صعوبات أمام تشكيل الحكومة التونسية

صعوبات أمام تشكيل الحكومة التونسية

04 ديسمبر 2019
"النهضة" تتمسك بتأليف الحكومة بناء على نتائج الانتخابات(ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -
لا تزال المشاورات بخصوص تشكيل الحكومة التونسية الجديدة، والتي كلّفت حركة النهضة الحبيب الجملي بها، تراوح مكانها. ولا يعرف إلى الآن رسمياً من هي الأحزاب التي ستكون داخلها ومن سيخرج إلى المعارضة، على الرغم من أنّ الجملي أعلن أنه سيشرع النظر في الملفات الشخصية للأسماء التي يمكن أن تشكل هذه الحكومة.

وكانت "النهضة" قد أعلنت أنها تريد تشكيل حكومة تجمعها بالتيار الديمقراطي، وحركة الشعب، وائتلاف الكرامة. وقد ينضم إليها حزب تحيا تونس. لكن مواقف هذه الأحزاب لم تحسم إلى الآن، فيما بقيت شروط مختلف هذه المكونات عالية على الرغم من ضيق الوقت المتبقي أمام الجملي، إذ تم تكليفه بتشكيل الحكومة في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وبموجب الدستور، فإن رئيس الجمهورية يكلف مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب، بتكوين الحكومة خلال شهر يجدّد مرة واحدة.

وبحسب ما أكدت مصادر من "النهضة" في حديث مع "العربي الجديد، فإن مجلس شورى الحركة المنعقد يوم الأحد الماضي، تداول تفاصيل هذا الوضع، وشهد نقاشات مطولة حول فرضيات التحالف الممكنة. وفيما ذهبت الأغلبية إلى التأكيد مجدداً على إبعاد قلب تونس من التشكيل، فإن البعض الآخر ترك إمكانية إِشراكه متاحة إذا استمر "عناد" التيار الديمقراطي وحركة الشعب بالخصوص، وإلا يتم قطع خطوط التواصل نهائياً مع قلب تونس. 
وتشير هذه المصادر إلى أن حزب قلب تونس قد يكون موجوداً في الصورة بشكل غير مباشر، بمعنى أن يدعم الحكومة، وإن كان من خارجها، إذا تم إيجاد أرضية سياسية لذلك وحقق جملة من شروطه أيضاً في سياق تفاهمات واتفاقات. وبخصوص الأسماء المقترحة للمشاركة في الحكومة، أكدت المصادر أنّ مجلس شورى الحركة، أوكل مهمة اختيار الأسماء إلى لجنة خاصة تحدد ثلاث شخصيات في كل منصب، وتقدمها إلى رئيس الحركة راشد الغنوشي، والذي سيقترحها على رئيس الحكومة المكلف. وأقرّت "النهضة" أن تكون الحكومة سياسية، فيما اقترح بعض القياديين استبعاد النواب من المهمات الوزارية.


ويواجه رئيس الوزراء المكلف شرطاً يتعلق بعدم اقتراح أي وزير سبق له المشاركة في الحكومات السابقة، ويتردد في الكواليس أن المنظمات الوطنية (اتحاد الشغل ورجال الأعمال) وراء هذا الطرح. ويعد هذا الشرط صعباً للغاية. ويبدو أنّ الأحزاب ترفضه، وهو ما دعا الجملي إلى الاستنجاد بالأمين العام السابق لاتحاد الشغل، حسين العباسي، الذي قاد الحوار الوطني، لمحاولة تقريب وجهات النظر مع المنظمة النقابية ومع أطراف أخرى في مهمة وساطة صعبة.

والثابت أن الجملي يواجه لغاية اليوم صعوبات كبيرة قد ترقى إلى المعارضة من جهات عديدة. فحركة النهضة كانت أساساً تريد اختيار السفير التونسي الحالي في بروكسل رضا بن مصباح رئيساً للحكومة، وهو اقتراح رئيسها راشد الغنوشي الذي يبدو أنه يصرّ عليه إلى الآن. في موازاة ذلك، حمل نص استقالة القيادي في الحركة، زياد العذاري، منذ أيام، تشكيكاً واضحاً في كفاءة وأهلية رئيس الوزراء المكلف للاضطلاع بهذه المهمة في هذا الظرف الدقيق.

وتساءلت المصادر إذا ما كان موقف العذاري يمثله فقط أم أنه يعكس رؤية أطراف أخرى من "النهضة"، بينما يبدو أن موقف منظمة النقابيين ومنظمة رجال الأعمال يحمل احترازات كثيرة حول طريقة إدارته المشاورات. كما أن الأحزاب لا تزال تنتظر أن يكشف بوضوح عن خياراته الحقيقية بعد مرحلة طويلة من تعويم المشاورات.  وأمام هذه الصعوبات، يتساءل كثيرون عن إمكانية توصل الجملي فعلياً إلى تشكيل الحكومة، وإلى إمكانية نجاحها على الأرض، في واقع تتزايد الصعوبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن بين التساؤلات الإضافية هل سيكون الجملي رئيس الوزراء المنشود أم أن المهلة الممنوحة له لتشكيل الحكومة مجرد واجهة أو فاصل زمني ستظهر خلاله جميع التناقضات السياسية، إما تنتهي بعجزه عن تأليف الوزارة واعتذاره أو أنه يتم خلال هذه الفترة التوصل إلى تسوية تسمح بنجاحه في مهمته.

الإجابة على التساؤل الأخير تحيل إلى مدى استعداد "النهضة" للتخلي عن حقها الدستوري في تعيين وقيادة الحكومة (المحددة بشهرين) وتسليمها بالانتقال إلى الفرضية الدستورية الثانية أي تولي رئيس الجمهورية اقتراح رئيس للوزراء، إذ إنه بموجب الدستور، وعند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر. وستقاتل حركة النهضة من أجل منع هذا الأمر بكل الوسائل، لا سيما أن صراعاً بدأ يتشكل في خلفية الصورة عن مناطق النفوذ السياسي في تونس.

المساهمون