تونس: ما أشبه اليوم بالبارحة

تونس: ما أشبه اليوم بالبارحة

18 نوفمبر 2019
تبرر التحالفات الجديدة بأحكام الصندوق (Getty)
+ الخط -
أحداث كثيرة تشهدها الساحة السياسية التونسية جاءت تستعيد بعض ما جرى بعد انتخابات 2014 حرفياً. تغيرت الأسماء وبقيت الممارسات كما هي، وكأنها ردود فعل لا إرادية مبرمجة أو معادلة كيميائية لا حول ولا قوة للمهندس فيها، باستثناء أن هذا غير صحيح، وأنه يقود فقط إلى نتيجة أننا لا نتعظ ولا نتعلم من ماضينا ومن أخطائنا، وهو أمر خطير إذا سلّمنا بالتجربة الكبيرة للفاعلين السياسيين التونسيين وحنكة بعضهم وقدرتهم على تمييز الأشياء وترتيب الأوليات، الوطنية والشخصية.

أنتجت منافسات 2014 حالة استقطاب وتنافسا شديدا بين حزب نداء تونس وحركة النهضة، بل وحالة عداء أيضاً كانت تهدد المشهد، وأقسم كل منهما أنه لن يتحالف مع الآخر، ثم انقلب المشهد في ساعات قليلة ووجد الناخبون أنفسهم أمام حالة خداع تامة الفصول، ودخل التونسيون تجربة التوافق، وعاشوها وبدأوا يؤمنون بها بعد نظرية الجدّ الواحد للإسلاميين والدستوريين، وواقعية ما أفرزه الصندوق. التقى السبسي رحمه الله بالغنوشي وتماسكا بالأيدي بعد أن كان الأول يؤكد أنهما خطان متوازيان لا يلتقيان أبداً. وأشاد الجميع ببراغماتية التونسيين وقدرتهم على تجاوز خلافاتهم والقفز فوق كل النظريات، خدمة لمصالح وطنهم.

ثم جاءت انتخابات 2019 بنفس الخطابات تقريباً، وأكد حزب قلب تونس وحركة النهضة أنهما لن يتحالفا مهما كانت الظروف، ثم بدأ الترويج لنفس الكلام، تلك هي أحكام الصندوق وما أراده التونسيون. وتشهد مفاوضات الحكومة هذه الأيام نفس ما أحاط بحكومة الحبيب الصيد الأولى، وترتكب الأحزاب نفس المحظورات التي ستقود إلى نفس الأخطاء وبالتالي نفس النتائج وتداعياتها على حياة التونسيين، الذين عاقبوا المنظومة السابقة عقاباً شديداً وكانوا يأملون تغيير الأوضاع عبر تغيير الأدوات. والنتيجة أن عمليات استطلاع الرأي التي صدرت أمس الأحد، بيّنت رأي التونسيين في الشخصيات والأحزاب، وكيف سحبت بسرعة ثقتها من أغلبهم، وأظهرت أن التونسيين ينتبهون لما يحدث ويرفضون هذا الكذب الانتخابي المنمق… المشكلة في النخب السياسية التونسية أنها لا تصارح الناس بما تنوي، ولا تكشف عن إكراهاتها، وتظن أنه يمكن التلاعب بالناس وإقناعهم بالشيء وبنقيضه في نفس الوقت، وهذا عين العمى السياسي.