أسبوع حاسم في العراق: تدخل إيراني لاحتواء الانتفاضة

أسبوع حاسم في العراق: تدخل إيراني لاحتواء الانتفاضة

03 نوفمبر 2019
قُتل 255 عراقياً في التظاهرات (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
لا يُعوّل على جلسة البرلمان العراقي المقبلة، أي نتائج جديدة من شأنها حلحلة الوضع السياسي التي توقفت داخل المنطقة الخضراء ببغداد من قبل الرئاسات الثلاث، منذ خطاب الرئيس العراقي برهم صالح، يوم الخميس الماضي. فالقرارات والوعود والمبادرات استنفدت ولم يبقَ ما يمكن تقديمه للشارع سوى استقالة الحكومة، وليس من المرجح أن يرضي الشارع بذلك أيضاً. ومن غير المعلوم موافقة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على حضور جلسة البرلمان التي لم تحدد ما إذا كانت اليوم الأحد أو غداً الاثنين، وذلك بناءً على طلب استدعاء سابق من البرلمان لبحث التظاهرات وما رافقها من عمليات قتل وقمع غير مسبوقة على يد قوات الأمن، عدا عن عمليات تضييق واستهداف صحافيين وناشطين ومدونين، فضلاً عن إغلاق مقرات ومكاتب إعلامية مختلفة في بغداد. في المقابل، قال رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، إن البرلمان في حالة انعقاد دائم وجلسته مفتوحة، ما يعني أن الدعوة إلى عقد الجلسة قد تتم في أي ساعة من دون الحاجة إلى إعلان قبل يوم مثلاً، كما يحصل عادة.

يأتي ذلك مع استمرار التظاهرات في 11 محافظة عراقية هي البصرة وكربلاء والنجف وميسان والقادسية وواسط وذي قار وبابل والمثنى وبغداد إضافة إلى أجزاء من محافظة ديالى، ضمن رقعة يرجح أن تتسع في الأيام المقبلة، مع مواصلة القوات العراقية توجيه تحذيرات لسكان شمال العراق وغربه، تحديداً الأنبار ونينوى وصلاح الدين من الخروج في أي فعالية دعم وتأييد للتظاهرات، إذ تمّ اعتقال عدد من المدونين بسبب دعوتهم إلى تنظيم وقفات لدعم متظاهري بغداد والجنوب. وذكرت تقارير إعلامية محلية أن استخبارات الجيش وجّهت أوامر صارمة لمنع أي تحركات للتظاهرة أو مساندة ما يجري في الجنوب وبغداد، حتى وإن كانت "تغريدة" على مواقع التواصل الاجتماعي، مع تبنّي فكرة معاودة "داعش" دخول تلك المحافظات إذا ما انضمت إلى التظاهرات.

اتساع ظاهرة حرق الأعلام الإيرانية وصور المرشد الإيراني علي خامنئي، وترداد شعارات مناوئة له في كربلاء والنجف وبغداد تحديداً، يعتبر التطور الأكبر في تظاهرات العراقيين التي باتت تُحسب بعشرات الآلاف، بعد أن كانت بضعة آلاف فقط في الأيام الأولى منها، خصوصاً في بغداد التي تحولت الاعتصامات فيها إلى مبيت في ساحة التحرير والمناطق المجاورة لها، مع نصب مطابخ كبيرة لإعداد الطعام، تطوّعت به عشرات النساء من سكان مدينة الصدر وحي الحسينية شرقي بغداد، وفقاً لناشطين.


وشهدت البصرة، للمرة الأولى، تظاهرات قرب حقل مجنون النفطي، أكبر حقول النفط العراقية وميناء أم قصر التجاري على مياه الخليج العربي، الذي قُتل فيه شخص، فضلاً عن تظاهرة قرب منفذ صفوان العراقي ـ الكويتي، حيث جرى إحراق إطارات ونصب خيام للاعتصام بالقرب منه. ومع تواصل التظاهرات، تصاعدت الدعوات التي أطلقها ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، لتنظيم عملية عصيان مدني، من دون معرفة ما إذا كان العصيان سيكون قيد التنفيذ أم لا، مع تكرار اقتراحات عديدة بين المتظاهرين، تهدف بالمجمل إلى تصعيد الضغط على الحكومة والعملية السياسية في العراق ككل.

