هوس التكنوقراط في تونس

هوس التكنوقراط في تونس

24 نوفمبر 2019
أعاد التونسيون منح ثقتهم للأحزاب في الانتخابات الأخيرة (Getty)
+ الخط -
انتخب التونسيون ثالث برلمان لهم منذ قيام الثورة، وشهدوا تشكّل حكومات عديدة على امتداد السنوات التسع الماضية، جرّبوا خلالها كل أنواع الحكومات الممكنة، فيما تجاوز عدد الأحزاب في البلاد المئتين. وعلى الرغم من كل ما قيل عن الأحزاب، وكل محاولات ترذيل الحياة السياسية في البلاد، إلا أن الناخبين ذهبوا في آخر انتخابات لمنح ثقتهم مجدداً للأحزاب، وهي رسالة واضحة بأنهم يريدون منها أن تُمارس دورها الأصلي، الحكم، إلا أن بعضهم لا يزال إلى اليوم يدعو إلى تحييد الوزارات والبحث عن مستقلين وتعيين تكنوقراط.

رئيس الحكومة المكلّف، الحبيب الجملي، قال في تصريح إعلامي في قرطاج صباح أمس الأحد، إن الحكومة التي سيشكّلها ستشهد تجديداً في الشكل والمضمون، وإن المشاورات مع الأطراف السياسية والمنظمات الوطنية والمجتمع المدني تشهد تقدّماً إيجابياً، وفق تعبيره.
ولكن عدداً من هذه الأحزاب، حتى التي التقاها أمس ولا تمثّل أي ثقل برلماني، شدّدت على تحييد الوزارات الكبرى، وكذلك فعل الحزب الأول، حركة "النهضة"، وأيضاً فعل ذلك منافسو الأخيرة حين اشترطوا رئيس حكومة مستقلاً لا ينتمي إليها، مع أن الدستور واضح ويمنحها هذه الأحقية، ولكن "النهضة" رضخت واقترحت الجملي لهذا المنصب، والذي ظل على امتداد أيام يقنع زواره بأنه مستقل.

ولكن "النهضة" نفسها أصرت على رئيس حكومة مستقل بعد انتخابات 2014 حين دعيت لتشكيل الحكومة مع "نداء تونس"، وجيء بالحبيب الصيد وقتها، وتم اقتراح مستقلين تكنوقراط لعدد من المناصب الحكومية، وهو ما يتكرر اليوم بالتفاصيل نفسها.

يعكس هذا الهوس التونسي بالمستقلين والتكنوقراط جوّاً من انعدام الثقة بين الأحزاب، وخوفاً من تغوّل أحدها على مفاصل الدولة، ولكن هذه الأحزاب تتناسى أنها بذلك تعكس إرادة الناخبين أولاً، وتُسقط مفهوم المحاسبة السياسية على مردودية هذه الوزارات ثانياً، لأن الوزير المستقل لا يلتزم ببرنامج الحزب الفائز وقد يذهب حتى إلى معاكسة توجّهاته ويدخل في مناكفات مع رئيس الحكومة، وقد حدث ذلك مراراً في التجارب السابقة، بالإضافة إلى أنه غير معني إلا بنجاحه الشخصي، وليس بعمل جماعي متناغم ضمن برنامج واضح الأهداف.

ويبدو السؤال الحقيقي حول ضرورة الحكم الجماعي طالما أن هذه الأحزاب لا تتبادل الثقة وتبدأ الأيام الأولى لحكمها المشترك بالشكوك والريبة المتبادلة، وهو المناخ الذي سيميّز عملها "الجماعي" على امتداد فترة حكمها، ونتائجه معلومة طبعاً.

المساهمون