الجزائر: مرشحو الرئاسة يطرحون خططهم الانتخابية وسط تجاهل شعبي

الجزائر: مرشحو الرئاسة يطرحون خططهم الانتخابية وسط تجاهل شعبي

12 نوفمبر 2019
يعتبر بن فليس نفسه مرشح الحراك الشعبي(رياض قرامدي/فرانس برس)
+ الخط -
بدأ المرشحون الخمسة لانتخابات الرئاسة في الجزائر الكشف عن ديباجة برامجهم الانتخابية، التي يعتزمون طرحها على الناخبين خلال الحملة الانتخابية التي ستبدأ في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وتدوم 21 يوماً استعداداً للانتخابات الرئاسية المقررة في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وسط حالة من عدم الاهتمام من قبل الجزائريين بالمرشحين وخططهم الانتخابية. ثلاثة مرشحين للرئاسة من بين الخمسة طرحوا بشكل رسمي مسودة برامجهم الانتخابية، التي تتضمن تصورات سياسية ورؤى لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وهم رئيسا الحكومة السابقان عبد المجيد تبون وعلي بن فليس، والمرشح الإسلامي عبد القادر بن قرينة، في انتظار المرشحين الآخرين وزير الثقافة السابق عز الدين ميهوبي ورئيس جبهة المستقبل بلعيد عبد العزيز، اللذين سيكشفان عن خططهما الانتخابية خلال الأيام المقبلة، تزامناً مع بدء كل المرشحين ترتيب المديريات المركزية لحملتهم الانتخابية، وتعيين سفرائهم في الولايات، تمهيداً لتنظيم التجمعات الشعبية بدءاً من 18 نوفمبر الحالي.

بن فليس، الذي أطلق حملته الانتخابية على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أكثر من شهر، كشف، الأحد الماضي، عن خطته الانتخابية، والتي تتضمن تعهدات بإطلاق مشاورات لتعديل شامل للدستور وتشكيل حكومة وطنية وحل البرلمان وتنظيم انتخابات نيابية مسبقة، وتحقيق المطالب الديمقراطية التي رفعها الحراك الشعبي منذ 22 فبراير/شباط الماضي. ويقدم بن فليس، في مسودة برنامجه الانتخابي، والتي وُزعت على الصحافيين باسم "البرنامج الاستعجالي الوطني" وبشعار "الجزائر وطننا ورفعتها عهدنا"، جملة تعهدات سياسية وخطوات إصلاحية وتدابير سيتخذها حال انتخابه رئيساً للجمهورية "من أجل لمّ شمل الجزائريين حول مشروع وطني جامع يترجم كل الطموحات والآمال والتطلعات الديمقراطية". ويقترح رئيس الحكومة السابق إجراء حوار سياسي ومدني، وإطلاق مسار مشاورات موسعة مع القوى السياسية والوطنية حول إعادة صياغة شاملة للدستور، وتغيير طبيعة النظام السياسي القائم، من رئاسي إلى نظام وصفه بشبه رئاسي وشبه برلماني، يتم خلاله توزيع الصلاحيات الدستورية بين الرئاسات الثلاث، الجمهورية والحكومة والبرلمان. ويعتقد أن هذا التوزيع للصلاحيات سينهي التغول والهيمنة السياسية اللذين كان يتمتع بهما رئيس الجمهورية، الذي كان يمسك بكل الصلاحيات بيده. ويقترح، في هذا السياق، إطلاق إعادة الاعتبار للمؤسسة النيابية وإطلاق يد البرلمان في مجال الرقابة وإنشاء لجان التحقيق النيابية ومراقبة الحكومة.

