اعتزال المرزوقي: مسيرة سياسة حافلة بالنضالات والتحديات

اعتزال المرزوقي: مسيرة سياسة حافلة بالنضالات والتحديات

26 نوفمبر 2019
تعرض المرزوقي وحزبه لهزيمة قاسية في الانتخابات الأخيرة(ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -
طرح إعلان الرئيس التونسي الأسبق، رئيس حزب "حراك تونس الإرادة" محمد المنصف المرزوقي، أمس الأول الأحد، انسحابه من الحياة السياسية والحزبية واستقالته من حزب الحراك، تساؤلات كثيرة حول دوافعه، وهل أن النتائج المخيّبة له ولحزبه في الانتخابات هي الدافع الوحيد وراء هذا الانسحاب؟
وتوجّه المرزوقي بكلمة مطوّلة إلى التونسيين، الأحد، أكد فيها أنه "إثر نتائج الانتخابات الأخيرة التي أتحمّلُ كامل المسؤولية فيها، قررتُ الانسحاب من رئاسة حزب الحراك وكذلك من الساحة السياسية الوطنية، مع البقاء ملتزماً بكل قضايا شعبي وأمتي التي سأواصل خدمتها بما أستطيع بطرق وفي مجالات أخرى".

وقررت هيئة الحزب قبول الاستقالة مع "تثمين كل التضحيات التي قدّمها وكل الإرث الفكري والمعرفي والنضالي والأخلاقي الذي تركه لمناضلي الحزب وأنصاره والتونسيين جميعاً". كما قررت الهيئة الإبقاء على المرزوقي رئيساً شرفياً للحزب، ومعاهدته على الحفاظ على "الحراك" باعتباره مكسباً وطنياً ومشروعاً مستقبلياً برؤية استشرافية وبرامج صالحة للأجيال المقبلة.
كذلك قررت الهيئة تكليف رئيس الهيئة السياسية خالد الطراولي برئاسة للحزب، وأكدت "الحفاظ على هياكل الحزب وتكليفها بالانطلاق في تنفيذ برنامج عمل مرحلي مركز على خلاصات التقييم الشامل لأداء الحزب ولأسباب الهزيمة القاسية التي تعرض لها خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة... وهي هزيمة تستوجب منا التواضع لحكم الشعب والاستماع المرهف للرسائل التي بلغها لنا والعمل على إصلاح خطابنا وتطوير هيكلنا التنظيمي وطرق عملنا الميداني، وخصوصاً بذل جهد جبار في تكوين إطارات الحزب وتعزيز رصيده البشري".

ويشير هذا البيان بوضوح إلى الأسباب المباشرة لانسحاب المرزوقي، وأهمها الهزيمة القاسية في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، التشريعية والرئاسية والبلدية التي سبقتها، ولكنها تقر في الوقت نفسه "بضرورة التواضع لحكم الشعب والاستماع لرسائله". ولكن هل تبرر الهزيمة الانتخابية وحدها هذا الانسحاب؟

عندما التقت "العربي الجديد" المرزوقي بعد انتخابات 2014، قال رداً على منافسيه "بالنسبة إليهم ما زلتُ رقماً يخشونه، لقد اعتقدوا أنني سأختفي من الساحة السياسية بعد الانتخابات، واعتقدوا أنه بعدما وصلت إلى أعلى مرتبة في السلطة لن أعود. لكنهم لا يفهمون ما قلته سابقاً، وسأستعير هنا عبارة للسياسي رؤوف العيادي، يقول فيها: نحن لسنا أصحاب قضيهْ (أي حاجة) بل أصحاب قضيّة". وتابع المرزوقي: "كان بإمكاني التمتع بتقاعدي أو أن أستجيب لدعوات من جامعات أوروبية وأميركية، وأبتعد بكل بساطة عن الساحة السياسية. لقد قمنا بثورة من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وهم أجهضوا الثورة وعادوا بقوة وتعالٍ وتبجح بإعادة الأصنام". فما الذي تغيّر بعد انتخابات 2019؟

رفيق دربه عبد الرؤوف العيادي، اعتبر في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ اعتزال المرزوقي الشأن السياسي "يعود إلى شعوره بالغربة السياسية، فلم يعد هناك مجال واسع للعمل السياسي"، مضيفاً أن "الانتخابات ليست مبنية على حياة سياسية تقوم على البرامج والأفكار بل على الصراعات الأيديولوجية وقوى مضادة للثورة".

