ترامب يشرعن المستوطنات الإسرائيلية كآخر بند في "صفقة القرن"

إدارة ترامب تشرعن المستوطنات الإسرائيلية كآخر بند في "صفقة القرن"

19 نوفمبر 2019
بجرّة قلم تجاوزت إدارة ترامب القانون الدولي (فرانس برس)
+ الخط -
بجرّة قلم، ألغت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، القانون الدولي، فإعلانها أنّ المستوطنات الاسرائيلية "لا تتعارض معه"، لا يستقيم، إلا إذا اعتبرت أنّ هذا القانون لم يعد موجوداً، أو أنه ما عاد ينطبق على إسرائيل.

في الماضي، كانت تحصل مثل هذه الأمور بدون مجاهرة، أما الآن، فيتم الحديث عنها علناً وعلى المكشوف. الآن صار "على عينك يا تاجر".
في مؤتمره الصحافي المفاجئ الذي عقده بعد ظهر الإثنين، شرعن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، المستوطنات، من غير أن يرفّ له جفن. لم يشرح كيف لا يصطدم ذلك مع النصوص الدولية التي تُحرّم بصورة قاطعة التصرف بالأراضي المحتلة.

كل حيثياته "أننا جربنا" النقيض من غير جدوى، وأنّ الإدارة ترى أن التعامل الأفضل مع هذه المسألة هو الذي ينطلق من "الأمر الواقع" على الأرض. نفس التعليل المتهاوي الذي اعتمدته الإدارة لنقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعتبارها عاصمة إسرائيل، وهو ذات التسويغ المتعسف الذي قدمته عندما اعترفت بسيادة إسرائيل على الجولان، والأنكى من ذلك أن الوزير يرى في شرعنة المستوطنات خطوة "توسع المساحة" أمام حل سياسي يقوم على "التفاوض بين الفريقين.. الذي سوف يحدد الوضع النهائي" للتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

إنّ المقصود ضمناً هو التفاوض حول التسليم بالأمر الواقع الذي ترجمته الإدارة على دفعات، بدءاً من نقل السفارة وانتهاء بتطويب المستوطنات، مروراً بوقف المساعدات الفلسطينية عموماً وعن وكالة "أونروا" بشكل خاص، وإغلاق مكتب البعثة الفلسطينية في واشنطن. 

وبهذا تكون الإدارة قد استكملت الكشف عن"صفقة القرن" قبل نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، كما وعدت، بعد تأجيل مكرر تبين أنه كان لتجريع بنودها بالتقسيط، وتقديم ذلك على أنّه "إزاحة للبنود الصعبة من الطريق".
الخطوة كانت متوقعة، ولمح إليها مبكراً السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، عندما قال، قبل أشهر، إنّ "من حق إسرائيل ضم بعض أجزاء الضفة"، ولم يكن كلامه نوعاً من التعبير عن رأي بقدر ما كان مقدمة لخطوة قيد الإعداد، فهو كما يتردد في واشنطن أحد مهندسي، إن لم يكن المهندس الرئيسي، للصفقة وخطواتها التي توالت منذ الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
يومذاك سُئلت الخارجية عما إذا كان السفير يتحدث باسم الإدارة أو باسمه، فكان الجواب أنّ "الإدارة لم تغير سياستها". عدم التبرؤ، أنذاك، كان بمثابة تمهيد للآتي لاحقاً. وهو ما حصل اليوم والذي أثار موجة عارمة من الدهشة والاستغراب والتساؤل عن الداعي للتخلي بهذه الصورة الفاقعة عن موقف التزمته الإدارات المتوالية منذ نيف وأربعين سنة. 


من التفسيرات أن البيت الأبيض قدّمها هدية لنتنياهو بدعم من فريدمان، لمساعدته على عبور الظرف السياسي الصعب الذي يواجهه.
وفي قراءة أخرى، يأتي موضوع المستوطنات في سياق العودة إلى تصويب الأضواء إلى الخارج وبلغة متشددة علها تمتص بعض الشيء من ضغوط الداخل المتزايدة مع تصاعد إجراءات محاكمة الرئيس في الكونغرس؛ فكانت العودة من خلال المؤتمر الصحافي لبومبيو إلى إيران وهونغ كونغ وبوليفيا، لكن موضوع المستوطنات احتل الواجهة والعناوين واستأثر بمعظم الاهتمام والأسئلة التي طرحت على الوزير، غير أن ذلك لم يصمد سوى لساعات عادت بعدها سيرة المحاكمة إلى الواجهة، من دون أن تطمس خطوة المستوطنات التي لم تلقَ غير الاستهجان. 

وليس من المستبعد أن يكون الاعتراف بالمستوطنات قد جاء بهذه العجلة لاستباق أي تطورات قد تطيح بفرصة انتزاعه، فالوضع الأميركي مقبل على استحقاقات قانونية وسياسية وانتخابية ربما لن تسمح لاحقاً بتمرير مثل هذه النقلة الفجّة، فكان أن جرى الإسراع إلى التقاط اللحظة لتسجيل تحول في الموقف يصعب على الإدارات الأميركية اللاحقة الرجوع عنه، وما يزيد في الإغراء أنّ الوضع الدولي مشلول، والوضع العربي غائب عن الوعي.

المساهمون