عقبات أمام مسار منح الثقة للحكومة أمام البرلمان التونسي

عقبات أمام مسار منح الثقة للحكومة أمام البرلمان التونسي

28 ديسمبر 2019
ينذر تأخر إعلان الحكومة برفض سعيد بعض الوزراء(فرانس برس)
+ الخط -
تنتظر حكومة الحبيب الجملي مصاعب وعقبات قبل نيل ثقة مجلس الشعب، ولا يتوقف الأمر عند عرض التشكيلة أمام الرئيس التونسي وإنما يتعدّاه إلى مواجهة وابل من الانتقادات اللاذعة من المعارضين، وحتى من مسانديها، في جلسة يُتوقع أن تكون حامية الوطيس.

وما زال البرلمان التونسي يترقب طلب عرض حكومة الحبيب الجملي المقترحة لنيل ثقة نواب مجلس الشعب، بعد أن أعلن رئيس المجلس راشد الغنوشي أن مكتب البرلمان في حالة استنفار وانعقاد متواصل تأهباً لبلوغ المراسلة الرسمية.

وقالت نسرين العماري، عضو مكتب البرلمان التونسي المكلف بالإعلام، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن مكتب المجلس في حالة انعقاد متواصل، استعداداً لوصول مراسلة الحكومة المقترحة لتنظيم جلسة عامة تخصَّص لمنح الثقة. وأضافت أن مكتب المجلس قرّر البقاء في حالة انعقاد بهدف تنظيم جلسة عامة في أقرب الآجال الممكنة، حرصاً على عرض تركيبة الحكومة الجديدة.

وترك إعلان الجملي بتأخير التشكيل، أمس الجمعة، رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي في حرج، بعد أن أعلن زعيم "حزب النهضة" رسمياً أن الحكومة جاهزة، وسيتم الإعلان عنها قريباً، مرجحاً أن تنظم جلسة منح الثقة بالبرلمان اليوم السبت، وأن تمرّ بتأييد كبير، نظراً لأنها تضم كفاءات سياسية وطنية مشهودا لها، وستحظى بقبول عدد كبير من البرلمانيين.

وينذر تأخر إعلان الحكومة برفض بعض الوزراء المقترحين من قبل الرئيس قيس سعيد، أو تململ رئيس الحكومة من بعض الأسماء، وشجعه رئيس الدولة على مزيد التريث، إلا أن هذا التأخير سيزيد من حجم الاحتقان، وسيبعثر أوراق "النهضة" والكتل الداعمة في صفها، بعد أن رصت التركيبة الحكومية واتفقت في ما بينها حول أعضائها.

ويُعدّ التحدي الظاهر أمام ائتلاف الحكم بالبرلمان، حزب "النهضة" وحليفه المفترض "ائتلاف الكرامة"، ومسانديه المنتظرين "قلب تونس"، حشد الأغلبية المطلقة أي 109 أصوات على الأقل، وهو رهان ممكن بحسب إعلان قيادة حزب "النهضة"، سواء عبر الغنوشي الذي شدد على أن الحكومة المقترحة تحظى بقبول وتأييد كبيرين، أو عبر رئيس كتلة الحزب بالبرلمان، نور الدين البحيري، الذي رجح حصول الحكومة على تأييد من 120 نائباً على الأقل.

ويرى مراقبون أن هناك عقبات كثيرة تقف أمام مسار منح الثقة للحكومة، من بينها الحزام الداعم الذي يمكن أن يتضاءل بإزاحة بعض الأسماء والوزراء، إلى جانب اقتراب الآجال، مع حلول الموعد النهائي لنهاية تكليف الجملي 15 يناير / كانون الثاني.