وأثناء الحملة الانتخابية ورداً على سؤال لـ"العربي الجديد" عما إذا كان يعتقد أن الحملات الانتخابية تشهد تنافساً على البرامج، أجاب المرزوقي "هذا هو المفروض، ولكن الآن المواطن التونسي أمام مشهد ضبابي، الجميع يتحدثون عن محاربة الفساد والفاسدين بمن فيهم من جاء به الفساد، وأيضاً من يحاربون بعضهم بالملفات يتحدثون عن محاربة هذه الآفة، ولكن أشعر أحياناً أنّ صوتي قد يضيع بين أصوات هؤلاء. فالجميع يتحدّث عن التنمية والحرية والتغيير المناخي الآن، بينما كنتُ أول من تحدث عن هذه الملفات، وهؤلاء ليسوا لصوص ثروات فقط، وإنما أيضاً لصوص أفكار". وتابع المرزوقي: "الوضع ليس واضحاً في ظلّ حملات تضليلية وقنوات تلفزيونية تؤثر على الملايين، وفي المقابل مرشح لا يملك سوى صورة، فكل هذا يشكّل فرقاً بين المرشحين وفي تساوي الحظوظ بينهم، ولكنها تظلّ تجارب. فالفساد ركّز على مفاصل الإعلام وهذه مشكلة وخطر سياسي حقيقي".


ويبدو أن المرزوقي لاحظ أن صوته يضيع بين الأصوات الكثيرة، وهناك من يسطو على أفكاره، وأن التونسيين ذهبوا لانتخاب بدائل بعيداً عنه بينما كان يعتقد أنه يشكّل هذا البديل، وللحقيقة فإن الكثير مما دعا إليه المرزوقي أو ما يمثله من أفكار وحتى من أسلوب، تبنّته قوى أخرى ونجحت به في الانتخابات، وربما يقود هذا الاستنتاج إلى قراره بالابتعاد عن الساحة السياسية، ولكن هذا القرار يُفسَّر أيضاً بالأخطاء السياسية التي ارتكبها المرزوقي طيلة السنوات الأخيرة، والتي دعته إلى تحمّل المسؤولية بشجاعة.

خاض المرزوقي رحلة نضال طويلة وصعبة ضد الاستبداد، كُللت بعد الثورة التونسية بتوليه رئاسة البلاد. هو من مواليد مدينة قرنبالية في محافظة نابل في 7 يوليو/ تموز 1945، من أصول تعود إلى أقصى الجنوب التونسي. درس في تونس ثم في المغرب قبل أن يغادر إلى فرنسا لمواصلة تعليمه والحصول على الدكتوراه في الطب، وتزوج هناك. في عام 1979 عاد المرزوقي إلى تونس، وعمل أستاذاً مساعداً في قسم الأعصاب في جامعة تونس. اعتُقل في مارس/ آذار 1994 ووُضع في زنزانة انفرادية قبل إطلاق سراحه بعد أربعة أشهر بفعل حملة دولية وتدخل الزعيم الجنوب أفريقي الراحل نيلسون مانديلا.
ظل المرزوقي يحمل في داخله صفتي المناضل والحقوقي ولم يتنازل عنهما في كل المواقع التي شغلها، وحاول إعادة ترتيب خطابه السياسي قبل الانتخابات الأخيرة ولكن المزاج الانتخابي التونسي كان يسير في اتجاه مخالف تماماً.

النائب عن "ائتلاف الكرامة" عبد اللطيف العلوي علّق على قرار المرزوقي في تدوينة على صفحته قائلاً "لا أعتقد أنّ المرزوقي سوف يعتزل السياسة. السياسة إدمان، كالتدخين. من الصعب جداً أن ينقطع أحدهم عن التدخين دفعة واحدة ومنذ المحاولة الأولى، خاصة لمن دخّن طويلاً طويلاً. من جرّبوا التدخين يعرفون هذا جيداً". واعتبر ان "فترات ما بعد الانتخابات عادة تتلوها قرارات بالاعتزال تعبّر عن الخيبة والإحباط أكثر مما تعبّر عن موقف جدي نهائي مقصود... بل أكثر من ذلك، هي عادة ما تكون نوعاً من الاحتجاج المصطبغ بالألم، كنوع من لفت الأنظار لاستعادة الأضواء وتأثيم الآخرين... ومن لم تهزمه الديكتاتورية، لن تهزمه الديمقراطية". وختم العلوي بالقول "الأيام بيننا... المرزوقي سيعود، السؤال هو متى وكيف؟ وهل سيستوعب الدرس أم لا".