قرار الاتهام ضد ترامب: قوته وضعفه

قرار الاتهام ضد ترامب: قوته وضعفه

11 ديسمبر 2019
نواة قاعدة الرئيس بقيت على التفافها حوله(براندون سميالوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -
دخلت رئاسة دونالد ترامب التاريخ هذا اليوم من باب الإدانة. انضمت إلى لائحة ثلاثة رؤساء سابقين واجهوا إجراءات العزل بتهم مشابهة. الفارق الأول أنه يواجهها في أواخر ولايته الأولى، وعشية حملته الانتخابية لتجديدها. الفارق الثاني أنه، خلافاً للحالات الثلاث السابقة، يُحاكَم في قضية الاستعانة بجهة خارجية لمساعدته في انتخابات 2020. التهمة أنه "أساء استخدام سلطاته" لتحقيق غرضه، "وتعمّد عرقلة تحقيقات الكونغرس"، حسب ما جاء في قرار الاتهام الذي أعلنه، الثلاثاء، رئيس اللجنة العدلية في مجلس النواب جاري نادلر، بحضور رئيسة المجلس نانسي بيلوسي، وعدد من رؤساء اللجان المعنية فيه. ومن المتوقع أن تتم مناقشته في اللجنة اليوم، الأربعاء، وربما تعديله، على أن يُصوَّت عليه في صيغته النهائية بعد غد الخميس، لرفعه بعد ذلك إلى المجلس، لاعتماده على شكل توصية بعزل الرئيس، خلال الأسبوع المقبل.
حتى الآن، يسير القرار في هذا الاتجاه المرسوم. وتبدو قيادة الديمقراطي، وعلى رأسها بيلوسي، مطمئنة لالتزام نواب الحزب، الذين يشكلون الأكثرية في المجلس، بهذا المسار والتصويت بشبه إجماع مع القرار.
في صيغتها الراهنة، تبدو لائحة الادعاء على قدر كافٍ من التماسك في حيثياتها الدستورية، حسب مراجع عديدة في هذا المجال. وفي الاعتقاد أن اقتصارها على بندَين فقط في قضية أوكرانيا، وعدم الاستعانة بتقرير المحقق روبرت مولر على أهميته، وفّر لها "قوة القضية". والأهم أنه يسهّل على الرأي العام تفهمها، بما يساعده على تقبلها والاقتناع بها. ثم إنّ الأدلة، وإن غير المباشرة والوقائع، "والمواد الحساسة" التي جمعتها التحقيقات، تدعم تصنيفها في خانة "الجرائم والجنح الوازنة" التي اشترطها الدستور، والتي يميل الاجتهاد القانوني إلى تفسيرها بأنها تعني إساءة استخدام السلطة، وتسخيرها لمنافع شخصية (في هذه الحالة انتخابية). وبالأخص إذا تم ذلك من خلال "الاستنجاد بالأجنبي"، أو محاولة طلب عونه بصورة أو بأخرى.
ويستند أصحاب هذا التعليل إلى أن هذا التعبير المأخوذ عن القانون البريطاني العام، الذي وضع الأصول الأولى للعزل ما عدا الملك، كان القصد منه إساءة استخدام السلطة. وما يعزز هذا الاعتقاد لدى الديمقراطيين، هو أن الفريق الجمهوري في الكونغرس اكتفى في دفاعه عن الرئيس خلال جلسات الاستجواب، بالتركيز على "شكليات" الإجراءات، ونقد "تحيّزها"، أو غياب التوازن في تطبيقها، والاعتراض المتكرّر على إدارة الجلسات، وغير ذلك من الأمور الجانبية؛ مبتعداً عن المجادلة في جوهر الادعاء، وفي الوقائع "لأنه تعذر عليه دحضها"، أو عجز عن تقديم مداخلات تنسف زعم انطباقها على الشرط الدستوري. وهو ما صبّ في تقوية حجة خصوم الرئيس.

لكن هذه القوة تستمدّ زخمها من تفسير النص وإسقاطه على القضية. ومع أن هذا التفسير أقرب إلى المنطقي والمعقول، إلا أن النقاشات والمطالعات المطولة التي دخلت في متاهات القانون وتعقيداته، لم تقوَ على تحقيق اختراق كبير في صفوف الكتلة الاجتماعية الواسعة، التي تابعت جلسات الشهود أكثر من متابعتها للجلسات الأخيرة بين المحامين، والتي اقتصر الاهتمام بها على النخب وأهل الاختصاص. ولهذا لم ينتج عن المداخلات خلال الجلسات تغيير ملموس في الموقف العام، حيث بقيت نسبة تأييد إجراءات العزل بحدود 51% حسب الاستطلاعات. مع الاشارة إلى أن نواة قاعدة الرئيس التي تشكّل بين 28 و30% ما زالت على التفافها التام حوله. وهذه الأرقام من الصعب أن تتبدل بعد انتقال القضية الآن من الإطار القانوني، إلى الإطار السياسي في مجلسَي الكونغرس. وعليه، باتت المعركة في حكم شبه المحسومة، بحيث يسجل خصوم الرئيس كسب النصف الأول منها في مجلس النواب، على أن يعوضها ترامب في النصف الثاني الفاصل في مجلس الشيوخ.

ومع ان الرئيس لن يخرج في نهاية المطاف من هذه المواجهة من دون رضوض أو حتى كسور على المديَين القريب والبعيد، إلا أنه واصل تحديه للمؤسسات والخصوم بأشكال عدة، منها فتح معارك جديدة مع جهات رسمية، مثل "أف بي آي"، ومنها بل أبرزها، استقباله الثلاثاء، وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف في البيت الأبيض، وعقد محادثات ثنائية معه، من دون مشاركة مستشاريه. وقد أثار ذلك علامات استفهام كثيرة حول زيارة من هذا النوع، في يوم صدور قرار الاتهام ضد الرئيس، كما حول الاستقبال الحميم الذي حظي به في الخارجية والبيت الأبيض، مع أن زيارته جاءت من دون جدول أعمال ببنود محدّدة تبرّر اجتماعاته في وزارة الخارجية والبيت الأبيض. وقد تبدّى ذلك في ملاحظاته وكلماته وأجوبته خلال لقاءاته الصحافية، التي ختمها بمؤتمر صحافي في دار السفارة الروسية، حيث اكتفى بجولة واسعة على ملفات ثنائية ودولية متفرقة، تعاطى معها بالعموميات، مع التركيز على نفي أي دور لروسيا في انتخابات 2016.