الرياض ترعى "مستقلي" هيئة التفاوض: إضعاف إضافي للمعارضة السورية

الرياض ترعى "مستقلي" هيئة التفاوض: إضعاف إضافي للمعارضة السورية

29 ديسمبر 2019
تخوّف من تأثير هذه الخطوة على عمل الهيئة(محمد ميستو/الأناضول)
+ الخط -
يطرح الاجتماع الذي دعت إليه وزارة الخارجية السعودية واحتضنته الرياض، لاختيار "كتلة المستقلين" داخل الهيئة العليا للمفاوضات السورية، أكثر من تساؤل عن أهداف المملكة خلف هذا التحرك. ويؤكد التسريبات، التي كانت مصادر في المعارضة السورية قد كشفتها لـ"العربي الجديد"، أن السعودية تقود حراكاً لإدخال تغييرات على تركيبة الهيئة، بهدف تقليص نفوذ تركيا داخلها. وخرج الرئيس الحالي للهيئة نصر الحريري، بمؤتمر صحافي في إسطنبول لمعاتبة المملكة على قيامها بهذه الخطوة، التي حملت الكثير من الكتل داخل الهيئة على الاعتراض عليها، بحسبه. وعلى الرغم من أن الحريري أكد "دور السعودية وأهميتها كدولة محورية إقليمية"، مضيفاً أنه "لا يمكن أن ينكر أحد الدعم الذي قدمته المملكة للشعب السوري بكل المجالات"، إلا أنه أشار إلى وصول "اعتراضات من مكونات أساسية في هيئة التفاوض على آلية عقد الاجتماعات"، موضحاً "أن تلك الاعتراضات جاءت وفق مبدأ قانوني، إذ لا يوجد سند قانوني لعقد مثل هذه الاجتماعات، إضافة إلى أنها كانت بحاجة إلى تشاور وتنسيق وانخراط جميع الأطراف السورية، وذلك بهدف ضمان وجود أوسع قاعدة تمثيل، وهو ما سيكون في مصلحة السوريين والقضية السورية".

وحذّر الحريري من انقسام المعارضة السورية، ورأى أنه يهدد عمل اللجنة الدستورية التي طال انتظارها، ويعطي الحجة للنظام لتعطيل عملها، وهو ما يهدد العملية السياسية برمتها. وطلب من المملكة وقيادتها "النظر في النقاط التي ذُكرَت، وأن يتذكروا مأساة الشعب السوري، وينظروا إلى مخرج بالحوار الدبلوماسي الهادئ الذي يهدف إلى تجاوز هذه المسألة". ولمّح إلى أن "حماية المعارضة من الانقسام هي بيد الإخوة في المملكة". ودعا إلى عدم العودة بالمعارضة السورية إلى سنين خلت من انقسامات وتجاذبات.

إلا أن الهدف الرئيسي من اجتماعات الرياض بانتخاب "كتلة المستقلين" داخل الهيئة حصل فعلاً، خلال الجلسة المخصصة لذلك يوم أمس السبت، فانتخب الحاضرون، البالغ عددهم 66 من أصل 70 من المدعوين بعد تعذّر وصول 4 منهم لأسباب لوجستية، ثمانية أعضاء ليشكلوا "كتلة المستقلين"، وهم: مهند القاطع، وبسام العيسمي، ونبراس الفاضل، وعبد الباسط الطويل، وهند مجلي، ومنى أسعد، وصبيحة خليل، ويسرى الشيخ. واعتُمد مبدأ المناصفة بين الذكور والإناث في آلية الانتخاب والفرز، علماً أن الدعوة الموجّهة من قبل الخارجية السعودية إلى قائمة الحضور، أشارت إلى وجوب تمثيل 30 في المائة من السيدات، وإلى أن نسبة الـ50 في المائة كانت حاضرة لمصلحة "الكوتا" النسائية من الحضور. يشار إلى أن المرشح سليم بشارة حاز 29 صوتاً ولم ينجح، بينما حصلت المرشحة يسرى الشيخ على 25 صوتاً ونجحت، بعد تطبيق تلك القاعدة.

وسيشكل هؤلاء "المستقلون" الثمانية، كتلة داخل الهيئة البالغ عدد أعضائها 36 عضواً، موزعين أو مرشحين أساساً من قبل كتل مختلفة، هي: الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة (8 ممثلين)، و"هيئة التنسيق" (5 ممثلين)، والفصائل المسلحة (7 ممثلين)، و4 ممثلين لكل من منصتي موسكو والقاهرة. كذلك انتخب المشاركون في اجتماع الرياض، أعضاء للأمانة العامة لـ"كتلة المستقلين"، التي أفضت إلى نجاح كل من عبير كمون، وسناء الكسر، وسناء حويجه، وبديع أبو حلاوة، ورضوان أبو فخر، ومحمد فوزي الكراد، وفاضل الرفاعي، وتامبي قاسم، وأسامة عاشور، وعبد الرحيم خليفة، وبيان الأطرش، وأحمد شلاش، وعماد المصبح. يشار إلى أن معظم الأسماء، من الحاضرين أو المنتخبين سواء لقائمة المستقلين أو لعضوية الأمانة العامة للاجتماع، لم يكن لهم دور فاعل في تشكيلات المعارضة السورية، ولم يبرز أسمهم بشكل حقيقي ضمن المحطات السياسية التي واكبت الثورة السورية.

