيون".

فمتظاهرو إقليم كتالونيا، المطالبين بالاستقلال عن إسبانيا، تلقفوا أحد شعارات محتجي هونغ كونغ، وجعلوه طريقة فعالة لتنظيم فعالياتهم بشكل يثير الانتباه لمدى التأثر بين الحركات الاحتجاجية. وينطبق الأمر نفسه في المنطقة العربية، إذ أظهر المحتجون في العراق ولبنان على سبيل المثال، فعالية وسائل التواصل في سرعة تنظيم الاحتجاجات ونشر الفيديوهات التي تظهر إغلاق طرقات واعتداءات عنيفة بحق المتظاهرين "وهو ما يشير إلى أن المحتجين العرب يريدون أن يقولوا إنهم يكافحون في نفس المعركة" على ما تذكر الباحثة سونا هوبولا.

وعلى الرغم من قوة دور وسائل التواصل في التحركات الجارية في أكثر من مكان، خلال 2019، إلا أن البعض يراها بديلاً لغياب قيادات كاريزمية للحركات الاحتجاجية، والبعض يبرر أيضا أنها تلقائية وغير مرتبطة بالأحزاب والحركات السياسية التقليدية.

دلالات