التفجيرات... أحدث وسائل الترهيب لإخماد تظاهرات العراق

التفجيرات... أحدث وسائل الترهيب لإخماد تظاهرات العراق

17 نوفمبر 2019
آثار التفجير الذي استهدف ساحة التحرير (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
إلى غاية الآن، لا تبدو هناك مؤشرات على أنّ عمليات القمع والاعتقال والقتل وحتى التفجيرات في صفوف المتظاهرين العراقيين، أو ممارسات ترهيب الصحافيين والناشطين التي اشتركت فيها قوات أمنية ومليشيات مسلحة، قد نجحت في تحقيق هدف خفض أعداد المتظاهرين أو انحسارها في المدن العراقية المنتفضة. إذ لا يزال آلاف المواطنين في ساحات التظاهر ببغداد ومدن وسط وجنوب العراق مستمرين بالاحتجاج والعصيان لتنفيذ مطالبهم التي لم تعد تقتصر على توفير الخدمات وإجراء التعيينات وتحسين مستوى الدخل الاقتصادي للفرد العراقي، إنما باتت تُؤمن بمطلب واحدٍ هو الأساسي على غالبية اللافتات المرفوعة في ساحة التحرير بالعاصمة العراقية وساحات بابل والنجف والناصرية وذي قار والقادسية وميسان والبصرة وباقي مدن الوسط والجنوب، ويتمثّل باستقالة الحكومة الحالية برئاسة عادل عبد المهدي وإجراء انتخابات مبكرة، ونصب محكمة بجرائم الفساد، وقبل كل ذلك إنهاء حالة تقاسم النفوذ طائفياً في العراق بين أميركا وإيران منذ عام 2003.

وبعد ليلة أول من أمس الجمعة الدامية التي شهدت تفجيرات في ساحتي التحرير ببغداد والحبوبي في الناصرية مركز محافظة ذي قار، وراح ضحيتها حتى أمس السبت ثلاثة قتلى من المتظاهرين، فيما أصيب أكثر من 30 آخرين بجروح متفاوتة، يرى ناشطون ومتظاهرون أنّ دخول هذا التكتيك هو لون أو مرحلة جديدة من مراحل القمع والترهيب، مؤكدين تشكيل لجان بينهم لمراقبة ورصد الساحات.

ووفقاً لمسؤول رفيع في وزارة الداخلية العراقية تحدّث لـ"العربي الجديد"، فإنّ "التحقيقات الحالية للشرطة وجهاز الاستخبارات بالهجمات التي طاولت ساحتي التحرير والحبوبي، لم تتوصل إلى ما يمكن اعتباره دليلاً على عمل إرهابي، خصوصاً بالنسبة لتفجير الناصرية"، مضيفاً أنّ "التوقيت الواحد وأسلوب التفجير الواحد والمكانين اللذين استهدفا، يشير إلى شبهة جنائية". وأكّد المسؤول نفسه أنّ "المتظاهرين في موقعي الانفجارين يتهمون أحزاباً ومليشيات بأنها تحاول ترهيبهم وإخافتهم عبر التفجيرات تلك لوقف التظاهرات".

في غضون ذلك، اغتال مسلحون مجهولون أمس الناشط البارز وعضو التيار المدني وأحد الوجوه المعروفة في دعمها للتظاهرات، عدنان رستم، بعد خروجه من ساحة التحرير إلى منزله في حي الحرية وسط بغداد. ووفقاً لنقيب في الشرطة العراقية، فإنّ رستم قتل برصاص أصاب منطقتي الرأس والصدر، بينما لاذ المهاجمون بالفرار، فيما تحدث شهود عيان عن أنّ الجريمة وقعت على مقربة من حاجز تفتيش لقوات الأمن.

في السياق، رأى محمد عباس، الناشط في بغداد وأحد أعضاء فريق صحيفة "التكتك"، التي تصدر كلسان للمتظاهرين وتعبيراً عنهم، أنّ "العودة إلى المنازل اليوم تعني استمرار حالة الفشل واللادولة"، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "في حال الفشل في هذه المعركة، فإنّ الفساد والتردي بالأوضاع والمحاصصة ستزيد في كل العراق، فضلاً عن أنه ستبرز عمليات انتقامية من كل من شارك في التظاهرات أو دعمها".

وتابع "لذلك، حتى لو ارتفعت وتيرة القمع سنواصل التظاهر". وأشار عباس الذي كان فقد شقيقه في معارك ضد تنظيم "داعش" عام 2017، إلى أنّ "المعركة اليوم لا تقل عن تلك التي قتل فيها شقيقي من أجل حماية العراق"، متهماً أحزاباً ومليشيات متضررة من التظاهرات، بـ"المشاركة في عمليات القمع وترهيب المتظاهرين".

