زمن أفول حلف شمال الأطلسي: أزمة الهوية وعبث ترامب

زمن أفول حلف شمال الأطلسي: أزمة الهوية وعبث ترامب

21 نوفمبر 2019
تثير واشنطن قضايا تقاسم الأعباء داخل الحلف (فاتح أقطاش/الأناضول)
+ الخط -
بدأ وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، اجتماعهم الدوري، أمس الأربعاء على أن يختتم اليوم الخميس،على وقع تكاثر المشاكل والخلافات التي باتت تسود بين الدول الأعضاء في هذا التحالف، والتصريحات والتصريحات المضادة التي تشير إلى وجود أزمة عميقة داخله. على الرغم من ذلك، لا يبدو أن هذه خلافات قد تقوض مستقبل هذه المنظمة العسكرية التي تعد من بقايا الحرب الباردة، والتي لا تزال تبحث عن هويتها في خضمّ الاختلافات السياسية والثقافية التي تُظللها.

انتقادات متبادلة
في مقابلة له مع صحيفة "ذي إيكونوميست" البريطانية، نشرت في السابع من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، لم يتردد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في انتقاد الحلف، خصوصاً دوره كمنظمةٍ دفاعية. وأعرب ماكرون عن تفضيله دفاعاً أكثر تركيزاً على أوروبا، وأقلّ اعتماداً على الولايات المتحدة، مع تأكيده على أن المنظمة الأطلسية تعيش "موتاً دماغياً". تصريحات الرئيس الفرنسي أثارت مجموعةً من ردود الفعل الدولية، تحديداً من الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والتركي رجب طيب أردوغان، اللذين لا ينظران بعين الرضى إلى الرغبة الفرنسية بالابتعاد عن الحلف. موقفٌ مفاجئ من جانب رئيس الولايات المتحدة، بالنظر إلى الانتقادات الحادة التي وجهها بنفسه للحلف، المتهم بنظره بأنه يمثل عبئاً على الميزانية الأميركية. فهل يواجه "الناتو" أزمةً وجودية؟

يرى الخبير في الشؤون الدفاعية أندريه دو مولان، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "حلف شمال الأطلسي وكما كان الأمر قبل عشر سنوات، لا يزال يبحث عن هويته، هو الذي خضع بالفعل لتعديلات استراتيجية مهمة بعد نهاية الحرب الباردة، ثم بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وعودة فرنسا إلى القيادة المتكاملة". لكن دو مولان يعتبر، على الرغم من ذلك، أن هذه المنظمة "لا تزال، حتى الآن، تشكل تحالف دفاع وتضامن جماعي في حالة العدوان، وهو ما تريده الدول الأعضاء منها". في المقابل، يشدد الباحث الأوروبي على أن "كلّ شيء أصبح أكثر تعقيداً حالياً. فالحلف أصبح يختص في ملفات مدنية عسكرية خصوصاً في الاتحاد الأوروبي، وبالسياسة الأمنية والدفاعية للتكتل. كما أنه لم يعمل على مواجهة ضمّ أوكرانيا وجورجيا لتفادي أي تصعيدٍ للصدام مع روسيا". بالإضافة إلى ذلك، يعتقد الباحث أن الحلف "لم يتمكن بعد من التغلب تلقائياً على الاختلافات السياسية والثقافية بين الدول الأعضاء فيه حول استخدام القوة. وتشكك مجموعة من العواصم في سياسة إدارة ترامب، المتمثلة في زعزعة استقرار الأوروبيين في ما يتعلق بمستقبل المنظمة الأطلسية".


