هل يُسقط قانون "سيزر" نظام الأسد؟

هل يُسقط قانون "سيزر" نظام الأسد؟

19 ديسمبر 2019
سرب "سيزر" آلاف الصور للانتهاكات بحق المعتقلين (سيم أوزديل/الأناضول)
+ الخط -

بتمرير قانون "سيزر" في الكونغرس الأميركي بجناحيه، مجلسي النواب والشيوخ، ينتظر هذا القانون مصادقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليه (قبل نهاية العام كما هو متوقع)، ليتحوّل الموقف السياسي الأميركي من نظام بشار الأسد وداعميه، دولاً وأفراداً وشركات ومنظمات، إلى قانون نافذ، قد يتأخر ظهور فعاليته وتبعاته أشهراً. لكن السوريين يأملون أن يكون الخطوة الجدية الأولى لمحاصرة النظام والضغط عليه وعلى داعميه، بأساليب إجرائية وعقابية، من شأنها شل ما تبقى من حركته على صُعد عدة، اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية.

و"سيزر" أو "قيصر" هو الاسم الحركي لضابط منشق عن النظام السوري، كان قد سرب آلاف الصور للانتهاكات المرتكبة بحق المعتقلين في سجون ومعتقلات وأفرع أمن النظام، والذي تم صياغة القانون باسمه، تحت عنوان "قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية لعام 2019". وتعرّض القانون لعدد من التعديلات قبل التصويت عليه من قبل الكونغرس، كان آخرها في يونيو/ حزيران الماضي، وينص على فرض عقوبات على الأجانب المتورطين ببعض المعاملات المالية أو التقنية مع مؤسسات الحكومة السورية، والمتعاقدين العسكريين والمرتزقة الذين يحاربون بالنيابة عن النظام السوري أو روسيا أو إيران، أو أي شخص فُرضت عليه العقوبات الخاصة بسورية قبلاً، وكل من يقدّم الدعم المالي أو التقني أو المعلومات التي تساعد على إصلاح أو توسعة الإنتاج المحلي لسورية من الغاز والنفط أو مشتقاته، ومن يقدّم الطائرات أو قطعها أو الخدمات المرتبطة بالطيران لأهداف عسكرية في سورية. كما يفرض عقوبات على المسؤولين لجهة انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين أو أفراد عائلاتهم. وحدد مجموعة من الشخصيات المُقترح أن تشملهم العقوبات، بينهم رئيس النظام السوري، ورئيس الوزراء ونائبه، وقادة القوات المسلحة، البرية والبحرية والاستخبارات، والمسؤولون في وزارة الداخلية من إدارة الأمن السياسي والمخابرات والشرطة، فضلاً عن قادة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، والمسؤولين عن السجون التي يسيطر عليها النظام، ورؤساء الفروع الأمنية. ويستثني القانون المنظمات غير الحكومية التي تقدّم المساعدات في سورية. وعلى الرغم من اللهجة القاسية للمشروع، فإنه يترك الباب مفتوحاً للحل الدبلوماسي، فهو يسمح للرئيس الأميركي برفع هذه العقوبات في حال لمس جدية في التفاوض من قبل نظام الأسد، بشرط وقف الدعم العسكري الروسي والإيراني للأسد، كما يمكّن الرئيس الأميركي من رفع العقوبات لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأميركي.

وعلى مدى ثلاث سنوات، كان قانون "سيزر" بحاجة إلى أن يمر بمرحلتين تشريعيتين في الولايات المتحدة حتى يتم إقراره، الأولى في مجلس النواب أو الكونغرس، والثانية في مجلس الشيوخ الذي عطّل أحد نوابه، وهو السيناتور راند بول، مرور القرار في مجلس الشيوخ طيلة الأعوام الثلاثة الماضية. ودفع هذا الأمر اللوبي السوري داخل الولايات المتحدة، وفي مقدمتهم "المجلس السوري الأميركي" ومنظمات سورية وأميركية مختلفة، للعمل بجهد للمساعدة على صياغة القانون والذهاب به إلى الكونغرس، وبالاستشارة مع أعضاء في مجلس النواب والشيوخ وقانونيين أميركيين، من خلال إيجاد حل بربط القانون بموازنة وزارة الدفاع، وليس التصويت عليه بشكل إفرادي.

