ترامب يرفض رئاسة بنس: أنا أو الفوضى

ترامب يرفض رئاسة بنس: أنا أو الفوضى

05 أكتوبر 2019
بنس الأكثر وفاء للرئيس بدائرته الصغرى (براندون سميالوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -
الشخصية المحورية في معارك سعي الحزب الديمقراطي لعزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو نائبه مايك بنس لأنه الركن الأساسي في ثبات تحالفه الانتخابي مع القاعدة الإنجيلية، وكان حتى الآن أكثر المسؤولين وفاءً في دائرته الصغرى، والأهم من ذلك هو أنه خليفته الدستوري في حال قدم ترامب استقالته أو تمّ عزله. لذلك فإن "أوكرانيا غيت" تختبر هذه العلاقة المعقدة بين الرئيس ونائبه.

خلال مؤتمر صحافي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع الماضي، طلب ترامب من الصحافيين أن يستفسروا أيضاً عن الاتصالات التي أجراها نائب الرئيس مع المسؤولين الأوكرانيين، في محاولة يبدو كأنها لتوريط بنس معه، كي يستشعر الجمهوريون مخاطر العزل باعتبار أنها قد تطاول ترامب ونائبه، وبالتالي ترسو الرئاسة على الموقع الثالث في الدستور، أي رئيسة مجلس النواب من الحزب الديمقراطي نانسي بيلوسي. صحيفة "واشنطن بوست" كشفت أن مستشار بنس للأمن القومي، الجنرال المتقاعد كيث كيلوغ، كان في المكتب البيضاوي خلال الاتصال الذي أجراه ترامب مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في 25 يوليو/تموز الماضي، والذي طلب فيه الأول التحقيق في التعاملات التجارية لابن نائب الرئيس الأميركي السابق والمرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية في 2020، جو بايدن.

 
كلام ترامب فتح شهية الإعلام على تعقب دور نائب الرئيس في "أوكرانيا غيت". مصادر بنس تحاول عبر تسريبات، أخذ مسافة من الفضيحة، وهذا التكتيك اتبعه بنس في تحقيق روبرت مولر حول تواطؤ فريق ترامب مع الكرملين، بحيث كان يدافع عن الرئيس علناً مقابل حرصه على التسريب أنه غير متورط بكل ما جرى. لكن هذه المرة هناك ثغرات في رواية فريق بنس. ترامب طلب من نائبه إبلاغ زيلينسكي شخصياً خلال لقاء في وارسو في الأول من سبتمبر/أيلول الماضي أن واشنطن ستستمر في تجميد مساعداتها العسكرية لكييف ما دامت السلطات الأوكرانية لم تحقق في الفساد المستشري في بلادها. بنس يقول إنه فعل ذلك، لكن لم يكن على علم بطلب ترامب من زيلينسكي التحقيق بفساد محتمل في قضية بايدن، وهذا يبدو مستغرباً لأن كيلوغ استمع إلى مكالمة ترامب – زيلنسكي، والبيت الأبيض كان يضج منذ أسابيع باحتمال خروج هذه الفضيحة إلى العلن. في النهاية، أطلقت إدارة ترامب سراح 391 مليون دولار من المساعدات لأوكرانيا بعد ضغوط جمهورية وديمقراطية في الكونغرس.

على الرغم من أن ترامب تمكن من توريط وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير العدل وليم بار في "أوكرانيا غيت"، فإن توريط بنس المحافظ له تداعيات أكبر على معركة العزل المستمرة، لأن خروجه سالماً من هذه الفضيحة يطمئن الجمهوريين في مجلس الشيوخ إلى أنه في حال أصبح ترامب عبئاً، يمكنهم تمرير العزل وتحويل سلطات الرئيس الى نائبه. حتى لو أن هذا الأمر مستبعد حتى الآن على الأقل، يريد ترامب التأكد أنه سيناريو لا يفكر فيه أحد. لكن بنس أصبح متورطاً في أكثر من قضية تربطه بعالم ترامب، مثل قراره البقاء في فندق يملكه الأخير خلال زيارة رسمية مؤخراً إلى أيرلندا، وهنا قال الرئيس علناً إن ليس لديه علاقة بهذا الأمر، فيما كبير موظفي نائب الرئيس مارك شورت أكد أن ترامب اقترح فكرة الفندق على بنس. كما اضطر نائب الرئيس مؤخراً إلى أن يخرج الى العلن في تغريدة عبر "تويتر" يؤكد فيها أنه لم يعترض على اقتراح ترامب استضافة حركة "طالبان" الأفغانية في كامب ديفيد. ترامب لم يؤكد حتى الآن ما إذا كان بنس على اللائحة معه في الانتخابات الرئاسية العام المقبل، وهذا أمر مستغرب في التقليد السياسي الأميركي، لكن رسالة الرئيس لنائبه هي أن بقاءه في المنصب ليس مفروغاً منه، وعليه أن يثبت ولاءه مرة أخرى قبل حسم الموضوع، لا سيما أن هناك تقارير تشير الى أن صهر الرئيس جاريد كوشنر وابنته إيفانكا يحاولان إقناع الرئيس بترشيح امرأة بدلاً من بنس. 

الاتفاق الضمني بين ترامب وبنس هو توسيع صلاحيات نائب الرئيس في السياسة الخارجية والرعاية الصحية والحريات الدينية، مقابل ولاء بنس وتحشيده القاعدة الإنجيلية، وبهذه الطريقة يستعد الأخير أيضاً لاحتمال ترشحه للرئاسة بعد انتهاء ولاية ترامب. لكن هذا الاتفاق لا يمنع الرئيس من الشك المتواصل بولاء نائبه أو باستعداده لخلافته إذا نجحت إجراءات العزل، ومن هنا محاولات ترامب توريط بنس وآخرين في إدارته في دهاليز "أوكرانيا غيت". في المقابل، أكثر ما يخشاه بنس أن يظهر أمام القاعدة بأنه يسعى لتقويض رئيس شعبيته كبيرة بين مناصريه، وبالتالي يستمر في إطراء الرئيس والدفاع عنه علناً، لكنه لا يريد السقوط في مستنقع فضائح ترامب المستمرة التي تنعكس سلباً على صورته وعلى طموحاته السياسية.

في آخر استطلاع أجرته مؤسسة "كوينسي" هذا الأسبوع، رفض 90 في المائة من الجمهوريين عزل الرئيس وإقصاءه من منصبه. لكن إذا حصل هذا الأمر قبل انطلاق السباق الرئاسي رسمياً في شهر فبراير/شباط المقبل، ستؤدي رئاسة بنس على الأرجح الى تقويض فرص الجمهوريين بالفوز كما ستربك الديمقراطيين الذين بنوا كل حملتهم الرئاسية على العداء السياسي للرئيس. ومن هنا شعار ترامب الضمني لقاعدته "أنا أو الفوضى" كما تلميحاته بأن هناك "انقلاباً" وتحذيراته من "حرب أهلية" إذا نجحت محاولات العزل، في ظل شكوك في واشنطن أن ترامب قد لا يقبل بنتائج تحقيق الكونغرس في حال صوت على قرار عزله، ما قد يدخل البلاد في أزمة دستورية غير مسبوقة في التاريخ الأميركي.