ويعلن بن فليس، الذي كان عقد أول من أمس مؤتمراً صحافياً لشرح برنامجه، التزامه بتشكيل حكومة انفتاح وطني، مقترحاً حل البرلمان الحالي والذهاب إلى انتخابات نيابية مسبقة، وتعديل قانون الانتخابات لسد كل الثغرات التي تشكل محل ريبة في العملية الانتخابية، وبتحويل الجزائر إلى دولة حق وقانون عن طريق إعادة تأسيس التنظيم الدستوري المؤسساتي، ورفع المظالم السياسية والاجتماعية عن الجزائريين. ويصف بن فليس، وهو رئيس حكومة سابق، خطته الانتخابية "بالأقل كلفة ومخاطرة ومشقة. وهو الأقدر على مواجهة الوضع الذي تمر به البلاد، وتداعيات الأزمة السياسية الراهنة، وتآكل الرصيد المالي للخزينة العمومية". ويعتبر بن فليس نفسه مرشح الحراك الشعبي على خلفية دعمه للحراك الشعبي منذ بدايته، وانخراطه قبل ذلك في مجمل المبادرات السياسية التي طرحتها قوى المعارضة، كمبادرة مزفران في 2014، والتي تضمنت بالأساس رفض العهدة الرابعة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة والدعوة إلى انتخابات مسبقة ومرحلة انتقالية، ومشاركته في الاجتماعات التسعة لقوى المعارضة السياسية والمدنية في مؤتمر المعارضة في عين البنيان في السادس من يوليو/تموز الماضي.

وكان بن فليس رئيساً لحكومة بوتفليقة في العام 2002، وقبلها مديراً لحملته الانتخابية، قبل أن ينشق عنه منذ 2004، ودخل في صراع سياسي مع نظام بوتفليقة ونافسه على الرئاسة في انتخابات 2004، ما عرضه للعزل السياسي وأنصاره للملاحقة والتضييق، قبل أن يعود للترشح لمنافسته في انتخابات الرئاسة في 2014. ويصف بن فليس نفسه بالأقدر بين المرشحين الخمسة على "التكفل بالمطالب المشروعة للثورة السلمية وتحقيقها كاملة، والعمل على إيجاد حل وسطي متزن للمزاوجة بين الرئاسيات وخيار المجلس التأسيسي من خلال دمجهما في مقاربة واحدة، غايتها القطيعة مع النظام السياسي وبناء منظومة سياسية عصرية، وإقامة مؤسسات شرعية ذات طابع تمثيلي تتولى إحداث التغيير الشامل". ويحظى بن فليس بدعم عدد من أحزاب المعارضة السياسية التي حضر قادتها حفل إطلاقه برنامجه الانتخابي، بينهم رئيس حزب الفجر الجديد الطاهر بن بعيبش، والأمين العام لحركة النهضة يزيد بن عائشة، ورئيس جبهة الجزائر الجديدة جمال بن عبد السلام، ورئيس جبهة النضال الوطني عبد الله حداد، ورئيس الجبهة الوطنية للحريات محمد زروقي. ويتوقع أن تعلن أحزاب سياسية أخرى مقربة من المعارضة دعمها لبن فليس.

ويحذر بن فليس من مرشحين منافسين له في الانتخابات، ويصفهم بأنهم جزء من محاولة لاستكمال العهدة الخامسة لبوتفليقة. ويقول إنها "تحاول إعادة استنساخ النظام البوتفليقي عبر انتخابات 12 ديسمبر المقبل، بتحقيق عهدة خامسة فشل النظام السابق في تمريرها، تحت ضغط الحراك الشعبي". ويذهب بن فليس في هذا التصريح بشكل مباشر إلى منافسه الأبرز رئيس الحكومة السابق عبد المجيد تبون، الذي ظل وفياً لبوتفليقة، مدافعاً عن سياساته حتى الربع ساعة الأخير من فترة حكمه. لكن تبون يسعى، في الوقت الحالي، إلى تجاوز عقدة تصنيفه من قبل بن فليس وجزء من المجتمع السياسي والرأي العام كخادم سياسي سابق لبوتفليقة ووكيل لنظامه. وينفي تبون، في مؤتمر صحافي السبت الماضي، أن يكون مرشح السلطة في الانتخابات الرئاسية. وسبق تبون مجموع المرشحين في طرح برنامجه الانتخابي وكشف عن 54 التزاماً سياسياً تعهد بتنفيذها في حال تم انتخابه رئيساً، واختار لحملته الانتخابية شعاراً مركزياً: "بالتغيير ملتزمون وعليه قادرون". ويتعهد، في حال انتخابه رئيساً، بإجراء مراجعة شاملة للدستور وتعديل قانون الانتخابات، وإنجاز إصلاح شامل للعدالة وتحرير المجتمع المدني كسلطة مضادة وتسليم تدريجي للسلطة للشباب. ويراهن تبون على استبعاد تأثير المال في المجال السياسي، ويسعى للاستفادة في هذا السياق من صورة سياسية رسمت له منذ أزمته الشهيرة مع رجال "الكارتل المالي" عندما كان رئيساً للحكومة انتهت بإقالته من منصبه في أغسطس/آب 2018. ويتعهد بوضع تدابير جديدة تتعلق بإنهاء الرشوة والفساد في الإدارات العمومية والحكومية.