وعقب التصديق على القانون من قبل ترامب، سيُنتظر من الرئيس وضع اللوائح التنفيذية له، ثم تليها مرحلة إجراء التحقيق والتحريات بخصوص نشاطات عدة داخل أجهزة النظام، أو حركة حلفائه خلال فترة 180 يوماً، ومن ثم طرح العقوبات المقررة. ويُعتقد أن ترك هذه المدة من التحريات والتحقيق تهدف إلى إعطاء وقت كافٍ للدول والمؤسسات التي لا تزال لديها علاقات مع النظام لتصفية أعمالها وعلاقاتها معه بشكل كامل.

وتشرح العضو في "المجلس السوري الأميركي" سوزان مريدين، لـ"العربي الجديد"، المراحل التي مر بها القرار حتى التصويت عليه. وتقول "نحن في المجلس السوري، إضافة إلى عدة منظمات سورية وأميركية، عملنا معاً على هذا الموضوع، فهناك منظمة ساعدت في استدعاء (قيصر) وأخرى أمنت له التأشيرة، وهناك منظمات وأفراد جلسوا في المكاتب مع أعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب، لترتيب صياغة القانون وكتابته والطريقة الأمثل لذلك، كما تحركت الجالية السورية الأميركية من خلال اتصالاتها المكثفة مع أعضاء المجلسين للتصويت بنعم على هذا القانون". وتشير مريدين إلى أن "تأثير القرار على بنية النظام سيكون كبيراً لجهة تحجيمه، لأنه يعاقب أي جهة أو فرد يتعاون مع النظام، لكن علينا أن نتابع مع الحكومة الأميركية تقديم المعلومات عن الأسماء والجهات التي تقدم خدمات للنظام، أو تشترك معه في انتهاكاته ضد السوريين، ومتابعة إجراءات وتنفيذ القانون حتى يتحقق المُراد منه. لكن الأهم أن الموقف الأميركي أصبح قراراً على الورق، وبالتالي انتهت أي شرعية للأسد أو داعميه بالنسبة للولايات المتحدة ككل، ولم يعد ذلك يقتصر على كونه موقفاً سياسياً من الحكومة".



من جهته، يرى الباحث في "المركز العربي" في واشنطن جو معكرون، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قانون سيزر هو ذروة لجهود أميركية قائمة للضغط على طهران وموسكو لتغيير حساباتهما السورية. وبالتالي ستكرس هذه العقوبات أزمة النظام المالية في الحصول على السيولة وتمويل إعادة الإعمار، وبالتالي عليه الاعتماد على حلفائه التقليديين لإنعاش الاقتصاد، فيما تمر بلدان مجاورة، مثل العراق ولبنان، بأزمات اقتصادية بنيوية. لكن في الوقت نفسه هناك تحوّل في مواقف دول، مثل الإمارات، قد يساعد دمشق على الحد من تداعيات العقوبات، وبالتالي ستكون هناك عملياً ثغرات في تطبيق هذا القانون". وعما إذا كان يجد في اعتماد الولايات المتحدة للقانون خطوة أولى باتجاه إسقاط الأسد من خلاله، أم أنه يأتي ضمن زيادة الاستثمار في الوقت للعبث أكثر في سورية والشرق الأوسط، يشير معكرون إلى أن "لا شيء يوحي في قانون سيزر بأن واشنطن تسعى لإسقاط الأسد، وهي لم تسع يوماً لذلك منذ العام 2011. القانون هو محاولة لليّ ذراع طهران وموسكو عبر وضع ورقة ضغط في يد ترامب لاستخدامها عند الضرورة. والقانون يضع عملياً خريطة طريق للأسد إذا ما أراد إعادة تأهيل نفسه، أو سيواجه عقوبات لسنوات تشل قدرته على التعافي".

ويشير معكرون إلى فرضية يطرحها محللون، تقول إن واشنطن تسعى إلى تحقيق مصالحها في سورية من خلال القانون، ولا سيما بقاءها قرب منابع النفط لأطول فترة ممكنة، مشيراً إلى أن "بقاء القوات الأميركية قرب منابع النفط لا يحتاج إلى قانون سيزر، بل هو سياسة عامة يضعها البيت الأبيض. لكن القانون بحد ذاته هو ورقة اقتصادية قوية بيد واشنطن لدفع مصالحها في سورية وإيجاد حل سياسي ضمن مسار جنيف يضمن إضعاف النفوذ الإيراني. لكن المشكلة أنه ليس هناك ثبات في الموقف الأميركي في شرق الفرات للبناء عليه، وهناك تخبط في سياسة إدارة ترامب يعكس عدم الالتزام الطويل الأمد في سورية، وبالتالي قانون سيزر وحده من دون وضعه في سياق سياسة أميركية لا يكفي لتحقيق غاياته".

