مؤسسة الأفكار الدولية: الديمقراطية تزداد انتشاراً حول العالم

مؤسسة الأفكار الدولية: الديمقراطية أكثر انتشاراً حول العالم منذ سقوط جدار برلين

21 نوفمبر 2019
الديمقراطية أكثر انتشاراً رغم تراجع مؤشراتها النوعية (Getty)
+ الخط -
خلص تقرير صادر عن منظمة "إنترناشنال أيديا"، أعده باحثون في مجال دراسة تحولات المجتمعات نحو الديمقراطية، إلى أن مجتمعات عديدة حول العالم تتحرك باضطراد نحو نظام الحكم الديمقراطي منذ سقوط جدار برلين قبل 3 عقود، حتى وصلت نسبة الشعوب التي تعيش في ظل نظام ديمقراطي إلى نحو 56% من بين دول العالم، مقابل 36 في المائة عند انهيار جدار برلين، ومنظومة الدول الشرقية آنذاك. ووفقا لتقرير المنظمة، فإن السنوات الـ11 الماضية فقط شهدت انضمام نحو 11 بلدا إلى التصنيف الديمقراطي.


المنظمة التي تتخذ من العاصمة السويدية استوكهولم مقرا لها، وتعمل في مجال دراسة ومراقبة طبيعة أنظمة المجتمعات حول العالم، رأت أيضاً في تقريرها الصادر حديثا بعنوان "وضع الديمقراطية العالمي في 2019"، أن النظام الديمقراطي "لا يزال المفضل والمنتصر حول العالم، حيث يجري من خلاله التركيز على النواحي الإيجابية ومواجهة ما تشيعه بعض وسائل الإعلام عن أن النظام الديمقراطي في طريقه للأفول".

تحديات

ورغم ذلك التحرك الذي يرصده التقرير لعمليات الانتقال إلى الديمقراطية كنظام حكم مفضل لنحو 60 في المائة من شعوب الأرض، فإن تحديات عديدة تواجه الديمقراطية، ومنها نوعية تلك الديمقراطية ومستوياتها "فإذا كانت الديمقراطية ليست في طريقها للأفول، ولا تزال العمليات الانتخابية تعمل بشكل جيد حول العالم، فإن تحديات كثيرة تواجه هذا الشكل من الحكم، ومن بينها تراجع نوعية الديمقراطية في بعض المجتمعات، وبالأخص في ما خص حرية عمل المجتمع المدني وحرية التعبير والصحافة والحريات السياسية وغيرها"، وفقا لما ذهبت إليه مسؤولة قسم تقييم الديمقراطية في المنظمة الدولية، المشارِكة في إعداد التقرير، أنيكا سيلفا ليندر، في تصريحات صحافية متزامنة مع صدوره.
ويرصد التقرير أيضاً نوعاً من التراجع الديمقراطي في أوروبا، وبالأخص في الديمقراطيات القديمة، "حيث تتجه بعض المجتمعات بعيدا عن الأفكار الليبرالية الديمقراطية"، وهي الأفكار التي يؤيدها القائمون على هذه المؤسسة في استوكهولم.

وتستند المؤسسة في قياس وتقييم الديمقراطيات حول العالم على معايير تتعلق بمستوى التمثيل الشعبي في الحكومات، وتوزيع السلطات الثلاث واستقلاليتها، والحقوق المدنية وحقوق المواطنة، ومشاركة المواطنين في النظام ببلادهم. وفي هذا الجانب، فإن مقياس المؤسسة لنوعية المعايير تلك رصد تراجعا في من 47% عام 1980، إلى 22% في 2018.


ويشير التقرير المذكور إلى أن مجتمعات شمال وغرب أوروبا، بما فيها دول اسكندينافية كالدنمارك، لا تزال الديمقراطية تعمل فيها بشكل جيد. وفي الوقت ذاته، يرى معدوه أن "انتشار أحزاب الشعبوية والحد من بعض السياسات، يمكن أن يؤديا إلى استقطاب مجتمعي أكبر، ما يشكل مدخلا لتراجع الديمقراطية في المستقبل، فأحزاب الوسط في دول الاتحاد الأوروبي تعاني في مواجهة توجه الناخبين باتجاه مواقف متطرفة ونحو أحزاب الأجنحة المتشددة، فقد نجح الحزب الاجتماعي الديمقراطي في الدنمارك مثلا في انتخابات العام الحالي، 2019، على خلفية تشدده في قضايا الهجرة".

