إيران ترفض العملية التركية بسورية: معارضة هادئة لأسباب عدة

إيران ترفض العملية التركية بسورية: معارضة هادئة لأسباب عدة

09 أكتوبر 2019
القوات التركية مستعدة في الشمال السوري(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -


مع تزايد احتمالات اقتراب الساعة الصفر لبدء تركيا عملية عسكرية ثالثة داخل الأراضي السورية ضد المقاتلين الأكراد، بعد عمليتي "درع الفرات" بين 24 أغسطس/آب 2016 و29 مارس/آذار 2017، و"غصن الزيتون" بين 20 يناير/كانون الثاني 2018 و24 مارس من العام عينه، اتجهت الأنظار نحو إيران، لاستشفاف موقفها تجاه العملية، في محاولة للوصول إلى قراءة شاملة للمشهد بكل تعقيداته المركبة. في هذا الصدد، عبّر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، خلال اليومين الأخيرين أكثر من مرة عن موقف طهران تجاه العملية التركية المرتقبة، ليعلن مساء الاثنين معارضتها لهذه العملية، في اتصال هاتفي مع نظيره التركي مولود جاووش أوغلو، مع إطلاق تحذير مسبق لأنقرة، يوم الأحد، من مغبة القيام بذلك.

وأعلنت الخارجية الإيرانية، في بيان أمس، أنه في حال قامت تركيا بعملية عسكرية داخل سورية، فإنها "لن تزيل قلاقلها الأمنية وسوف تؤدي إلى خسائر مادية وإنسانية هائلة"، مشيرة إلى أن "الجمهورية الإسلامية، انطلاقاً من ذلك، تعارض أي عملية عسكرية محتملة".

إلى جانب رفض العملية العسكرية التركية، يرتكز الموقف الإيراني على ثلاث نقاط أساسية أخرى: الأولى هي التشديد على "احترام وحدة أراضي سورية وسيادتها" المستباحتين بالأساس خلال السنوات الماضية، والثانية، إعلان استعداد إيران للوصول إلى حلّ وسط بين تركيا والنظام السوري والأكراد بشأن المناطق الخاضعة لسيطرتهم شمال سورية وشرقها. في هذا السياق، اعتبر ظريف أن "السبيل الوحيد لحفظ أمن تركيا، وجود الحكومة المركزية السورية في المناطق الحدودية"، وأن الحل يكمن في "التنسيق بين القوات السورية والتركية"، في محاولة إيرانية لجرّ تركيا إلى مربع التواصل مع النظام السوري. كما وفي الإطار نفسه أيضاً، أشارت إيران إلى اتفاقية أضنة المبرمة بين أنقرة ودمشق عام 1998، معتبرة إياها "أفضل طريق أمام البلدين لإزالة المشاكل". والاتفاق جاء وقتها على خلفية الخلاف السوري ـ التركي في شان استضافة دمشق معسكرات حزب "العمال" الكردستاني وزعيمه عبد الله أوجلان.

أما النقطة الثالثة، فهي محاولة طهران كسب ودّ الأكراد في المنطقة، وخصوصاً في سورية، وذلك عبر دعوة أنقرة إلى "احترام حقوق الإخوة الأكراد" في سورية، واعتبار ذلك سبيلاً لتحقيق أمن المنطقة، على الرغم من توجيه التهمة إلى "مجموعة منهم" بأن واشنطن تستغلهم. وحين تحدث ظريف عن اتفاقية أضنة الموقعة في 1998 والتي تسمح لتركيا بالتوغل داخل سورية بعمق 5 كيلومترات في حال وجود تهديد أمني)، والتنسيق مع النظام السوري كآليات بديلة من العملية العسكرية، دعا إلى ألّا يكون ذلك على حساب سكان الشمال والشرق السوريين.
بشكل عام، عندما يتعلق الموضوع بالقضية الكردية في المنطقة، فالموقف الإيراني رغم عدم اختلافه جوهرياً مع الموقف التركي، إلا أنه يتسم بحذر شديد في التعبير والسلوك، لاعتبارات عديدة، منها تداعيات ذلك على الأمن القومي الإيراني، لوجود قرابة ثمانية ملايين كردي في إيران، ومنها أيضاً محاولاتها الحثيثة لكسب الأكراد إلى جانبها، وفي السياق، أقامت علاقات مع الأحزاب والفصائل الكردية البارزة، سواء في سورية أو غيرها.

