وكالات سبر الآراء في تونس... لاعب يصنع الفارق

وكالات سبر الآراء في تونس... لاعب يصنع الفارق

05 أكتوبر 2019
يراقب التونسيون نتائج استطلاعات الرأي (فرانس برس)
+ الخط -

أصبحت نتائج الاستطلاعات التي تجريها وكالات سبر الآراء تحظى بثقة طيف واسع من التونسيين، بسبب مصداقيتها وقربها من النتائج الانتخابية النهائية، على الرغم من تحذيرات الأحزاب والسياسيين منها.

ازدادت ثقة التونسيين بوكالات استطلاع الرأي، ومعاهد سبر الآراء، بعد أن أثبتت نجاعتها ومصداقيتها خلال المحطات الانتخابية التي عرفتها تونس منذ قيام الثورة عام 2011، وكان هامش الخطأ ضئيلاً بين النتائج التي تقدمها هذه المؤسسات منذ إغلاق صناديق الاقتراع، والنتائج الأولية التي تصدر عن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بعد مقارنة الحساب الآلي مع الحساب اليدوي.
وأثبتت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي خلال عام 2011، والانتخابات التشريعية والرئاسية في عام 2014، والانتخابات البلدية في 2018، وحتى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المبكرة، في 15 سبتمبر/ أيلول الماضي، مصداقية ملفتة وحرفية منقطعة النظير لهذه المؤسسات والوكالات، بشكل جعلها محط أنظار التونسيين ومحط إعجابهم.

ويفوق عدد الوكالات المختصة والشهيرة في تونس 25 وكالة؛ منها مؤسسات تونسية خاصة وأخرى تتبع معاهد ومنظمات أجنبية تعمل باستمرار على دراسة الواقع السياسي والاجتماعي التونسي، عبر متابعة متواصلة ودقيقة لآراء التونسيين، من خلال استطلاعات رأي دورية تكاد تكون أسبوعية.

ومن فرط دقتها ومصداقيتها تحوّلت هذه الوكالات إلى أداة مؤثرة لتوجيه الرأي العام، كما تحوّل وكلاء هذه المعاهد والشركات إلى فاعلين في المشهد العام التونسي، ومن قادة الرأي المؤثرين، بل يتم حتى الاستشهاد بقراءتهم للوضع وللمشهد السياسي المتحرك، بسبب تعطش المتابعين والجمهور لمعرفة مستقبل البلاد.

لاعب فاعل

وتنبأت استطلاعات رأي مؤسسة "سيغما كونساي"، منذ يونيو/ حزيران، وقبل وفاة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، وإعلان الانتخابات الرئاسية المبكرة، بمرور كل من نبيل القروي وقيس سعيد إلى الجولة الرئاسية الثانية، كما تنبأت بسقوط رئيس الحكومة يوسف الشاهد وحيازته على 7% فقط من الأصوات.

كذلك أظهرت نتائج سبر الآراء لنفس الوكالة، قبل حتى أن يعلن القروي عن تشكيل حزبه الجديد "قلب تونس"، وقبل انطلاق الفترة الانتخابية التشريعية، أنّه سيتصدر المشهد البرلماني في الانتخابات التشريعية، يليه حزب "حركة النهضة"، فيما توقعت أن تكون أحزاب "الدستوري الحر" وقائمات جمعية "عيش تونسي" و"تحيا تونس" و"التيار الديمقراطي" ضمن المراتب الست الأولى.

وقال أستاذ القانون والمحلل رابح الخرايفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إنّ "وكالات سبر الآراء تحولت إلى وكالات للإشهار السياسي، بل أصبحت فاعلاً سياسياً قوياً ولاعباً لا يستهان به في تونس".

ولفت الخرايفي إلى أنّ "هذه الوكالات أصبحت تحظى بثقة التونسيين وبثقة الناخبين، بسبب تقارب النتائج وتطابقها؛ وهو ما يفسر حرفية وعملها بمنهجية علمية على غرار ما يجري في الدول المتقدمة".

وأوضح أنّه "يجب تنظيم قطاع سبر الآراء في قانون يضبط الواجبات والمهام والمسؤوليات، حتى يتسنى لهذه المؤسسات العمل والنشاط بحرية من جهة، ومساعدة الرأي العام على فهم الواقع السياسي من جهة أخرى، ولكن في إطار القانون دون تأثير أو تمييز أو تلاعب".

غياب قانون ناظم

وأثارت، اليوم السبت، تدوينة على الصفحة الرسمية لأحد أشهر مسيري وكالات سبر الآراء التونسية جدلاً واسعاً، إذ ألمح حسن الزرقوني في كلمة وحيدة هي "التقارب"، فُهمت منها إشارة إلى تقارب نتائج حزبين سبق أن تصدرا المشهد الانتخابي وهما "النهضة" و"قلب تونس"، ليعتبر نشطاء ذلك كسراً للصمت الانتخابي، وتوجيهاً للرأي العام والناخبين.