والقلق الذي يبديه معدو التقرير يتعلق بدول أعضاء في الاتحاد الأوروبي ومن خارجه، كتركيا، ودول مثل رومانيا والمجر وبولندا. فإلى جانب عرض الشوائب الديمقراطية في تركيا ومركزة القرارات في نظام رئاسي بيد رجب طيب أردوغان، رصد التقرير ظاهرة التراجع التي شهدتها المجر خلال 5 سنوات أخيرة من حكم رئيس الوزراء المتشدد فيكتور أوربان، وخصوصا تدخله للحد من حرية الإعلام واستقلال القضاء.

ويرى الباحثون أن كلاً من بولندا والمجر تذهبان نحو ترسيخ ديمقراطية غير ليبرالية "والتي بالتالي تقوض قيم حرية التعبير واستقلال القضاء"؛ فرئيس الوزراء المجري أوربان استخدم سلطته لتوكيد أفكاره الخاصة، واعتبار ما يقوم به في بلده محاولة لترسيخ استقلالية القرار الوطني بعيدا عن فرض الاتحاد الأوروبي سياسات معينة على الدول الوطنية.

وفي السياق، يرصد أستاذ العلوم السياسية في جامعة آرهوس الدنماركية سفيند إيريك سكونينغ، في معرض تعقيبه على التقرير والحالة المجرية كتحد لديمقراطية الاتحاد الأوروبي، أن "الكثير من الأمور تشير إلى انتشار الإحباط الشعبي في بعض دول الاتحاد، وبالخصوص من الأحزاب التقليدية التي وصلت سابقا إلى السلطة، ووعدت من خلال الليبرالية أن تحقق نموا ورخاء ومساواة، ثم في الواقع أغضبت الناس من عدم تحقيقها، وبالتالي صرنا نشهد حركة أكثر نحو القيم التقليدية ودعم الكنيسة وعدم الفصل بين الأسرة الصغيرة والأمة لتثبيت فكرة استعادة الاحترام للذات الوطنية".

وفي الوقت ذاته يرصد التقرير أيضاً أن حالة الديمقراطية في البرازيل والهند مقلقة، كما هي حالة الاستقطاب في المجتمع الأميركي أثناء فترة حكم الرئيس الحالي دونالد ترامب. ويشارك التقرير قلق قوى مختلفة حول العالم من تراجع المساواة واستقلالية الإعلام واتساع الفساد في الفترات الانتخابية في بعض المجتمعات. ورغم ذلك ترى أنيكا سيلفا أنه "رغم الحراكات الاحتجاجية حول العالم، وبشكل خاص في تشيلي، فذلك مؤشر أيضا على أن للناس رغبات لفرض إرادتهم في الاختيار الحر وحقوقاً كثيرة أخرى غير مسألة الانتخاب، كالمطالبة بتحسين الوضع المالي لرفع قدرة الناس على دفع مستلزمات حياتهم اليومية".
97 مؤشراً

وقيّم تقرير المؤسسة حالة الديمقراطية من خلال 97 مؤشرًا تتعلق بقياس ممارسة الديمقراطية. وجرى في الدراسة تقسيم الدول إلى ثلاثة مستويات: الأنظمة الديمقراطية وأنظمة الانتقال الديمقراطي والأنظمة غير الديمقراطية. ويرى معدو التقرير أن مجتمعات مرحلة الانتقال الديمقراطي قد تكون لديها مؤسسات ديمقراطية لكنها تفتقر للانتخاب الديمقراطي الحر.

ورصد معدو التقرير حالة 158 بلدا، حيث جرى استثناء الدول التي يقل عدد مواطنيها عن مليون إنسان، وبالتالي فالدراسة ليست إحصائية ولا تمثل كل دول العالم، لكنها تعطي فكرة جيدة عما يجري من تحولات ديمقراطية. واستند التقرير إلى أرقام ومعطيات منذ 1975 وحتى 2019.

وبحسب الأرقام الواردة فيه، فإن متوسط 24 في المائة من برلمانيي العالم من النساء، وإذا استمر الحال على الوتيرة ذاتها فقد يتطلب الأمر 46 سنة لتصل المجتمعات إلى مساواة في البرلمانات بين النساء والرجال.

المساهمون