الجزائر: دعم الجيش ضد من؟

الجزائر: دعم الجيش ضد من؟

13 نوفمبر 2019
لا يوجد جزائري لديه نزعة مناوئة للجسم العسكري(فرانس برس)
+ الخط -

تحشد السلطة الجزائرية ما استطاعت هذه الأيام الموالين لها، وتقارع الحراك شارعاً بشارع في مسيرات "عفوية"، كتلك التي نظمت عام 1995 وبالشعارات نفسها، تتخذ من دعم الجيش وخيارات السلطة شعارها المركزي. مسيرات دعم الجيش ضد من، ولصالح من؟ والمسألة تتعلق بخيارات سياسية من الطبيعي أن تكون محل نقاش مجتمعي وليست حرباً، إلا إذا كان قادة الجيش قد دخلوا في لحظة شك. ومثل هذا الاندفاع المأزوم نحو استعطاف الشارع وتسيير تظاهرات خجولة في الغالب، تسيء إلى الجيش كمؤسسة شعبية أكثر مما توفر له مدحاً، وتضعه في ميزان أصغر بكثير من حجمه الطبيعي كثابت محوري في مكونات الدولة، وتقيس شعبيته، والجيوش لا تقاس بذلك، بشارع يليق مقياساً على الأكثر بفوج كشافة أو بحزب أو جمعية ليس إلا.

ما لم يأت في تدبير السلطة أن هذه المسيرات، التي يُستخدم فيها عمال البلديات وجمعيات الريع، تخرج الجيش من دائرة الإجماع الوطني وتضعه في موقع شك وموضع تنازع، وترسم صورة مضللة ومغلوطة عن وجود انقسام في الموقف المجتمعي إزاء الجيش كمؤسسة شعبية دستورية، مع أن الحقيقة السياسية والشعبية غير ذلك تماماً. ولا يوجد جزائري واحد لديه نزعة مناوئة للجسم والنسيج العسكري كحام للبلد، إذ إن العلاقات والترابط العائلي يؤكد ذلك، وهذا أمر يجعل من الجيش مؤسسة شعبية وخارج المزايدة بين الجزائريين، والتعاطف الذي يجده الجيش من كل الجزائريين في حالات المحنة، كالحادثة الأخيرة في عملية الداموس، شرقي الجزائر، أكبر دليل على ذلك.

ثمة محاولة لشخصنة الجيش وربط المؤسسة العسكرية بالضرورة بموقف القيادة إزاء مسار سياسي هو بالأساس محل خلاف بين المكونات الجزائرية، وحيث محل الخلاف هنا هو الخيار السياسي وليس الجيش في حد ذاته. وهذه المسيرات الخجولة تعبير عن توجه قلق وتدبير مرتبك، يضع الجيش في جانب جزء من الجزائريين ضد جزء آخر من مكونات سياسية وتوجهات مختلفة، تَشكل بينهم توافق مشترك حول الأزمة والحل، وهم أيضاً شركاء في الوطن ولهم كامل الحق في إبداء الرأي والاعتراض السلمي على ما يعني مستقبلهم، ولهم على الجيش حق حمايتهم وعليهم واجب احترامه.

حدث الأمر نفسه في تسعينيات القرن الماضي عندما ربطت الممارسات نفسها الجيش بخيارات سياسية لم يكن لها بد وتأسست على تقدير خاطئ، وضعته في مواجهة محتومة مع جزء من الجزائريين على حساب آخرين، بينما كانت الكلفة في النهاية مشتركة وغالية دفع ثمنها كل الجزائريين من كل الأطراف والجيش نفسه والبلد، مع أن الحكمة تقتضي إبعاد الجيش عن التنازع السياسي والشعبي واستبعاده من أن يكون في طرف ضد طرف، لأن موقع الجيش، إذا اقتضى الأمر، أن يكون مساعداً على صياغة المخارج التشاركية وبناء التوافقات الوطنية بين الجزائريين للخروج من الأزمة. الرسام البليد يلطخ الورق أكثر مما يرسم شيئاً جميلاً، لكنه يعتقد أن بعض القوة التي يملك قد تتيح له إقناعاً جبرياً للناس بجمال لوحته. السلطة في الجزائر تماماً هي هذا الرسام.

المساهمون