وعلى الرغم من خفض قوات الأمن مستوى القمع، إلا أن ذلك لم يمنع من سقوط المدنيين، فقد سُجّلت مساء الجمعة وأمس السبت وفاة 4 متظاهرين، بينهم فتاة في العقد الثاني من عمرها، استقرت قنبلة غاز في رأسها، وفقاً لبيان أصدرته مفوضية حقوق الإنسان العراقية، لترتفع بذلك حصيلة الضحايا إلى 256 متظاهراً وأكثر من 11700 جريح.

وذكرت مصادر مقرّبة من الحشد الشعبي لـ"العربي الجديد"، أن مرجعية النجف رفضت تلميحات حول زج متطوعي الحشد الشعبي، الذين استجابوا لفتوى الجهاد الكفائي عام 2014 لقتال تنظيم "داعش"، بمواجهة مع المتظاهرين. وبحسب المصادر ذاتها، فإن المرجع علي السيستاني رفض تصريحات لقادة الحشد، أبرزهم أبو مهدي المهندس وأبو آلاء الولائي، وآخرين ألمحوا فيها إلى إمكانية نزول الحشد الشعبي إلى الشارع لمواجهة التظاهرات. واعتبرت المصادر ذاتها أن المرجعية قصدت الحشد الشعبي عندما ذكرت في خطبة يوم الجمعة الماضي، عبارة "عدم زج القوات القتالية لمواجهة التظاهرات"، مشيراً إلى أن موقف السيستاني المؤيد لمطالب العراقيين فُسّر على أنه رفع لجميع أشكال الدعم للحكومة الحالية ورفض في الوقت نفسه لعملية قمع التظاهرات.

في غضون ذلك، كشفت مصادر نيابية وجود وساطة إيرانية بين قادة الكتل السياسية، تحديداً مقتدى الصدر وهادي العامري، بهدف الخروج من الأزمة الحالية بأقل الخسائر، على حد تعبير أحد المسؤولين الذي أكد لـ"العربي الجديد"، أن الوساطة قد تكون من خلال تقديم عادل عبد المهدي استقالته والتوافق على رئيس وزراء بديل وبسرعة، مع المضي في التعهدات التي أعلنتها الرئاسات الثلاث في وقت لاحق. وأشار إلى أن إيران تلمس في التظاهرات العراقية تأثيراً على الداخل الإيراني، خصوصاً بعد الشعارات المناوئة لإيران وإحراق صور المرشد علي خامنئي وقائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، في كربلاء والنجف وبغداد وميسان من قبل المتظاهرين. وتسعى طهران في وساطتها إلى الخروج بتهدئة حتى لو كانت على حساب تغيير حكومة عبد المهدي التي تعتبر الأكثر طواعية معها من أي حكومة سابقة.

وقال أحد النواب لـ"العربي الجديد": "هناك اتصالات كثيرة في ملف الوساطة الإيرانية"، مضيفاً أن "قمع التظاهرات قد يفتح باب تدخل دولي في العراق لا يريده أحد، خصوصاً إيران، لذا فإن الوساطة تقوم على إقناع الصدر بالعدول عن دعم التظاهرات وتغيير الحكومة الحالية". وختم قائلاً: "هذا الأسبوع سيكون حاسماً في المشهد في حال استمرت التظاهرات".

بدورها، تدرس الحكومة العراقية إجراءات جديدة لإنجاح خطة تطبيق حظر التجوال الليلي على بغداد ومحافظات جنوبية أخرى معها، فالقرار الذي مرّ عليه خمسة أيام فشلت قوات الأمن في تطبيقه، بعد تحدّي المتظاهرين والعائلات العراقية القرار وخروجهم بأعداد كبيرة للشوارع. ووفقاً لمسؤول أمني عراقي في بغداد، فإن السلطات الأمنية في بغداد تدرس عددا من الإجراءات التي تهدف إلى السماح بتنفيذ خطة الحظر من دون كسرها، من بينها قطع الطرق قبل ساعة من موعد الحظر (12 ليلاً) وعدم السماح بالخروج من داخل الأحياء السكنية بالنسبة للسيارات، خصوصاً تلك المتوجهة إلى المناطق الرئيسية في بغداد التي تشهد تظاهرات. وأكد أن يوم الخميس رصد كسر الحظر من قبل عشرات الآلاف من المواطنين، وجانب الرصافة تحديداً الأكثر كسراً للقرار. 
(شارك في التغطية من بغداد سلام الجاف، أكثم سيف الدين)