تجنيد مقاتلين وغياب ثقة: السلام في جنوب السودان يترنح

تجنيد مقاتلين وغياب ثقة: السلام في جنوب السودان يترنح

29 نوفمبر 2019
سلفاكير ومشار أثناء مباحثاتهما (مايكل أوهاغان/فرانس برس)
+ الخط -

تواجه عملية السلام في جنوب السودان، على هشاشتها، عقبات وعثرات جديدة ربما تعيد أطراف الحرب في الدولة الوليدة إلى مربع الحرب من جديد. ففي تقرير جديد، كشفت الأمم المتحدة عن قيام حكومة جنوب السودان بتجنيد قوة جديدة تضم آلاف الجنود بما يخالف شروط اتفاق وُقّع في العام 2018 لتحقيق السلام في البلاد. ونقلت وكالة "أسوشييتد برس"، أمس الأول، عن تقرير أعده خبراء أمميون، أن جهاز الأمن الوطني في جوبا قام بتجنيد قوة قوامها 10 آلاف مقاتل في المعقل الرئيسي للرئيس سلفاكير ميارديت، وأعرب خبراء الأمم المتحدة الذين يرصدون العقوبات المفروضة على جنوب السودان عن قلقهم إزاء التنفيذ البطيء للاتفاق الهش الذي تم توقيعه في سبتمبر/ أيلول 2018 والذي رعاه الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، وتحاول السلطة الجديدة في الخرطوم مواصلة المهمة على الرغم من صعوبتها.

وحصل جنوب السودان على استقلاله وانفصل عن السودان في العام 2011 عبر استفتاء شعبي راقبه المجتمع الدولي، لكن بعد عامين من الحدث اندلعت حرب أهلية في البلاد نتيجة قرار من سلفاكير بإعفاء نائبه رياك مشار الذي رفض القرار وقاد تمرداً واسعاً أدى إلى مقتل نحو 400 ألف شخص، ونزوح ولجوء 4 ملايين شخص، فتدخلت الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد"، ونجحت في إقناع الطرفين بالتوقيع على اتفاق سلام في العام 2015 لم يصمد طويلاً عقب محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها مشار في القصر الرئاسي في جوبا، بعدما عاد مجدداً لمنصبه نائباً للرئيس بموجب الاتفاق.

ومع حاجة السودان للاستقرار الأمني في جنوب السودان، لا سيما حقول النفط الذي يتم تصديره عبر الموانئ السودانية، تدخّل البشير في العام 2018 لتقريب المسافة بين سلفاكير ومشار، خصوصاً أن الأخير كان يحتفظ بعلاقة عميقة مع نظام البشير الذي نجح في سبتمبر/ أيلول 2018 في إقناع الرجلين بالتوقيع على اتفاق سلام لا تزال خطوات تنفيذه بطيئة، خصوصاً عملية تشكيل حكومة مشتركة ودمج الجيش الموالي لمشار في الجيش الوطني والاتفاق على نظام الحكم وعدد الأقاليم في البلاد. وأثار ذلك البطء حفيظة المجتمع الدول، لا سيما لجنة خبراء الأمم المتحدة التي ذكرت في تقريرها أن حكومة جنوب السودان لم تُبدِ اهتماماً كبيراً بالالتزام بروح اتفاق الخرطوم بشأن الترتيبات الأمنية وغيرها؛ ما يعرّض الاتفاق للخطر ويشكل "تهديداً فورياً" للسلام الهش في البلاد.

وقبلها جاءت ردة فعل الولايات المتحدة أكثر حدة حينما استدعت سفيرها لدى دولة جنوب السودان، توماس هوشيك، للتشاور وإعادة تقييم العلاقات، وهي الخطوة الأكثر غضباً من واشنطن تجاه حكومة الجنوب، على الرغم من أن الولايات كانت الأكثر حماسة لدعم انفصال الجنوب عن السودان. وتشعر الولايات المتحدة بالصدمة إزاء تصرفات القادة السياسيين في جنوب السودان وإخفاقهم في تشكيل الحكومة الانتقالية للوحدة الوطنية بحلول الموعد النهائي الذي كان محدداً في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية مورغان أورتاغس، في بيان، يوم الإثنين الماضي، إن هوشيك سيعود إلى واشنطن للقاء كبار المسؤولين في الحكومة الأميركية في إطار إعادة تقييم العلاقة بين الولايات المتحدة وحكومة جنوب السودان في ضوء التطورات الأخيرة.