وطالب نشطاء بالتنبيه على صاحب وكالة سبر الآراء "سيغما كونساي"، واتخاذ إجراءات تأديبية في حقه أو تتبعه حتى لا يتمادى في توجيه الرأي العام.

ولا تملك الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سوى التنديد أو التنبيه الأدبي على أصحاب مؤسسات سبر الآراء، نظراً لعدم وجود قانون ينظم عملها.

وقال رئيس الهيئة نبيل بفون، في تصريح صحافي، إنّه "لا يوجد قانون يسمح لهيئة الانتخابات بالتدخل في عمل هذه المؤسسات، ويقتصر دورها في تطبيق الفصل 70 من القانون الانتخابي الذي ينص على أنّه يمنع خلال الحملة الانتخابية أو حملة الاستفتاء وخلال فترة الصمت الانتخابي، بث ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات والاستفتاء والدراسات والتعاليق الصحافيّة المتعلقة بها عبر مختلف وسائل الإعلام".


ويبدو أنّ الإرادة السياسية تقف عائقاً أمام تنظيم عمل وكالات سبر الآراء، إذ بقيت مقترحات ومشاريع قوانين في رفوف البرلمان، من دون أن يتم النظر فيها أو عرضها على المصادقة.

واقترحت مجموعة من نواب "الكتلة الديمقراطية"، و"حركة الشعب"، و"الجبهة الشعبية"، منذ مايو/ أيار 2016، قانوناً أساسياً يتعلق بتنظيم سبر الآراء في تونس، ولكن بقي المقترح من دون جدوى، نظراً إلى عدم امتلاك نواب المعارضة أغلبية لتمريره في البرلمان، كما قدّم نواب "كتلة الحرة" لحركة "مشروع تونس"، في فبراير/ شباط 2017، مقترح قانون آخر يتعلّق بتنظيم سبر الآراء والاستطلاعات.

وفي نفس السياق، قدمت الغرفة الوطنية لمكاتب استطلاع الرأي مسودة مشروع قانون ينظم عمل مؤسسات سبر الآراء، إلى الحكومة التونسية، منذ بداية عام 2019، ولكنه لم ير النور بعد.

"نتائج واقعية وعلمية"

ويتوقع مراقبون أن تكون نتائج الانتخابات التشريعية التي ستجرى، غداً الأحد، قريبة من التوقعات التي تم تسريبها عن وكالات سبر الآراء، والتي تظهر تغيّراً كبيراً في المشهد البرلماني والسياسي، وهي نتائج لا تختلف كثيراً عن نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المبكرة، والتي صدرت القوى والأحزاب والائتلاف المحسوبة على الثورة والشباب الغاضب من تيار "مناهضي النظام"، على الأحزاب التقليدية والأحزاب الكبرى والشخصيات العامة البارزة والتي تحملت مسؤوليات وزارية وحكومية وبرلمانية سابقاً.

وقال نبيل بالعم المدير العام لمؤسسة "امرود كونسلتينغ" لسبر الآراء، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إنّ "الثقة بدأت تعود لمؤسسات سبر الآراء خاصة بعد مفاجأة الانتخابات الرئاسية والتي قدمت خلالها أغلب المؤسسات نتائج واقعية وعلمية"، مضيفاً أنّه "في السابق كانت الاتهامات توجه إلى المؤسسات رغم أنّها تقدّم الإحصائيات، وتنبئ بما يحصل في المشهد السياسي عموماً بواقعية، وحسب نتائج قريبة جداً من الواقع، وبهامش خطأ بلغ 0,7 بالمائة سابقاً".

وأضاف بالعم أنّ "أغلب الفاعلين السياسيين عرفوا أنّ مؤسسات سبر الآراء تعمل بمهنية، ولديها التقنيات العصرية والآليات، حتى إنّ عملها يضاهي المؤسسات الأجنبية"، معتبراً أنّ "الاستئناس بسبر الآراء ضروري للأحزاب والمؤسسات، والكثير منها أصبحت تتصل بها لمعرفة توجهات الرأي العام".

وبيّن أنّ "هناك من تعاقد مع هذه المؤسسات بصفة رسمية للحصول على بيانات رسمية"، مرجّحاً "حصول مفاجآت في الانتخابات التشريعية، وتشكل مشهد جديد هو متوقع بالنسبة إلينا، ولكنه قد يكون مفاجئاً للبعض الآخر، خاصة ممن لم يتمعّنوا سابقاً في أرقام ونتائج سبر الآراء"، مشيراً إلى أنّ المفاجآت لن تكون في حجم الدور الأول لانتخابات الرئاسية، ولكن قد تشكل تغييراً جديداً" في المشهد السياسي بتونس.