بعثة أممية أم مؤسسة مجتمع مدني؟

بعثة أممية أم مؤسسة مجتمع مدني؟

10 أكتوبر 2019
يكتفي سلامة بالإدانة والشجب (عبد الله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

حتى أول من أمس الثلاثاء، ظلّ رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج يطالب رئيس البعثة الأممية إلى ليبيا، غسان سلامة، بـ"ضرورة محاسبة مرتكبي جرائم الحرب" في بلاده، و"رفضه التام لأي اعتداء على المدنيين والمنشآت المدنية، التي تعد انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان". هذه المطالبة، التي جاءت خلال آخر لقاء جمع الرجلين في طرابلس، ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة قطعاً، لكن مواقف سلامة التي لا تتخطى حدّ البيانات، حوّلت البعثة الأممية إلى مؤسسة مجتمع مدني لا تملك أكثر من الشجب والاستنكار، على الرغم من الصوت المسموع للأمم المتحدة لدى المحكمة الجنائية الدولية.

وعلى الرغم من تصريحها بامتلاك أدلة تؤكد جرائم خليفة حفتر، إلا أن بيان البعثة الأممية الأخير بشأن استهداف مليشيات اللواء المتقاعد نادياً للفروسية في العاصمة الليبية، لم يزد عن التهديد بـ"مشاطرة المعلومات والأدلة التي تمّ جمعها اليوم خلال مهمة التقييم مع مجلس الأمن وفريق الخبراء والكيانات الدولية الأخرى ذات الصلة"، لكن حفتر يعلم أن هذا التصريح ليس سوى كلام لن يتجاوز الحبر الذي كتب به، فوحدها جرائمه المعلومة التي ارتكبها منذ ستة أشهر- طبعاً دون الإشارة إلى جرائمه المتواصلة في شرق البلاد وجنوبها - تخطت القدرة على عدّها. وكأن كل القتلى الذين سقطوا ليسوا مدنيين يتوجب على مجلس الأمن الدولي حمايتهم، بموجب قراره 1970 الذي حرّك آلاف المقاتلات الغربية للمساعدة في إسقاط نظام معمر القذافي.

وإذا افترضنا أن المجتمع الدولي صدّق شعارات رفيق القذافي القديم، حفتر، بأن جميع المستهدفين إرهابيون، فماذا عن الطواقم الطبية والمراكز الصحية التي اعترف سلامة نفسه، منتصف أغسطس/آب الماضي، بأنها تعرضت لـ38 اعتداء؟

كل يوم، تزيد شكوك المواطن الليبي وتساؤلاته حول أسباب اكتفاء سلامة بتكديس كل تلك الأدلة والوثائق والتي أكد أن بعثته تملك منها الكثير.

يبدو أن المجتمع الدولي يتناسى قرارات مجلس الأمن بالتقادم، ولا يلتفت إلا لأحدثها والمتعلق بتبعية إنتاج وتصدير النفط إلى مؤسسة واحدة ممنوع المساس بها، لتكون كل السفارات الأجنبية، ووزارات الدول الغربية، على أهبة الاستعداد للتدخل إذا ما حاول اللواء المتقاعد الاقتراب منها، حتى لو أدى ذلك للتدخل بالأسلوب الذي اتبعته واشنطن في يونيو/حزيران 2018، عندما أرغمت حفتر غصباً عنه على التراجع في غضون 24 ساعة فقط عن قراره بشأن نقل حركة الإنتاج والتصدير إلى مؤسسة النفط التي تخضع لسيطرته في بنغازي.

قال لي مرة محامٍ إن تقديم دعوى للجنائية الدولية يحتاج إلى تصديق مائة ألف شخص ممن وقعت بحقهم جرائم، فأجبته بأن عدد ضحايا حفتر تجاوز هذا الحد، فما بالك بذوي القتلى والمصابين وبالأسر المشردة. ويحدث كل ذلك باعتراف الأمم المتحدة، لكن البعثة عمياء.