كما تزداد مهمة الائتلاف الحاكم صعوبة، مع تفاقم الخلافات السياسية، وتزايد منسوب الاحتقان بين الكتل والأحزاب، مما يجعل كثيراً منها يجنح إلى البقاء في المعارضة، وعدم الالتزام بتحالف مع "النهضة"، لاعتبار أنه ليس لهذه الاحزاب مصلحة مباشرة في حكومة مستقلين، كما أن التصويت لصالحها، مهما كانت تركيبتها، سيفقد الكتل عذر الانخراط في المعارضة، ويسحب منها الصفة دستورياً.

ويحتاج تمرير حكومة الجملي بحسب الدستور، إلى استشارة رئيس الجمهورية في حقيبتَي الدفاع والخارجية، اللتين تُعدّان من اختصاص رئيس الدولة، المسؤول عن السياسة الخارجية وقيادة الدبلوماسية التونسية، وبوصفه القائد الأعلى للقوات المسلّحة، والمسؤول الأول عن الأمن القومي وسلامة حدود البلاد وسيادتها.

وأكدت أستاذة القانون الدستوري منى كريم في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن رئيس الجمهورية يراسل البرلمان لعرض حكومة الجملي المقترحة، لنيل ثقة مجلس نواب الشعب بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس أي 109 نواب يوافقون على الحكومة، فيما تُعدّ الكتل والنواب الذين يحتفظون أو يصوتون بالرفض على الحكومة، في صف المعارضة البرلمانية بعد أن يتم التصريح بذلك والإعلان عنه.

وأضافت كريم أن الوزراء وأعضاء الحكومة يجب أن ينالوا ثقة مجلس الشعب، ولا يمكن اعتبارهم وزراء إلا بعد التصويت وحصولهم على الثقة، مشيرة إلى أن البند 95 من دستور الجمهورية الثانية، ينصّ على أن الحكومة مسؤولة أمام مجلس نواب الشعب، فهي في النظام السياسي في تونس، تنبثق من المجلس النيابي المنتخب مباشرة من قبل الشعب.

ويبدو أن الجملي في موقع لا يُحسد عليه بين فكي قصر الرئاسة بقرطاج وقصر البرلمان بباردو، فمن جهة تضغط الأحزاب الداعمة لتطعيم الحكومة بسياسيين ووزراء متحزبين من الصف الثاني، وبانتماءات غير بارزة، وسط معارضة بعض الأسماء من قبل رئيس الدولة وخصوصاً لقربها واقتراحها من قبل حزب "قلب تونس"، غريمه الانتخابي وخصمه السياسي، من جهة ثانية.
وقال المحلل السياسي محمد الغواري في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه لن تكون للتونسيين حكومة جديدة قبل العام الجديد، حيث دخلت رئاسة الجمهورية في صدام غير معلن مع البرلمان من جهة، ومع رئيس حركة "النهضة" بصفته الحزبية، من جهة ثانية.
وأضاف الغواري أن سياسة لي ذراع الغنوشي بدت بارزة بين الرجلين بوضوح، بعد إحباط سعيد إعلان رئيس حزب "النهضة" للتونسيين تشكيل الحكومة وعرضها على البرلمان، وهو ما جعله يتصدر اهتمام الرأي العام كفاعل أول وبارز في المشهد الحاكم، بما ينازع إشعاع الرئيس سعيد ويثير قلقه.
وبيّن أيضاً أن هناك ضبابية تكمن في الموقف الحقيقي للحبيب الجملي، الذي يراوح بين التمسك بحكومة مستقلين من جهة، حفظاً لماء وجهه، بعد إشهاره ذلك بشكل صادم في وجه الأحزاب وخصوصاً الحزب الذي اقترحه، وبين الموقف الآخر المتخفي وراء جلباب رئيس الدولة من جهة أخرى، بما يشي بإمكانية توافق بين الجملي وسعيد حول تعديل بعض الأسماء، وإزاحة بعض الوزراء المقترحين، وربما يفتح أبواب انقلاب رئيس الحكومة المكلف على رئيس حزب "النهضة" وانحيازه في المستقبل نحو سعيد.