تصعيد إدلب وتوتر شرقي الفرات: اتساع خلافات موسكو وأنقرة

تصعيد إدلب وتوتر شرقي الفرات: اتساع خلافات موسكو وأنقرة

26 نوفمبر 2019
يواصل الروس استهداف المرافق الحيوية (أحمد خطيب/الأناضول)
+ الخط -
انتقل التصعيد في الشمال الغربي من سورية، من القصف الجوي الذي ينفذه الطيران الروسي ويطاول مرافق حيوية، أبرزها المراكز الطبية، إلى مرحلة التقدم البري من قبل قوات النظام في عمق محافظة إدلب. ويبدو واضحاً أن هذه القوات تريد التقدم باتجاه مدينة معرة النعمان، كبرى مدن الريف الجنوبي في المحافظة، ما يعني عملياً انتهاء التهدئة التي كانت موسكو قد أعلنتها في شهر أغسطس/ آب الماضي في المنطقة، ويؤكد اتساع هوة الخلاف بين موسكو وأنقرة حول ملفي الشمال الغربي والشمال الشرقي من سورية. وتتحرك قوات النظام تحت غطاءٍ ناري روسي، ما يعني أن موسكو أعطتها الضوء الأخضر لمعاودة التصعيد، ويعكس اختلاف الروس مع الأتراك حول ملفي الشمال الغربي والشمال الشرقي من سورية، حيث لا تزال التطورات تتوالى في منطقة شرقي نهر الفرات، في ظلّ غياب تفاهم ينهي حالة التوتر الحاصلة في المنطقة. على الرغم من ذلك، وخصوصاً التوتر المتواصل في بلدة عين عيسى بريف الرقة الشمالي، أكد مصدر أمني، أمس الإثنين، لوكالة "رويترز"، أن تركيا ملتزمة تماماً بالاتفاقات التي أبرمتها مع روسيا والولايات المتحدة في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بخصوص شمال شرق سورية، وأنها لن تستأنف عمليتها العسكرية هناك. وقال المصدر الأمني إن تركيا ترد فقط على هجمات "وحدات حماية الشعب" الكردية في المنطقة في إطار الدفاع عن النفس.

اختراق النظام
وتحاول قوات النظام السوري منذ أيام إحداث اختراق كبير في جبهة ريف إدلب الشمالية الشرقية، للتقدم أكثر باتجاه مدينة معرة النعمان الواقعة على الطريق الدولية التي تربط حلب، كبرى مدن الشمال السوري، بمدينة حماة. واللافت أن النظام يعمد إلى التصعيد العسكري مع كل استحقاق سياسي، حيث يتزامن الهجوم على عمق محافظة إدلب مع انطلاق الجولة الثانية من أعمال اللجنة الدستورية في مدينة جنيف السويسرية، في رسالة واضحة أن النظام ماضٍ في الخيار العسكري، وأن العملية السياسية لا تعنيه.

وأمس، الإثنين، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام، إن قواته استعادت السيطرة على قرى ضهرة الزرزور والصير وأم الخلاخيل ومزارع المشيرفة في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، مشيرة الى أن هذه القوات كبدت فصائل المعارضة السورية خسائر كبيرة بالأفراد والعتاد. بدورها، أكدت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن قوات النظام السوري سيطرت، أمس، على كامل قرى المشيرفة والزرزور وأم الخلاخيل والعديد من المواقع في محيطها، عقب انسحاب قوات المعارضة منها بعد معارك عنيفة بين الطرفين. من جهته، أفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" بتجدد القصف الجوي على محافظة إدلب، أمس، حيث نفذت طائرات حربية روسية غارات على كفروما ومعرزيتا وبابولين والتح وكفرنبل وحيش وجبالا بريف إدلب الجنوبي، كما شنّت طائرات النظام الحربية غارات على مواقع في التح والبريصة وتل دم ومحيط أم الخلاخيل والزرزور، جنوب شرق إدلب. وذكرت مصادر محلية أن الطائرات الروسية دمرت، صباح الإثنين، "فرن الإيمان" في قرية بنين بريف إدلب، جرّاء قصفه بشكل مباشر. ويعمد الطيران الروسي عادةً إلى تدمير جميع المرافق الحيوية وارتكاب المجازر بحق المدنيين، قبيل أي عملية عسكرية برية للنظام، للضغط على فصائل المعارضة السورية.


وقال مصدر من الدفاع المدني السوري لـ"العربي الجديد"، إن الطيران الحربي الروسي قصف بصواريخ شديدة الانفجار، منتصف ليل الأحد - الإثنين، مستشفى "كيوان" الجراحي في بلدة كنصفرة بجبل الزاوية، جنوب إدلب، ما ألحق به أضراراً مادية جسيمة أخرجته عن الخدمة بشكل كامل. وبيّنت مصادر محلية، من جهتها، أن المشفى كان مختصاً بتقديم الخدمات للأمراض النسائية والأطفال، ويخدم ما يقارب 300 ألف نسمة، ويُعتبر الوحيد المتبقي في منطقة جبل الزاوية بعد تدمير مشفى "شنان" منذ ما يقارب الشهر من قبل الطيران الروسي أيضاً.

وخلال الفترة الواقعة بين الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، وحتى 25 منه، وثق "فريق منسقو استجابة سورية" نتائج الحملة العسكرية للنظام وروسيا على الشمال الغربي من سورية. وقال الفريق، في بيانٍ أمس، إن "الحملة العسكرية التي تشنها قوات النظام على مناطق مختلفة من شمال غرب سورية دخلت أسبوعها الثالث، مخلفة العديد من الأضرار على كافة الصعد، ونزوح عشرات الآلاف من المدنيين، نتيجة الاستهداف المباشر للأحياء السكنية والمنشآت والبنى التحتية".

