انتخبوهم ليعارضوا

انتخبوهم ليعارضوا

10 نوفمبر 2019
لم يبق إلا أن تكون "النهضة" بالمعارضة(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
في كل أصقاع الدنيا، يذهب الناس إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات لاختيار من يحكمهم، إلا في تونس، فإن الأحزاب تتقدّم لجماهيرها وتطلب أصواتهم من أجل أن تكون في المعارضة، وهي مفارقة عجيبة تقلب أصل الانتخابات وفكرتها الأساسية... وقد قدّمت نتائج الانتخابات التشريعية الاخيرة كلاً من حركة "النهضة" و"قلب تونس" و"التيار الديمقراطي" و"ائتلاف الكرامة" والحزب "الدستوري الحر" وحركة "الشعب" و"تحيا تونس" إلى المراتب الأولى، ثم تلتها من بعيد حركة "مشروع تونس" وحزب "الرحمة" و"الاتحاد الجمهوري الشعبي" وبقية الأحزاب الأخرى التي لم تحصل على أكثر من مقعدين.

والغريب أن كل هذه الأحزاب، باستثناء "النهضة" طبعاً، خرجت لتعلن أنها ستكون في المعارضة، حتى حزب "الرحمة" القريب من "النهضة" والذي لم يحصل إلا على أربعة مقاعد فقط، أكد انه سيكون في المعارضة. وقال رئيسه سعيد الجزيري، الذي استعاد مقعده أخيراً بعد اللجوء للمحكمة، إن حزبه اختار أن يكون في صف المعارضة، مؤكداً في تصريح صحافي أن "الرحمة" يخوض أول تجربة في البرلمان ولذلك فضّل أن يكون في صف المعارضة وسيعارض توجّهات الحكومة إذا اتخذت إجراءات تثقل كاهل الشعب. وكذلك فعلت بقية الأحزاب التي حصلت على مقعد أو اثنين.

وبينما تتسع قاعدة المعارضة، لم يبق إلا أن تخرج "النهضة" بدورها وتؤكد أنها ستكون أيضاً في المعارضة، ليصبح مجلس الشعب، مجلس معارضي الشعب، مع ما يستلزم من البحث عمن سيعارضه كل هؤلاء. وحتى "النهضة"، فقد لوّحت في السابق بإمكانية الذهاب إلى المعارضة في حال أسقطت حكومتها المقترحة وأجبرها المعارضون على تقبّل حكومة لا تشكّلها بنفسها، ليتحوّل كل الشعب التونسي مكرهاً، بحكم نخبه السياسية، إلى شعب معارض، وربما نبحث معاً عن شعب آخر نعارضه بينما يتدمر البلد شيئاً فشيئاً بسبب هذا الوقت المهدور وهذه الفرص الضائعة.

الملاحظ أن الأحزاب التونسية لم تتدرب بعد على تجربة الحكم وكسر حاجز الخوف الذي يمثّله، حتى أصبحت هناك حالة رهاب من انعكاساته، بينما هو في الأصل مغامرة سياسية يعرف الجميع مسبقاً أنها لا تجري في النرويج أو السويد، حيث الرفاه والازدهار، وإنما في تونس التي تبني تجربة وتشيد بنياناً ينتظر كثيرون أن يرقى سريعاً ليكون منارة تضيء دروباً وتفتح طريقاً.

المساهمون