هجوم السيسي على حكومة السراج: غضب من اتفاقها وأردوغان

هجوم السيسي على حكومة السراج: غضب من اتفاقها وأردوغان

19 ديسمبر 2019
السيسي استقبل السراج مرات عدة بصفته رئيساً للحكومة (الأناضول)
+ الخط -

مثّلت أحداث الساعات الماضية في الملف الليبي إفصاحاً على مستوى غير مسبوق عن موقف نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الداعم بشتى الطرق والوسائل لمليشيات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، إلى حد التأكيد الضمني على عدم اعتراف مصر بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً برئاسة فائز السراج.

فبعد أيام معدودة من تصعيد حفتر لحملته العسكرية على العاصمة طرابلس بدعم مصري عسكري ولوجيستي كبير، كرر السيسي إعلانه الصريح عدم التخلي أو التراجع عن دعم حفتر، وذلك خلال لقاء بالإعلاميين المشاركين في منتدى شباب العالم في شرم الشيخ، مساء الإثنين، وهو التصريح الذي استقبلته حكومة الوفاق بعدم الترحيب والانتقاد، فأصدرت بياناً أعربت فيه عن "استغرابها الشديد من التصريحات"، خصوصاً حول ما وصفه السيسي بـ"غياب الإرادة الحرة للحكومة ووقوعها أسيرة للتشكيلات المسلحة والإرهابية"، وما لوّح به من قدرته على التدخل المباشر في ليبيا. هذا الأمر دفع مصر للرد من جديد عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الذي أطلق تغريدة قصيرة تساءل فيها عن هوية المجلس الرئاسي الليبي، ومكان وجود أعضائه، في إشارة لعدم اعتراف مصر به، وذلك بعدما كان السراج يحل ضيفاً على السيسي والقاهرة بصفته رئيساً لهذا المجلس الذي تم تأسيسه عام 2016 برعاية الأمم المتحدة في أعقاب اتفاق الصخيرات.

وكان السيسي قد استقبل السراج مرات عدة بصفته رئيساً للحكومة المعترف بها دوليا، كان أبرزها في ديسمبر/ كانون الأول 2017 حين أجرى له مراسم استقبال رسمية، وعلى الرغم من أن الفجوة بين السيسي وحكومة الوفاق اتسعت على مدى العامين الماضيين، إلا أنه كان يكتفي بالتصريح باستمرار دعم "الجيش الوطني الليبي"، من دون التعرض المباشر لحكومة الوفاق. وكان المسؤولون المصريون وعلى رأسهم السيسي، يتحدثون دائماً في الفعاليات الدولية عن مسؤولية المجتمع الدولي في مواجهة انتهاكات قرارات مجلس الأمن وتقديم الدعم السياسي والأيديولوجي واللوجيستي من سلاح وعتاد لتنظيمات إرهابية، وتكريس فوضى المليشيات، وحرمان الشعب الليبي من السيطرة على مقدراته وموارده، وضرورة عمل دول جوار ليبيا، وفي إطار الاتحاد الأفريقي، ومع الأمم المتحدة، لدفع جهود التسوية في ليبيا، انطلاقاً من الاتفاق السياسي الليبي، ومواجهة التدخلات الخارجية المرفوضة شكلاً وموضوعاً في ليبيا، وإنهاء حالة الانسداد السياسي وتغليب الأهواء الشخصية والضيقة على المصالح الوطنية الليبية.

وحتى في اللقاءات الأخيرة التي كان السيسي يستقبل فيها حفتر ورئيس البرلمان الموالي له عقيلة صالح، الصيف الماضي، كان يعلن ثبات موقف مصر "الذي لم ولن يتغير" في دعم ما تصفه مصر بـ"الجيش الوطني الليبي" في "حملته للقضاء على العناصر والتنظيمات الإرهابية"، من دون التعرض بشكل مباشر لحكومة الوفاق، لعلمه بأنها مدعومة دبلوماسياً من قوى غربية مختلفة بدرجات متفاوتة، على رأسها إيطاليا، وبما في ذلك فرنسا التي تدعم حفتر بصورة ضمنية للتخلص من التيارات والمجموعات الإسلامية.