وطالب الفريق "كافة الفعاليات والهيئات الدولية بالعمل على إيقاف الانتهاكات والأعمال العدائية التي يقوم بها النظام وحليفه الروسي على المنطقة، واتخاذ إجراءات فورية وجادة لوقفها"، محذراً من استمرار العمليات العسكرية، والتي ستؤدي إلى نزوح أكثر من مليون مدني في المنطقة. كما وثق الفريق نزوح أكثر من 9.105 عائلات (49417 نسمة) في المنطقة، موزعين على أكثر من 28 ناحية، ومقتل أكثر من 100 مدني، من بينهم 37 طفلاً وطفلة، موزعين على محافظة إدلب (90 مدنياً)، محافظة حماة (مدني واحد)، محافظة حلب (تسعة مدنيين).

وأشار الفريق إلى أن استمرار العمليات العدائية في مناطق شمال غرب سورية، سيخلف المزيد من أعداد النازحين والمشردين داخلياً بشكل مكثف، بالتزامن مع الصعوبات الإنسانية التي تواجه مناطق شمال غرب سورية، خصوصاً في المخيمات الحدودية التي وصلت إلى طاقتها الاستيعابية القصوى. وكانت روسيا قد أعلنت أواخر شهر أغسطس/ آب الماضي تهدئةً في الشمال الغربي من سورية، بعد أشهر من التصعيد سيطرت خلاله قوات النظام على نحو 25 مدينة وبلدة وموقعاً في ريفي إدلب وحماة. 

مصير عين عيسى
وفي منطقة شرقي الفرات، من الواضح أن الجانبين الروسي والتركي لم يردما بعد هوة الخلاف حول مصير بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، حيث لا يزال "الجيش الوطني السوري"، التابع للمعارضة والمدعوم من الجيش التركي، يحشد من أجل جولة جديدة من القتال. وأكدت مصادر محلية، أمس، أن هذا الجيش يحشد بالقرب من مخيم بلدة عين عيسى. وكانت المنطقة قد شهدت اشتباكات دامية بين "السوري الوطني"، و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) خلال الأيام القليلة الماضية، حال الجانبان الروسي والتركي دون اتساعها.

وفي هذا الإطار، ذكر "المرصد السوري" أن طائرات مسيرة تركية قصفت، أمس، مواقع لقوات النظام في تل طويل الواقعة بين تل تمر والمناجير في ريف محافظة الحسكة، ما أسفر عن إصابة عنصرين على الأقل من هذه القوات تمّ نقلهما إلى مشافي الحسكة. ونقل "المرصد"، وهو مقرب من الوحدات الكردية، عن "مصادر موثوقة"، أن قوات النظام في منطقة شرقي نهر الفرات "لديها أوامر بعدم إطلاق طلقة واحدة على القوات التركية، وعدم الدخول في أي اشتباك معها".

من جهتها، لم تتردد مليشيات "قسد" في تحميل الجانب الروسي مسؤولية المعارك الدائرة في منطقة شرق الفرات، بعد خسارتها مناطق لصالح "الجيش الوطني السوري" والقوات التركية بريف الرقة الشمالي.

وقالت "قسد"، في بيان، إن القوات الروسية "غضّت الطرف" عن هجوم القوات التركية مدعومة بفصائل الجيش الوطني، وبإسنادٍ جوي ومدفعي من ثلاثة محاور، على منطقة عين عيسى، شمالي الرقة.

وجاء في البيان أن هذا الهجوم "جرى أمام أنظار القوات الروسية التي لم تحرك ساكناً لإيقاف هذا الغزو الهمجي، والتي من المفترض أنها موجودة على الأرض كضامن لوقف إطلاق النار".

وفي السياق، قالت وزارة الدفاع التركية، أمس، إنها عثرت على شبكة أنفاق كانت قوات "قسد" قد حفرتها بمدينة رأس العين السورية، التي كانت خاضعة لسيطرتها، قبل أن تنسحب منها تحت ضربات الجيش التركي. وأوضح بيان صادر عن الوزارة، أن أنشطة التمشيط والبحث وإزالة الألغام والعبوات الناسفة متواصلة في المناطق التي سيطر عليها الأتراك ما بين مدينتي تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، على مسافة أكثر من 100 كيلومتر، وبعمق يصل الى 30 كيلومتراً.

كما أعلنت الوزارة التركية عن إكمال الجيشين الروسي والتركي الدورية الحادية عشرة في محافظة الحسكة، شمالي شرقي سورية، وفق الاتفاق المبرم بين البلدين الشهر الماضي حول الشمال الشرقي من سورية. وقالت إن "الوحدات التركية والروسية أكملت دوريتها البرية المشتركة الـ11 وفقاً للخطة الموضوعة في قطاع القامشلي - ديريك في منطقة شرق الفرات".

إلى ذلك، انتقل التوتر العسكري بين "قسد" وفصائل المعارضة السورية إلى ريف حلب الشمالي في غربي نهر الفرات، حيث أكد "المرصد السوري" أن اشتباكات بين الطرفين شهدتها محاور حربل وتل مالد بريف حلب الشمالي بعد منتصف ليل الأحد – الإثنين، ترافقت مع استهدافات متبادلة بالقذائف والرشاشات الثقيلة. وقصفت المليشيات الكردية، أمس، مناطق في مدينة أعزاز، شمال حلب، وفق مصادر محلية تحدثت عن مقتل مدنيين إثنين واصابة آخرين بجروح، جراء انفجار عبوة ناسفة في المدينة التي تعد أكبر معقل للمعارضة السورية في ريف حلب الشمالي.