ويوجه تبون رسالة إلى الجيش والمؤسسة العسكرية، متعهداً باستكمال برنامج تطوير الصناعات العسكرية والدفاع والأمن. ويقترح وضع خطة لمراجعة عمل وزارة الخارجية وشبكة الدبلوماسية الجزائرية في العالم، ووضع دفتر تكليف لكل دبلوماسي يتضمن أهدافاً محددة يتوجب تحقيقها خلال فترة عمله في أي تمثيلية دبلوماسية. ويعد بإلغاء الضرائب على الفئات الاجتماعية المحدودة الدخل، والقضاء النهائي على بيوت وأحياء الصفيح المنتشرة في عدد من المدن، وتسوية وضع الآلاف من الشباب العاملين بنظام التعاقد في الإدارات والمؤسسات الخدمية والاقتصادية. ويجمع تبون حوله عدداً من الشخصيات السياسية والإعلامية التي يعرف عنها دفاعها المستميت سابقاً عن بوتفليقة وسياساته، كوزير السياحة السابق حسان مرموري وممثل الجزائر السابق لدى الأمم المتحدة في نيويورك عبد الله باعلي. كما أعلنت بعض الأحزاب السياسية التي كانت تدعم بوتفليقة دعمها لتبون، مثل حركة الإصلاح الوطني.

المرشح الذي يمثل التيار الإسلامي في انتخابات ديسمبر المقبل، عبد القادر بن قرينة، قدم للرأي العام خطته الانتخابية، بعنوان "مشروع جزائر جديدة". وتتضمن تنفيذ إجراءات وتدابير تستهدف استعادة الأموال المنهوبة والمهربة إلى البنوك الأجنبية، والتي قال إنها تفوق 200 مليار دولار. لكنه طرح فكرة مثيرة للجدل، تتعلق بإمكانية التوصل إلى تسوية مع رجال الأعمال و"الكارتل" المالي المسجونين، مقابل استعادة الأموال التي نهبوها لصالح الخزينة العامة. ويعتبر بن قرينة أنه "لا فائدة من إبقاء رجال المال الفاسدين في السجون مقابل ضياع ميزانية تفوق 200 مليار دولار من الشعب الجزائري". ويعلن بن قرينة، الذي توجه له انتقادات بشأن تصريحات توصف بالشعبوية، أنه سيقترح تنظيم استفتاء شعبي على مسألة التسوية مع رجال الأعمال الفاسدين الموقوفين في السجن. ويتعهد بن قرينة، الذي يرأس حركة البناء الوطني (جناح من إخوان الجزائر)، بإصلاح وسد الثغرات التي تضمنها قانون السلم والمصالحة الوطنية المعلن في 2005، وإعادة الحقوق إلى الجزائريين الذين ما زالت حقوقهم عالقة من آثار الأزمة الأمنية التي شهدتها البلاد في التسعينات، وإقامة دولة ديمقراطية وتحرير الصحافة، وبإصلاح جوهري لنظام التعليم، ودعم الجامعة، وخفض البطالة إلى مستوى أقل من 8 في المائة مقابل 12.5 في المائة حسب آخر تقرير لصندوق النقد الدولي واستيعاب الطلبات الجديدة على العمل، لا سيما لخريجي الجامعات. ويولي بن قرينة أهمية مركزية للريف والمناطق الداخلية والجنوب الجزائري، متعهداً بمراجعة سياسة التشغيل في المناطق النفطية.

حتى الآن، لا زال التفاعل بطيئاً مع مقترحات وبرامج المرشحين، ولم تصنع مقترحاتهم الانتخابية أية حالة اهتمام خاص في الأوساط السياسية والإعلامية لدى الجزائريين، خصوصاً في ظل انقسام سياسي وشعبي حاد حول جدوى إجراء الانتخابات الرئاسية في حد ذاتها، في ظل استمرار مسيرات وتظاهرات الحراك الشعبي المطالبة برحيل رموز النظام قبل إجراء أية انتخابات، ما يؤشر على صعوبات كبيرة ستواجه المرشحين خلال فترة أدائهم للحملة الانتخابية، بدءاً من 18 نوفمبر الحالي بسبب هذا الرفض الشعبي.