بالمجمل، اتسق موقف إيران بشأن العملية التركية المرتقبة مع موقفها العام منذ بداية القضية السورية، وهو معارضة "أي تدخل أجنبي" من دون موافقة النظام السوري. لكن في خطوة لافتة، عبّرت طهران هذه المرة عن معارضتها للعملية التركية بخجل ومن دون إثارة، واكتفت بما جاء على لسان وزير خارجيتها، من دون أن يقحم العسكر الإيراني نفسه في الموضوع، ويتخذ مواقف ضد تركيا، بينما كان الموقف الإيراني المعارض للعمليتين التركيتين السابقتين "غصن الزيتون" و"درع الفرات" في شمال سورية أكثر حدة وشدة.



إلا أن التعبير الإيراني عن معارضة العملية التركية بنحو هادئ هذه المرة، لا يعني أن هناك تغييراً في مجمل الموقف الإيراني تجاه الدور التركي في سورية، بل إن أسباب المعارضة الإيرانية لهذا الدور والعمليات التركية قائمة بقوة ولم تتبدل، لكن التعبير عنها بات مختلفاً نوعاً ما وأصبح أكثر هدوءاً وأقل حدة من ذي قبل، في تدبير إيراني يرتبط بالأساس بالتطورات في المنطقة على خلفية تصاعد التوترات والصراع بين طهران وواشنطن، وكذلك مع أطراف إقليمية أخرى، في مقدمتها السعودية.

من الواضح أن إيران المنشغلة بهذه التوترات المركبة وتداعيات العقوبات الأميركية، لا تريد أن تخسر الجانب التركي وأن تتخذ موقفاً تصعيدياً يوتّر العلاقات معه، خصوصاً أنها شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، أظهره انخراط البلدين في مجموعة "أستانة"، وموقف إيران القوي ضد الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016، كذلك رفض تركيا أكثر من مرة العقوبات الأميركية على إيران، وحتى أخيراً بعد الهجمات على المنشآت النفطية السعودية في 14 سبتمبر/أيلول الماضي، اتخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، موقفاً مسانداً لإيران في مقابلة لقناة "فوكس نيوز" الأميركية، خلال زيارته لنيويورك الشهر الماضي، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة. وأشار في حينه إلى أنّ "من غير الصواب إلقاء اللوم على إيران حول الهجمات على أرامكو"، مشيراً إلى أنها "انطلقت من مناطق عدة في اليمن".

إلا أنه على الرغم من المعارضة الإيرانية "الهادئة" للعملية التركية ضد شرقيّ الفرات، يستشف من جملة التصريحات والتحليلات الإيرانية، أن المخاوف الإيرانية بشأن الدور التركي في سورية لا تزال قائمة، ولم يطرأ عليها أي تغيير. فإيران قلقة من تعزيز هذا الدور من خلال إنشاء منطقة آمنة في شمال سورية وشرقها، التي اعتبرتها "مستفزة ومثيرة للقلق" في تصريحات للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، خلال أغسطس/آب الماضي، وذلك انطلاقاً من القناعة الإيرانية بأنه في حال سيطرة تركيا على شرقيّ الفرات أو أجزاء منها، فإن هذه المنطقة ستتحول إلى منطقة آمنة دائمة من جهة، وأنها تمنح تركيا أوراق ضغط وقوة في المعادلات الداخلية السورية ويرفع أسهم نفوذها في سورية لرسم مستقبلها من جهة ثانية، على حساب المصالح الإيرانية. بالإضافة إلى أن من شأن إنشاء هذه المنطقة وتثبيتها، تعزيز موقع المعارضة السورية، في وقت تسعى فيه إيران وروسيا والنظام السوري إلى إنهائها من خلال إعادة هذا النظام إلى إدلب. لذلك، ثمة توجس إيراني من أن تركيا تستخدم تعزيز نفوذها في شمال سورية وشرقها كورقة ضغط لتحصيل تنازلات لمصلحة المعارضة في موضوع إدلب.



المساهمون