3 سيناريوهات محتملة لحوار السعودية والحوثيين

3 سيناريوهات محتملة لحوار السعودية والحوثيين

18 نوفمبر 2019
يمنيون يحتفلون بالمولد النبوي في صنعاء (محمد حمود/ الأناضول)
+ الخط -
يوماً بعد آخر، يحتدم النقاش في الأوساط اليمنية، حول التسريبات المتواترة عن حوار بين السعودية وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، في ظل جملة من التساؤلات والطروحات المترافقة مع الحديث عن المفاوضات، بما فيها إمكانية قطع الصلة بين الجماعة وداعميها في إيران، إلى جانب آراء متباينة بتقييم التطور، وما إذا كان مناورة كما سبقه من المحطات، أم أنه المآل الطبيعي للحرب بعد ما يقرب من خمس سنوات وما تخللته من إخفاقات. وأفادت مصادر قريبة من الحكومة اليمنية "العربي الجديد" بأنّ الأيام القليلة الماضية شهدت نقلة جديدة على صعيد التهدئة، عبر تراجع المواجهات في المناطق الحدودية لمحافظتي صعدة وحجة اليمنيتين وما يقابلهما من الجانب السعودي، على الرغم من استمرار الغارات الجوية ضدّ أهداف مفترضة للحوثيين في صعدة على وجه التحديد.

ويأتي تراجع المواجهات في الجبهات الحدودية بعد أن توقفت إلى حدّ كبير غارات التحالف في أكثر من محافظة يمنية، اعتباراً من أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد إعلان الحوثيين عن وقف أنواع الهجمات كافة باتجاه الأراضي السعودية، ومطالبتهم الرياض باتخاذ خطوة مماثلة. في غضون ذلك، تتداول الأوساط السياسية اليمنية تسريبات عن وجود محادثات غير مباشرة تعقد بين ممثلين عن السعودية وآخرين عن "أنصار الله" تجرى بتكتمٍ شديدٍ، وعن عروض قدمتها الأخيرة بالقبول بمقترحات تسوية تتضمّن تطمينات للرياض بشأن المناطق الحدودية، وكذلك على صعيد الترتيبات السياسية اليمنية، وصولاً إلى ما يتصل بعلاقة الجماعة مع طهران، ومدى قدرة الأولى على تقديم ما يطمئن السعوديين في هذا الجانب.

وبالنظر إلى مجمل المعطيات، بما فيها مستجدات الأشهر الأخيرة، وتجارب المحطات السياسية خلال السنوات الماضية، تبرز العديد من التقييمات والسيناريوهات لطبيعة ما يمكن أن يؤدي إليه أي حوار بين الرياض والحوثيين. وتتصدر ذلك القراءة التي ترى أن المفاوضات باتت بمثابة خيار استراتيجي للسعوديين مع الحوثيين، ولا سيما لناحية دعم تسويات سياسية متصلة بصنعاء، على غرار "اتفاق الرياض" الذي رعته المملكة لاحتواء أزمة الحكومة و"المجلس الانتقالي الجنوبي" في العاصمة المؤقتة عدن.

ويعزز سيناريو سعي الرياض لدعم اتفاق مع الحوثيين مسار التهدئة الذي بدأ في أعقاب بلوغ التصعيد ذروته، باستهداف شركة "أرامكو" في بقيق وخريص في 14 سبتمبر/ أيلول الماضي، ومن ثمّ إعلان الحوثيين عن وقفٍ شاملٍ للهجمات باتجاه السعودية، وما قابل ذلك من مواقف للأخيرة اعتبرت ما أعلنته الجماعة خطوة إيجابية، في حين تبدو الرياض أكثر حاجة لرفع فرص المسار السياسي على حساب العمليات العسكرية.

الحوثيون بدورهم، ومهما حاولوا التظاهر بأنهم باتوا في وضع أقوى، بعد ما يقرب من خمس سنوات من الحرب، بدليل الهجمات التي وصلوا من خلالها إلى أهداف غير مسبوقة في السعودية، إلا أنهم في المقابل يخفون الجزء المتعلق بالخسائر، في وقتٍ تعيش فيه المناطق الخاضعة لسيطرتهم وضعاً كارثياً. وتحكم الجماعة في ظله قضبتها بالحديد والنار، لكنه يبقى تهديداً لها مهما حاولت استثمار المعاناة الإنسانية وغير ذلك، مما يحفزها على تقديم تنازلات.

