تصعيد إسرائيلي لمنع تثبيت "معادلات إيرانية جديدة في سورية"

تصعيد إسرائيلي لمنع تثبيت معادلات إيرانية جديدة في سورية

21 نوفمبر 2019
اعترف الاحتلال سريعاً بشن الغارات (جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -
عادت المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية على الأراضي السورية، فجر أمس الأربعاء إلى العلن، وسط تبادل رسائل، من الطرف الإسرائيلي بالأساس إلى الجهات المختلفة. فقد استهدف الطيران الحربي الإسرائيلي فجر الأربعاء نحو عشرين هدفاً إيرانياً وسورياً قرب دمشق وفي محيطها، رداً على إطلاق أربعة صواريخ من الأراضي السورية باتجاه الجولان السوري المحتل. وأعلنت إسرائيل، بعد أقل من ساعة على الغارات، مسؤوليتها عنها عبر تغريدات رسمية لجيش الاحتلال، أعلن خلالها استهداف الطيران الحربي الإسرائيلي مواقع عسكرية للقوات الإيرانية، ولا سيما قوات "فيلق القدس"، واستهداف مواقع عسكرية سورية تابعة للنظام السوري، بينها مقر الدفاع الوطني في العاصمة دمشق، ومخازن سلاح وبطاريات صواريخ أرض جو.

وشكّل تصعيد أمس عودة إلى العمليات الإسرائيلية المعلنة في قلب سورية، بعد شهرين تقريباً من توقفها، وبعد محاولات إسرائيلية وسورية للعودة إلى حالة التكتم على الغارات والعمليات، خصوصاً أن وسائل إعلام إسرائيلية نقلت تقارير عربية أشارت إلى أن إطلاق الصواريخ الأربعة جاء بعد عملية إسرائيلية في شرقي سورية، غربي دير الزور، استهدفت قافلة لمليشيات طائفية، جرى التكتم عليها. وكان لافتاً أن مراسل "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، أشار أمس الأول إلى أن الصواريخ تأتي رداً على عملية وقعت قبل 36 ساعة يعرفها الطرفان ويتكتمان عليها.

وجاءت الغارات الإسرائيلية أمس، تبعاً لتصريحات سابقة لمسؤولين إسرائيليين بأن إسرائيل لن تسمح بتحويل سورية إلى نقطة لمهاجمة إسرائيل، وهو موقف ليس بجديد، بل يعيد إلى الأذهان في سياق غارات أمس، العملية التي أطلقت عليها إسرائيل "بيت الأوراق" في العاشر من مايو/أيار من العام الماضي، عندما ضربت إسرائيل أكثر من 35 هدفاً مختلفاً في العمق السوري، طاولت أهدافاً ومنشآت إيرانية وأهدافاً سورية.

وقد شكّل هذا الأمر عاملاً كافياً كي يشكك مثلاً، مراسل الشؤون العسكرية في "هآرتس"، عاموس هرئيل، والمراسل في "معاريف" طال ليف رام، في تصريحات "المسؤول الأمني" الإسرائيلي الذي أكد للصحف الإسرائيلية ووسائل الإعلام أن الغارات فجر الأربعاء كانت الأوسع التي تستهدف مواقع إيرانية وسورية. وتبيّن من خلال التصريحات المتسارعة أن هذا المسؤول الأمني رفيع المستوى ليس سوى وزير الأمن الإسرائيلي الجديد، نفتالي بينت، الذي حاول من خلال تصريحاته هذه الاستفادة من الاعتداءات الإسرائيلية، وتصويرها على أنها نتاج سياسة جديدة في وزارة الأمن الإسرائيلية خطّها هو، ولا سيما أن الوزير بينت لم يتورّع عن القول بعد الغارات إن إسرائيل خطّت معادلة جديدة مفادها "أن المسؤولين الإيرانيين ليسوا محصنين بعد الآن، وأن إسرائيل ستقطع أذرع الأخطبوط الإيراني". وأضاف بينت أن "القواعد قد تغيّرت، من يطلق الصواريخ على إسرائيل في النهار فلن ينام في الليل". ويحاول بينت من خلال هذه التصريحات بناء صورته الأمنية وزيراً للأمن يغيّر من السياسات الأمنية في إسرائيل، أملاً في الاستفادة من ذلك في حال إجراء الانتخابات مجدداً في مارس/ آذار المقبل.

لكن بمعزل عن محاولات بينت هذه، فقد كان واضحاً أن المحللين في إسرائيل يُجمعون على أن الغارات الإسرائيلية تأتي في سياق السياسة الإسرائيلية لمواجهة مدّ النفوذ الإيراني في سورية، عموماً، ووقف السياسة الإيرانية الجديدة التي تحاول إيران تثبيتها في سورية، والقاضية بالرد سريعاً على كل استهداف إسرائيلي لقوات إيرانية أو مليشيات تابعة لإيران على الأراضي السورية، أو حتى في العمق العراقي. وتهدف الغارة الإسرائيلية، المعلنة، على غرار غارات العاشر من مايو/ أيار من العام الماضي، إلى توجيه رسائل وضحة لإيران بأن إسرائيل لن تقبل بمعادلة جديدة، وأن تحوّل إيران سورية إلى أرض مواجهة وجبهة مباشرة مع إسرائيل.


وفي هذا السياق، وعلى الرغم من اعتراف المتحدث الرسمي لجيش الاحتلال، هداي زيلبرمان، بأن الغارات جرت بعد تنسيق عالي المستوى مع الطرف الروسي، إلا أن المحلل العسكري في موقع "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، اعتبر أن الغارات حملت رسائل إلى كل من النظام السوري، وهو ما بدا جلياً في إعلان جيش الاحتلال أنه يعتبر النظام السوري مسؤولاً عن كل ما يطلق من أراضيه وما يحدث عليها، وإلى إيران، بأن إسرائيل ليست السعودية، ولكن أيضاً لروسيا بوتين، على أساس أن روسيا كانت قد تعهدت في اتفاق مناطق التوتر في الجنوب السوري، بإبعاد القوات الإيرانية عن الحدود مع إسرائيل لغاية 40 كيلومتراً، وإبعاد النيران باتجاه إسرائيل ثمانين كيلومتراً.

ولكن يبدو من الواضح أن إسرائيل حاولت في غارات أمس الاستفادة من الأوضاع الداخلية في إيران والغضب الشعبي على أزمة الوقود وتراجع الاقتصاد في إيران من جهة، وحالة الغضب المتواصل في العراق مع ازدياد الرفض الشعبي العراقي للتدخّل الإيراني في مجريات الحياة داخل العراق، من جهة أخرى. وبحسب عاموس هرئيل، تأمل إسرائيل أن تُستوعَب الرسائل الجديدة في طهران، خصوصاً في ظل الأوضاع الإيرانية الداخلية. مع ذلك، حذر هرئيل من مغبة الغرور والانجرار وراء استفزاز إيران علناً، مبيناً أن إسرائيل وصلت إلى مفترق طرق خطير، وأي اتخاذ لمسار خاطئ من شأنه أن يزيد من تدهور الأوضاع في مواجهة إيران ووكلائها وبالتالي الوصول إلى حالة حرب ومواجهة عسكرية مباشرة مع إيران.

المساهمون