"إس 400" لا تزال تؤرق العلاقات التركية - الأميركية

"إس 400" لا تزال تؤرق العلاقات التركية - الأميركية

15 نوفمبر 2019
أبدى ترامب تفهماً للمواقف التركية (خليل ساغيركايا/الأناضول)
+ الخط -
بالرغم من الأجواء الإيجابية، وكلمات الإطراء التي خرجت بها قمة الرئيسين التركي والأميركي، رجب طيب أردوغان ودونالد ترامب، في واشنطن، الأربعاء الماضي، وتجاوُز الكثير من الخلافات حول المشاكل العالقة، إلا أن الطرفين فشلا في التوصل إلى حلٍّ لصفقة منظومات "إس 400" الروسية للدفاع الجوي، والتي اشترتها أنقرة من موسكو، وتعارضها الولايات المتحدة بشدة. ويأتي هذا الفشل بالرغم من "تفهّم" ترامب للأسباب التي دفعت أنقرة إلى إبرام الصفقة، التي عوقبت تركيا بموجبها بمنع بيعها مقاتلات "إف 35" الأميركية المتطورة.

ومع انتهاء القمة، أكد البيت الأبيض أن كل المشاكل العالقة مع تركيا يمكن تجاوزها مع استغناء أنقرة عن الصواريخ الروسية. ويبدو من هذا التصريح أن المسألة لا تزال معلقة، وأنها مفتاح الحل لتحسن العلاقات بين البلدين. وتبع ذلك تأكيد أردوغان عقب الزيارة، أنه "لا يمكن لتركيا التخلي عن منظومة إس 400"، متمنياً التوافق حول موضوع مقاتلات "إف 35".

ومقابل الطلب الأميركي، عرضت تركيا شراء منظومات صواريخ "باتريوت"، وأكد أردوغان أن "مقترح إلغاء شراء منظومة إس 400 بالكامل يعد مساساً بحقوقنا السيادية"، مضيفاً: "بينما علاقاتنا في هذا الوضع، لا يمكننا التخلي عن منظومة إس 400 والتوجه إلى الباتريوت، وأبلغنا الأميركيين برغبتنا في شراء الأخيرة أيضاً إلى جانب الاحتفاظ بالأولى، لأن لدينا نهجاً لإقامة نظام دفاعي متعدد الأوجه". وذكّر الرئيس التركي بأن الولايات المتحدة "لم تبدِ أي اعتراض على امتلاك اليونان، العضو في حلف شمال الأطلسي، منظومة إس 300 الدفاعية الروسية، في وقت تعارض امتلاك تركيا إس 400".

ويعود سبب المعارضة التركية الشديدة للاستغناء عن صواريخ إس 400 إلى أسباب عدة، أولها عدم الثقة في إمكانية إتمام صفقة شراء "باتريوت" الأميركية بسبب معارضة الكونغرس، وهو ما كان قائماً في زمن الإدارة الأميركية السابقة. كما أن واشنطن كانت أخلّت بالتزاماتها في كل تفاهماتها حتى الآن مع تركيا خلال السنوات الأخيرة، وبالتالي فإن تخلت أنقرة عن الصواريخ الروسية، مع عدم اكتمال صفقة "باتريوت"، فإن الوضع سيكون صعباً لها من خلال تأثير تراجع العلاقات مع روسيا، وبالتأكيد مع الولايات المتحدة، وهي تريد أن تواصل سياسة التوازن في العلاقات مع الطرفين. كما أن الشواهد الأخرى الموجودة في دولٍ مثل اليونان، تظهر الرغبة التركية في التمسك بالصواريخ، حتى إتمام أمرٍ ملموس يطابق شروطها لجهة التسليم والضمانات والأسعار ونقل التقنيات أسوة بما قدمته روسيا لها.

وضمن إطار الحل، نقلت صحيفة "خبر تورك" أن خارطة طريق وضعت خلال قمة أردوغان - ترامب الأخيرة، من أجل حلّ هذه المعضلة التي تؤرق علاقات البلدين وتهدد حلف شمال الأطلسي، لكون تركيا تشكل ثاني أكبر قوة عسكرية ومنتظمة بدفع التزاماتها المالية بالشكل الكامل للحلف. وتشمل خارطة الطريق هذه تشكيل لجنة مشتركة كانت تركيا اقترحتها منذ أكثر من عام، وسبق أن قدمتها، وجددتها بمقترح تشكيل لجنة مشتركة مع حلف الأطلسي، إلا أنها قوبلت بالرفض. لكن الصحيفة أوضحت أنه خلال الاجتماع الأخير تمّ الاتفاق على تشكيل هذه اللجنة، من أجل إجراءات التحقيق والتدقيق في موضوع الصواريخ، ما شكل مكسباً كبيراً لأنقرة. وستعمل اللجنة أيضاً على التدقيق في بنود الاتفاقية التركية -الأميركية في ما يتعلق بمقاتلات "إف 35" لمعرفة الثغرات ونقاط الضعف، والخروج بنتائج تؤسس لمرحلة جديدة، وهو ما أسفر عن تليين مواقف الجمهوريين المعارضين في مجلس الشيوخ الذين قابلوا أردوغان، ومنهم السيناتور ليندسي غراهام.

وأوضحت مصادر الصحيفة أن الأزمة العالقة بين البلدين في ما يتعلق بهذه الصواريخ، تحتاج إلى ستة أشهر من أجل وضعها على السكة الصحيحة حتى تتوضح نتائج عمل اللجنة المشتركة، مع إقناع المؤسسات الأميركية بوجهات النظر التركية، خصوصاً البنتاغون، الذي سيؤدي إقناعه بموجبات الأسباب إلى تفهم الموقف، لا سيما أن ترامب تفهم الموقف التركي لكنه يصطدم بأطراف لا تدرك الأسباب التي أدت للوصول إلى هذه النقطة. وبالتزامن، ترتفع دعوات وجّهت في أنقرة لمزيد من العمل على تشكيل رأي عام قريب من وجهات النظر التركية في الكونغرس، والمؤسسات الأميركية المختلفة، في ظلّ مخاوف أميركية من أن استمرار معاقبة تركيا قد يؤدي إلى تقاربها أكثر مع روسيا في مجال التسليح، واللجوء إلى المقاتلات الروسية، وهو وضع لا تحمد عقباه بالنسبة للولايات المتحدة وحلف الأطلسي.

ولهذا، فإن اللجنة التي ستُشكل من قبل وزارتي خارجية البلدين، ستعمل على فهم وجهات نظر كل طرف من دون اتخاذ قرارات متسرعة، انطلاقاً من الأمر الواقع، لتبدأ مرحلة جديدة من المفاوضات. وإزاء كل هذه التطورات، فإنه بات واضحاً ما الذي يمكن عمله على طاولة المفاوضات مرة جديدة، وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، وهي استراتيجية تعمل عليها أنقرة في السنوات الأخيرة لحل المشاكل العالقة في مختلف القضايا، سواء الداخلية أو تلك المتعلقة بالمنطقة والعالم، بعد مرحلة من التخبط شهدتها سابقاً.

 

المساهمون