وفي السياق، يبرز التساؤل المحوري عن طبيعة الحل الممكن في إطار تفاهمات بين السعودية والحوثيين، وعما إذا كان يتصل بتهدئة وتطمينات خاصة بالمناطق الحدودية. وبالتالي، يكون ذلك بمثابة تطبيع مع سيطرة الحوثي على مختلف مناطق شمال البلاد، وهو حصيلة ما يمكن أن يؤول إليه هذا السيناريو، ويمكن اعتباره اتفاقاً بين الرياض والحوثيين، وإن لم يكن نصاً وشكلاً بذات المقتضى.

ويأتي السيناريو الثاني للحوار وما يمكن أن يؤول إليه، ليشمل إمكانية إبرام تفاهمات يمكن أن تفضي إلى صيغة معينة، على غرار اتفاق الرياض؛ أي ترتيبات يمنية - يمنية تشمل مصالحة وتؤدي إلى سلطة توافقية في البلاد، يشارك فيها الحوثيون وتعمل في صنعاء، تماماً كما كانت تتضمّنه المقترحات السياسية لحل الأزمة برعاية الأمم المتحدة على مدى السنوات الماضية. وكان الطرفان، الحكومة والحوثيون، متفقين عليها من حيث المبدأ، ويختلفان في التراتبية الخاصة بأي الترتيبات يتم البدء به، الأمنية أم السياسية.

وبالنظر إلى مختلف أدبيات الحوثيين وممارسات الجماعة وإجراءاتها على أرض الواقع في صنعاء، فإنّ مجهودها السياسي ينصبّ على كل ما يمكن أن يؤدي لوقف ما تصفه بـ"العدوان" (العمليات العسكرية للتحالف)، والاعتراف أو التطبيع بصورة أو بأخرى مع سيطرتها على أغلب مناطق شمال البلاد. في حين أنّ حلّاً شاملاً قد يتطلّب ترتيبات كتلك التي تضمّنها "اتفاق الرياض"، وبنود مبادرات الحل السياسي المعروفة، والتي جرى الحديث بشأنها خلال مشاورات الكويت في عام 2016. كل ذلك، يقود إلى أنّ الجماعة أمام اختبار حول مدى عزمها على تقديم التنازلات المطلوبة للحل، لا انتزاع حالة من التهدئة والاعتراف بالأمر الواقع.

وأمام حقيقة الواقع المعقّد، يذهب السيناريو الثالث المحتمل لسيرورة ومآل التفاهمات بين الرياض والحوثيين، نحو الاعتقاد بأنّ جهود الرياض ستبقى حذرة إلى حدٍ كبير وتتفق مع رغبتها في التهدئة، لكن النتيجة قد لا تختلف عن المراحل السابقة التي تعثرت فيها الجهود السياسية، سواء كما حصل خلال عام 2016، حينما وصلت التفاهمات بين الجماعة والجانب السعودي إلى مرحلة متقدمة، بوجود وفد من الأولى في مدينة ظهران السعودية الحدودية لأسابيع، أو على غرار فترات وقف الحرب التي كانت تسود بين الحكومة اليمنية والجماعة خلال ما يعرف بـ"الحروب الست" بين عامي 2004 و2010. مع الأخذ بالاعتبار الاختلافات الكبيرة في المعطيات بين الحرب التي يشهدها اليمن منذ سنوات، وتلك الحروب التي كانت محصورة في الغالب بأجزاء من محافظة صعدة، معقل الجماعة.

وفي ظلّ بقاء الوضع مفتوحاً على مختلف السيناريوهات، يبقى المؤكد أنّ ثلاثة عوامل رئيسية تحكم هذا المسار: أولها الأجندة السعودية من الحوار مع الجماعة والحيثيات التي ينطلق منها هذا التوجه، وما إذا كان متصلاً بترتيبات آنية أم أنه مآل طبيعي للحرب، بقواعدها وتعريفاتها خلال السنوات الماضية على الأقل. أمّا العامل الثاني، فيتمثل بما يمكن أن يقدمه الحوثيون من أجل السلام، وما إذا كانت الجماعة تسعى للاعتراف بسيطرتها على صنعاء ومناطق أخرى، أم تدعم ترتيبات حكومية شاملة. ويتصل العامل الثالث بعموم المواقف اليمنية وقدرة المقترحات والأفكار المقدمة للحل على أن تجد طريقها إلى التنفيذ والقبول. كل ذلك على اعتبار أن الموقف الدولي عموماً يشجع التوجه نحو الحل.

المساهمون