وقال العميد فاتح حسون، عضو الهيئة بناءً على اجتماع الرياض 2 عن كتلة المستقلين السابقة، إنّ من "المستغرب كيف قامت اللجنة التحضيرية بدعوة من اعتبرتهم مستقلين ومعظمهم يتبع لأحزاب وتكتلات سياسية، والبعض الآخر تربط أواصر القربى بعضهم ببعض، فيما استثنت من حضر مؤتمر الرياض 2 من المستقلين ذوي التأثير والرأي والمكانة، وكأن هناك تدبيراً مقصوداً لذلك، ناتجاً من تباين المواقف من الأحداث في سورية، واستبعاد مقصود للمنخرطين بشكل فاعل في عمليات محاربة الاٍرهاب، وإدارة المناطق المحررة، ويتمتعون بحنكة سياسية، وتوافق دولي". وتابع حسون، في حديث مع "العربي الجديد": "لا يعتقدنّ أحد أن الأمور ستنتهي عند هذا الحد، بل للأسف ستكون هناك تداعيات سلبية، وستفقد هيئة التفاوض الجزء الذي كان معها من شعبية وتجاوب الشارع الثوري، إن لم تتدخل قيادة السعودية وتصحح ما حدث، وهذا ما نتمناه منها، وهي الحريصة على وحدة المعارضة السورية، ودعم الشعب السوري ووحدته".

وتأتي هذه الخطوة السعودية لإعادة هيكلة هيئة التفاوض، بعد جولتين من عمل اللجنة الدستورية، التي انطلقت بعد جهود أممية مكوكية وشاقة من قبل المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، إذ تقود الهيئة قائمة المعارضة فيها. ويشير أعضاء من الهيئة إلى أن هذه الخطوة ستؤثر بسير عمل اللجنة في الأيام المقبلة، علماً أن الجولة الثانية من عمل اللجنة وصفت بالفاشلة، بعد رفض النظام الدخول إلى أروقة اجتماعاتها من دون الموافقة على شروط وبنود تقدم بها قبيل انطلاق الجولة، نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وبعد توارد الأنباء عن دعوة السعودية إلى هذا الاجتماع، صوبت اتهامات نحو الرئيس الحالي لقائمة المعارضة للجنة الدستورية، هادي البحرة، بالوقوف وراء ترتيب الاجتماع، مع الحديث عن نيّته إطاحة الرئيس الحالي لهيئة التفاوض نصر الحريري. إلا أن البحرة نفى هذه الاتهامات بالمطلق، في حديث مع "العربي الجديد"، مشيراً إلى أن هذه الادعاءات "خيال روائي كوميدي أسود، لا صحة ولا أساس لما ذكر بالمطلق، ولا يوجد أي صراعات بين ممثلي الائتلاف الذين يخضعون بالكامل للعمل وفق مرجعيتهم. وعلى العكس مما جرى تداوله، يوجد عمل جماعي منسق ومنظم ومنضبط، وعضو الائتلاف في الهيئة يمثل الائتلاف ولا يمثل نفسه، أي إن صفته اعتبارية". وحول إذا كانت الهيكلة الجديدة لـ"هيئة التفاوض" ستؤثر مستقبلاً بعمل اللجنة الدستورية، أشار البحرة إلى أن "العمل بالنسبة إلينا مؤسساتي ومنظم، ويحكمه النظام الداخلي لهيئة التفاوض، والقواعد الإجرائية للجنة الدستورية، وبالتالي لن يكون هناك أي تأثير بسير أعمال اللجنة الدستورية".

وكان المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات يحيى العريضي، قد رفض التعليق لـ"العربي الجديد" على دعوة المملكة لمجموعة من المستقلين وطريقة اجتماعهم أو انتخابهم، مشيراً إلى أن "سورية وقضيتها فوق كل اعتبار"، إلا أنه أكد أن المملكة لم تردّ على رسالة وجهتها الهيئة إلى وزارة الخارجية فيها يوم الخميس الماضي، تتضمن اعتراضها على طريقة عقد الاجتماع ودعوة الأشخاص دون التنسيق معها. وبحسب مصادر من المعارضة، تحدثت في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، فإن "الرياض تهدف من وراء هذه الخطوة إلى تقليص نفوذ تركيا داخل الهيئة، وفتح المجال لضمّ شخصيات جديدة لا تبدي ولاءً لتركيا"، وتسعى كذلك إلى "تشكيل مرجعية للمستقلين، لتكون هي صاحبة الكلمة عليهم، من دون احتسابهم على أحد المكونات". وكانت الخارجية السعودية قد وجهت قبل أيام دعوة إلى نحو 80 أسماً، ثبت 70 منهم حضورهم، وتعذّر وصول 4 منهم لأسباب لوجستية، لعقد اجتماع للمستقلين وانتخاب ممثليهم داخل هيئة التفاوض. وعللت الخارجية السعودية هذا الأمر بأنه يأتي "استمراراً لدعم المملكة للمعارضة السورية ومؤسساتها، وكذلك استمراراً لرعاية مخرجات مؤتمر الرياض 2، ولا سيما هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، مع مضيّ أكثر من عام على الاستحقاق الانتخابي لأعضاء الهيئة".

المساهمون