من جهتهم، أكّد محتجون من مدينة الناصرية جنوبي البلاد، لـ"العربي الجديد"، أنّ التظاهرات ستستمر، مع إدراكهم الكامل بأنّ "القمع الذي تمارسه السلطات سيستمر هو الآخر، ولكن العودة إلى المنازل والانصياع لقرارات الحكومة بشأن انتظار الوعود والإصلاحات المزعومة، هو جرعات تخدير لم تعد تؤثر بالشباب الذي يطلب التغيير"، وفق قول هؤلاء.

وفي السياق، قال كرار علاوي (19 عاماً)، أحد مصابي ساحة الحبوبي ليلة الجمعة، من مستشفى الحسين العام حيث يرقد، إنه سيعود بعد تعافيه، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، "أصبت بشظايا في ظهري وتمّ استخراجها كلها الحمد لله، وسأعود لأني في حال قاطعت التظاهرات يعني أنّ الذين يقفون خلف التفجير نجحوا في مخططهم".

أمّا عضو الحزب الشيوعي العراقي في بغداد، أيهم رشاد، وهو يُشارك في الاحتجاجات في ساحة التحرير، فقال لـ"العربي الجديد"، إنّ "المتظاهرين مهددون في الساحات وفي منازلهم، ذلك بسبب ضباط من أجهزة الدولة الأمنية ومليشيات أقحمت عناصرها داخل احتجاجات بغداد، حيث تمّ تصوير وجوه غالبية الناشطين فيها. وبالتالي، بات الناشطون يعرفون أن رجعوهم إلى المنازل أصبح أمراً صعباً وأن الساحات هي المناطق الآمنة، لا سيما مع تطور الخطاب السياسي للمتظاهرين وبلوغ المطالب مرحلة جديدة مثل إسقاط الحكومة".

وأوضح رشاد أنّ "مشاعر المتظاهرين ومطالبهم في الاحتجاجات الحالية اختلفت عن الاحتجاجات السابقة، فهؤلاء لا يفكرون الآن بوظائف ومنازل وسيارات وشوارع نظيفة، والحديث الذي يجري حالياً في ساحة التحرير هو عن اختراق سيادة العراق من قبل إيران وأميركا وتدخلات السعودية، إضافةً إلى النقمة على إذعان رجال الدين والسياسيين العراقيين لقرارات طهران، وما شاكل ذلك من مواضيع يسعى المحتجون للوصول إلى حلول لها".

من جهته، قال القيادي في تحالف "القوى العراقية" حيدر الملا، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "حديث وزير الدفاع نجاح الشمري، عن وجود طرف ثالث غير المتظاهرين وقوات الأمن، هو من يتورط بعمليات القتل والقمع والعنف الحالي، يشير إلى أنّ الملف الأمني في العراق خارج إطار سيطرة القائد العام للقوات المسلحة أو وزيري الدفاع والداخلية أو أي قيادات أمنية".

وأوضح الملا أنه "عندما يتحدّث وزير الدفاع عن أسلحة تستخدم في العراق خارج إطار سيطرة الدولة، وتدخل إلى البلاد من دون علمها، وتستخدم ضدّ المتظاهرين، فهذا يعني أننا نتكلم عن منصب وزير دفاع شكلي خالٍ من أي مضمون، وعن قائد عام للقوات المسلحة العراقية، كصورة لا أكثر".

ورأى الملا أنّ "ما تحدث عنه الشمري، يضعه هو أولاً تحت إطار المسؤولية القانونية وكذلك كل القيادات الأمنية الأخرى، بدءاً من القائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي ومكتبه، وصولاً إلى القيادات الأمنية الأصغر، وذلك في إطار المسؤولية الجزائية التي يتحملونها، نتيجة ارتكاب جرائم بحق الشعب من خلال السماح لجهات خارجية أو داخلية بإدخال أسلحة واستخدامها ضد المتظاهرين خارج إطار الدولة". وتابع القيادي في تحالف "القوى العراقية" أنه "من المعيب على مجلس النواب أن يبقي وزير الدفاع بعد تصريحه الأخير بعدم سيطرة الدولة العراقية على جهات معنية تدخل السلاح إلى العراق وتقتل به الشعب العراقي".

في الأثناء، كشف مسؤول في وزارة الصحة العراقية لـ"العربي الجديد" أمس السبت، عن ارتفاع عدد الضحايا منذ بدء الاحتجاجات في البلاد في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى 336 قتيلاً في عموم مدن البلاد، إلى جانب تسجيل أكثر من 17 ألف إصابة جراء قنابل الغاز والذخيرة الحية التي تستخدمها قوات الأمن، موضحاً أنّ "بغداد وذي قار ثمّ البصرة وكربلاء، تتصدر المدن المفجوعة من حيث عدد الضحايا". وحول سبب عدم الإعلان عن الحصيلة الرسمية من قبل الدولة، أكّد المسؤول أنّ "الحكومة العراقية وجهت وزارة الصحة وجميع العاملين فيها بعدم إعطاء أي حصيلة لوسائل الإعلام أو المنظمات الدولية والمحلية حول الضحايا".