مصدر دبلوماسي أوروبي في القاهرة قال، لـ"العربي الجديد"، إن تصريحات السيسي الأخيرة تعبّر عن حجم الغضب الذي يسيطر عليه بسبب خطوة الاتفاق بين حكومة الوفاق والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المجال الأمني وترسيم الحدود البحرية، ما جعله يشعر بضرورة إبراز دعمه المباشر لحفتر والتهديد باستخدام القوة لصالحه إذا لزم الأمر، في انتظار ما ستؤول إليه التفاهمات الدولية في هذا الخصوص، لا سيما بعد اللقاء المقرر الشهر المقبل بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اللذين لهما رؤى متناقضة تجاه ليبيا.

وأوضح المصدر، الذي كان على صلة بالترتيبات الأوروبية المصرية لمؤتمر برلين المزمع إقامته لمناقشة الشأن الليبي، أن السيسي في أسوأ الأحوال كان يتحدث عن ضرورة فك الارتباط بين حكومة الوفاق والتيارات الإسلامية وأردوغان قبل دعوتها لأي مؤتمر سياسي، لكن "هذا التصريح بحجم الخصومة يجعل مصر غير مؤهلة للقيام بدور سياسي في ليبيا على المدى المنظور"، وهو ما "يصعّب مهام الوسطاء الأوروبيين، خصوصاً الحكومة الألمانية"، التي "كانت تعتقد في وقت ما أن بإمكان مصر بمزيد من التطمينات وتحقيق بعض الشروط أداء دور أوسع في ليبيا من مجرد الضغط العسكري أو دعم فصيل بعينه".

على مستوى آخر، أوضح المصدر الدبلوماسي أن كلاً من فرنسا وألمانيا وإيطاليا تعتبر أن الخطوة التي أقدم عليها أردوغان حالياً للرد على التصعيد المصري - اليوناني - القبرصي -الإسرائيلي في المنطقة الاقتصادية للبحر المتوسط "هي خطوة متسرعة وتضرب في مقتل فرص التقريب بين الفصائل الليبية". وأشار في الوقت نفسه إلى أن التصعيد المصري بواسطة التصريحات واستمرار الدعم اللوجيستي والتسليحي لحفتر يحظى بما يمكن وصفه بـ"ارتياح رئاسي أميركي" لضرورة دعم حفتر وعدم السماح بإنتاج نظام إسلامي في طرابلس، على الرغم من وجود بعض الشخصيات في الحزب الجمهوري والخارجية الأميركية التي يساورها القلق بشأن توغل روسيا في ليبيا بعد دعمها غير المعلن لحفتر بواسطة الفرق العسكرية المحترفة التي أصبح أمرها معروفاً دولياً، خصوصاً بعد تصريحات المبعوث الأممي غسان سلامة بشأنها.

وسبق أن قالت مصادر مصرية مطلعة على ملف دعم حفتر إن مدير المخابرات العامة عباس كامل، الموجود حالياً في شرم الشيخ للإشراف على منتدى شباب العالم، أنشأ غرفة عمليات متقدمة على مدار الساعة بين القاهرة وشرم الشيخ وقاعدة محمد نجيب العسكرية، شمال غرب مصر، للاطلاع على مستجدات معركة طرابلس أولاً بأول، إذ يراهن السيسي على الدعم الكبير الذي قدمته مصر لحفتر طوال الشهرين الماضيين لإعادة تنظيم جيشه ورفع قدراته، ليتمكن من اقتحام طرابلس وإنهاء أمر حكومة الوفاق، التي أصبح من المستحيل بالنسبة للسيسي وحلفائه، وعلى رأسهم الإمارات، العودة لطاولة التفاوض معها بعد توقيع الاتفاق مع تركيا.

وكان السيسي قد أبلغ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير خارجيتها هايكو ماس أثناء التحضيرات المتعثرة لمؤتمر برلين المؤجل بشأن ليبيا، بضرورة استبعاد كل التيارات الإسلامية من المشهد السياسي قبل الدخول في أي مفاوضات، وكذلك اعتبار مليشيات حفتر جيشاً نظامياً ورفع حظر التسليح عنه، كما أبدى تحفظه على الهدف الأول المعلن من المؤتمر وهو الوقف الفوري لإطلاق النار، فضلاً عن تنافر موقفه مع الهدف الثاني للمؤتمر بحسب ما أعلنت عنه برلين والمبعوث الدولي غسان سلامة، والذي يتمثل في خلق آلية تمكّن لجنة العقوبات من محاسبة الدول المزودة للأطراف المتصارعة بالسلاح وتجار السلاح في ظل شواهد وتقارير دولية تؤكد تزايد خرق قرار حظر التسليح.