من جهته، يقول فضل عبد الغني، مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، وهي منظمة معنية بتوثيق الانتهاكات في سورية، لـ"العربي الجديد"، إن "القانون يشكل ضربة كبيرة للنظام الذي ارتكب جرائم مختلفة بحق السوريين، ما سيصب في إطار محاسبته على ارتكاب هذه الجرائم بشكل واضح وصريح. وبالتالي يعتبر من أقسى الأدوات لمحاسبة النظام بشكل عاجل، وليس عن طريق القضاء والمحاكم التي تستغرق إجراءاتها سنوات، فأدوات القانون أسرع من ذلك بقطع شرايين الإمداد بالأموال والوقود والمستلزمات التي يستخدمها النظام في قتل السوريين، ما سيمنع الدول والشركات، وحتى الأفراد، وهم الأهم، من التعامل مع هذا النظام، أو أفراد آخرين يدعمون النظام السوري". ويضيف "لذلك يحق للسوريين التفاؤل بإصدار هذا القانون بشكل كبير، كونه يشكل ضغطاً حقيقياً على النظام وحلفائه، ولا سيما الروس الذين استثمروا ودعموا هذا النظام لسنوات. ورأينا أن شركات إعادة الإعمار الروسية وغيرها كانت تهيئ نفسها للاستثمار بهذه العملية، والقانون الآن سيمنعها من ذلك". ويوضح عبد الغني الفرضيات التي تتناول إمكانية إسقاط النظام من خلال القانون، بالقول "إسقاط النظام أو إزالته أمر آخر وربما يكون بعيداً، لكن بكل تأكيد أن القانون سيضعفه وسيؤثر عليه ويمنع من تأهيله، وكل تلك الأشكال تأتي في سياق محاسبة النظام. ورأينا أيضاً خلال الفترة الأخيرة أن هناك دولاً تتسابق لإعادة علاقاتها مع النظام، مثل مصر والجزائر وقبلهما إيطاليا على سبيل المثال. ومع صدور القانون واعتماده بالتأكيد سيتوقف هذا الشيء، والأهم أن يفهم الروس بعد إقرار (قانون) سيزر أن الأسد ونظامه قد انتهيا، ويجب عليهم إيقاف استثمارهم فيه، والانتقال لإجراءات أخرى، لا بد أن يكون من بينها دعم عملية سياسية حقيقية لا يكون بشار الأسد جزءاً منها".

ويرى عبد الغني أن "المنظمات والجمعيات المعنية بتوثيق الانتهاكات في سورية أدت دوراً كبيراً وأساسياً بالدفع نحو تجهيز القانون وإصداره، لأنها هي التي كانت تُزوّد وبشكل دوري ومستمر الحكومة الأميركية بالتقارير والوثائق اللازمة. وعلى سبيل المثال، فإن الشبكة السورية لحقوق الإنسان تُعد من أهم المصادر لدى الخارجية الأميركية بما يخص تقارير حقوق الإنسان عن الشأن السوري، وهذا ما يذكرونه في تقاريرهم. وهذه التقارير التي توثق انتهاكات النظام وتُثبت جرائمه منشورة على موقع الخارجية الأميركية ويطلع عليها أعضاء مجلسي الشيوخ والكونغرس". ويشير إلى أن "ضمن هذه التقارير أرقام وإحصائيات تتم الإشارة بها إلينا أكثر من أربعين مرة، وبالتالي التقرير الصادر عن جهة أميركية تكون له موثوقية أكبر لدى المسؤولين الأميركيين من التقارير الصادرة عن الجهات الأخرى. ولا يمكن إغفال دور المنظمات الحقوقية السورية التي زودت الأمم المتحدة بتقارير ومعلومات أصدرتها الأمم المتحدة كذلك من خلال منشورات اطلع عليها صانع القرار الأميركي، وكانت عوامل مساعدة في إصدار القانون، كون مكاتب الأمم المتحدة أيضاً تحظى بثقة الأميركيين".