وجهات نظر مختلفة
... ولكن

لطالما اعتبر الأوروبيون أن حلف شمال الأطلسي كمنظمة يساهم في الحفاظ على الروابط مع الأميركيين، لكن الملفات الرئيسية التي أصبحت تعود اليوم بشكل دوري إلى طاولة المفاوضات من قبل واشنطن، هي قضايا تقاسم التكاليف والأعباء والمخاطر. فعلى الرغم من التصريحات المطمئنة، وتحديد مجالات التعاون التي تنطوي على التكامل بين حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، فإن التوترات لا تزال واضحة بين دولٍ تعتبر نفسها منتجة للأمن، وأخرى مستهلكة فقط. ويأتي ذلك مع إعداد مجموعة من العقوبات المحتملة ضد الدول التي لا تساهم بالفعل في تقاسم التكاليف والعبء المادي، مثل فرض القيود على احتلال المناصب داخل الحلف والاستبعاد من عملية اتخاذ القرارات وحتى الطرد من "الأطلسي". في هذا الصدد، يرى دو مولان أنه "على الرغم من وجود شعارات مثل أميركا أولاً، والتصريحات بخصوص تجاوز التحالفات القديمة والمطالبة بتقاسم التكاليف، فإن المصالح التجارية والاقتصادية الأميركية في أوروبا، تجعل من الصعب تخيل خروج الولايات المتحدة من الحلف الأطلسي، الذي لا يزال يشكل أداة مهمة للتأثير. علاوة على ذلك، فعلى الرغم من الشكوك التي تثيرها تصريحات ترامب حول مستقبل الحلف، فقد وافق الكونغرس، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، على قانون يؤكد أن سياسة الولايات المتحدة يجب أن تعمل من أجل البقاء في الحلف". ويذكر الباحث أنه "في الوقت الحالي، فإن الغالبية العظمى من أعضاء حلف شمال الأطلسي البالغ عددهم 29 عضواً، هم أيضاً أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وستة دول فقط ليس لديها هذا الانتماء المزدوج، وهي الولايات المتحدة وكندا وأيسلندا وتركيا والنرويج وألبانيا"، موضحاً أنه "حالياً توجد 22 من أصل 28 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي أعضاء في الحلف، أي باستثناء النمسا وقبرص وفنلندا وإيرلندا ومالطا والسويد".

دور استراتيجي

قال السكرتير العام الأول لحلف شمال الأطلسي، اللورد البريطاني هاستنغز إيسماي (السكرتير الأول للحلف 1952 - 1957)، إن الغاية من إنشاء الحلف الأطلسي هي "إبقاء الاتحاد السوفييتي خارجاً، والأميركيين في الداخل، والألمان في الأسفل". دور استراتيجي لا يختلف عن وجهة النظر الأميركية، خصوصاً أن "بلدان أوروبا الوسطى التي أصبحت أعضاء في التحالف، بولندا في المقام الأول، تظل المستفيد الرئيسي من التحالف وهذه العقيدة. فهي تشك في القوتين الألمانية والروسية وتعتبر دعم الولايات المتحدة عبر الحلف قيمة مضافة لها"، بحسب ما يرى الخبير في الشؤون الدفاعية نيكولا غرو فيرهايد، الذي يجزم في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الانعزالية النسبية لدونالد ترامب لا تغير أي شيء في هذا الوضع"، موضحاً في هذا الإطار أنه "حتى وإن كانت لدى الرئيس الأميركي خلافات مع ألمانيا وفرنسا، فإنه يحافظ على علاقة مميزة مع دول أوروبا الوسطى مثل سابقيه".

ومع ذلك، فحتى في دول أوروبا الوسطى، هناك انحياز مؤيد لتطوير الدفاع في إطار الاتحاد الأوروبي شرط ألا يكون ذلك في تنافس مع دور حلف شمال الأطلسي. وقد عبّر رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، ورئيس الوزراء التشيكي السابق بوهوسلاف سوبوتكا، عن تأييدهما لإنشاء جيش أوروبي. بالإضافة إلى ذلك، تشارك جميع بلدان أوروبا الوسطى في نظام التعاون المنظم الدائم الذي يهدف إلى تعزيز التعاون العسكري بين أعضاء الاتحاد الأوروبي. وكما يشير نيكولا غرو فيرهايد، فإن دول هذه المنطقة "لا تتردد في تنويع شركائها في الدفاع. لكن كما في العقد السابق، سيبقى الناتو أداة الدفاع الرئيسية لأوروبا، وستظهر بعض المبادرات الأوروبية التكميلية داخل الاتحاد الأوروبي التي لن تتمكن من تعويض المنظمة الأطلسية على الأقل على المستويين القريب والمتوسط".