ولم تقم حكومة سلفاكير بأي ردة فعل إزاء التململ الدولي وتقارير اتهامها بانتهاك خطط تنفيذ اتفاق السلام سوى عبر تصريح يتيم أعربت فيه عن أسفها لقرار واشنطن سحب سفيرها في جوبا. وخلال الأسابيع الماضية، عقدت قمة في مدينة أنتيبي الأوغندية جمعت سلفاكير بمشار بحضور الرئيس الأوغندي يوري موسفيني، ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، وتوصلت القمة إلى تمديد موعد تشكيل الحكومة 100 يوم، وذلك حتى تتجاوز الأطراف الخلافات في ملفات الترتيبات الأمنية وموضوع عدد الولايات.

ودفع التعثّر الحاصل الحكومة السودانية لإرسال وفد ضم 5 من أعضاء مجلس السيادة برئاسة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى جوبا للوقوف على تنفيذ مقررات قمة أنتيبي، وأكد دقلو في تصريحات صحافية عقب نهاية الزيارة، أنهم توصلوا مع الأطراف لإعداد خريطة في مدة 50 يوماً لتنفيذ اتفاق السلام في جوبا، مشيراً إلى أن سلفاكير ميارديت أكد أنه ليس هناك أي تمديد آخر بشأن تشكيل الحكومة. وأعرب دقلو عن تفاؤله بتشكيل الحكومة الجديدة في جوبا خلال فترة الـ100 يوم.

وأعلن فوك بوث باولنغ، المسؤول الإعلامي في الحركة الشعبية المعارضة بقيادة رياك مشار، في حديث مع "العربي الجديد"، ترحيب الحركة بتقرير خبراء الأمم المتحدة الذي يؤكد عدم التزام حكومة جنوب السودان برئاسة سلفاكير بتنفيذ اتفاق السلام وخرق بنوده المتعلقة بالترتيبات الأمنية. ولفت التقرير أيضاً، بحسب باولنغ، إلى الدور المهم الذي يفترض أن يؤديه المجتمع الدولي للحد من معاناة شعب جنوب السودان في المجالات المعيشية والأمنية، مشيراً إلى أن اتفاق السلام يمنع الطرفين من إضافة أي جندي لقواتهما الحالية.

وحذّر باولنغ من مغبة السماح بمزيد من المماطلة من قِبل الحكومة في مجال تنفيذ الاتفاق، داعياً المجتمع الدولي لمواقف أكثر ضغطاً على جوبا، مشيداً بقرار الإدارة الأميركية سحب سفيرها في جوبا للتشاور، مشدداً على ضرورة تصحيح مسار التعامل مع الحكومة وعدم غض الطرف عن انتهاكات الحكومة، خصوصاً سياستها في تكميم الأفواه وشراء ذمم بعض الشخصيات المعارضة. واستبعد باولنغ عودة الأطراف إلى مربع الحرب من جديد بعدما ذاق الجميع مرارة النتائج التي قادت إليها سنوات الحرب الماضية بكلفتها البشرية المعلومة، مبيناً أن الأمل على الرغم من الصعوبات والعثرات، يحدو الجنوبيين في إنقاذ دولتهم من الهاوية التي تمضي إليها.

لكن الصحافي الجنوب سوداني غبريال شدار، رأى أن الحديث عن عمليات تجنيد مخالفة لاتفاق السلام، ليس جديداً وسبق أن صدرت تقارير تتهم الطرفين بذلك، مشيراً إلى أن عملية التنجيد يقوم بها الأطراف بشيء من التذاكي والتحايل، لكنه أوضح أن الموضوع برمته ليس ذا أهمية بحكم أن كل المكوّنات المجتمعية في جنوب السودان مجيّشة وتعرف كيف تقاتل من دون أن تكون لديها عقائد قتالية. وأوضح شدار لـ"العربي الجديد"، أن الأزمة الحقيقية هي أزمة الثقة بين طرفي اتفاق السلام الذي يمكن أن ينهار بسبب التجنيد ومن دونه، مشدداً على أهمية الضغط على الأطراف حتى تعطي مزيداً من الالتزام بالعملية السياسية.

وحول قرار واشنطن سحب سفيرها من جوبا، قال شدار إن القرار كان مفاجئاً لحكومة الجنوب التي حاولت قدر المستطاع الاستجابة للمطالب والخط الذي تضعه أميركا، عازياً تلك الخطوة إلى الفجوة في الحوار بين جوبا وواشنطن. وتساءل عن ماهية الطريقة التي ستقيّم بها واشنطن علاقتها مع جوبا، وهل يشمل ذلك بقية الأطراف المعارضة، محذراً من أي خطوات أخرى قد تتخذها الإدارة الأميركية قد تدفع الحكومة أو أي طرف آخر للتنصل نهائياً عن اتفاق السلام.


المساهمون