شرقي الفرات: صراع على تل تمر وملامح عودة أميركية

شرقي الفرات: صراع على تل تمر وملامح عودة أميركية

أمين العاصي

avata
أمين العاصي
01 نوفمبر 2019
+ الخط -

تتصدر منطقة شرقي نهر الفرات واجهة المشهد السوري، إذ تشهد تطورات عسكرية وميدانية تشي بأن المنطقة مُرشحة لمزيد من المساومات السياسية بين القوى الفاعلة، خصوصاً مع استمرار الاشتباكات بين فصائل المعارضة السورية، المدعومة من الجيش التركي، وبين عناصر "الوحدات" الكردية، التي تحاول الحفاظ على بلدة تل تمر الاستراتيجية في ريف الحسكة الشمالي، في ظل عودة مفاجئة للقوات الأميركية إلى قاعدة عسكرية كانت أخلتها منذ أيام، ما يؤكد أن قواعد اللعبة في المنطقة الغنية بالنفط قابلة للتبدل.

واستمرت الاشتباكات العنيفة محتدمة أمس بين مقاتلي "الجيش الوطني" السوري و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في محيط بلدة تل تمر شمال الحسكة. وذكرت شبكات إعلام محلية أن "قسد" أرسلت تعزيزات عسكرية كبيرة إلى محيط البلدة إثر انسحاب قوات النظام منها مساء الأربعاء تحت وطأة ضربات "الجيش الوطني" التابع للمعارضة السورية. من جهته، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن هناك استياء شعبياً بعد انسحاب قوات النظام السوري من تل تمر ومناطق بريف الحسكة، مشيراً إلى أن "قسد" استعادت السيطرة على قرى رجلة وأبو راسين والحمرا والمناخ والسيباطية والقاسمية الواقعة على محور تل تمر وأبو راسين. وتعد مدينة تل تمر، ذات الحضور السكاني للمسيحيين السريان الآشوريين بالإضافة للعرب والأكراد، من البلدات الهامة في محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية، كونها تُعد عُقدة طرق، إذ يمر منها طريق الحسكة ــ رأس العين، كما يتفرع منها الطريق الدولي "إم 4" القادم من حلب إلى مدينتي الحسكة والقامشلي.

وتقع تل تمر إلى الشمال من مدينة الحسكة بنحو 40 كيلومتراً، وإلى الشرق من مدينة رأس العين بنحو 35 كيلومتراً، كما تبعد أقل من 30 كيلومتراً عن الحدود السورية التركية. وبحسب مصادر محلية، تنتشر قرى آشورية على الطريق الواصل بين تل تمر ورأس العين، وهي تل طويل، وتل جمعة، وتل كيفجي وتل قريبط، أما بقية القرى، وهي أم الكيف، والعريشة، والسودة، والصالحية، وأم العصافير، وتل ذياب، والسفح، والقصير، والحلبية، والأسدية، ومشرافة، كلها عربية، ما عدا الصالحية التي تعتبر مختلطة بين العرب والأكراد، وفق المصادر. ومن الواضح أن فصائل "الجيش الوطني" السوري تحاول توسيع نطاق سيطرتها شرقاً، بعد أن سيطرت في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي على المنطقة ما بين مدينتي تل أبيض في ريف الرقة الشمالي ومدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي بطول يناهز 100 كيلومتر، وبعمق يصل إلى 30 كيلومتراً.


في هذا الوقت، حاولت موسكو التقليل من أهمية الاشتباكات بين القوات التركية وقوات النظام السوري. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا توماس غريمنغر في موسكو، أمس الخميس، "عند تنفيذ الاتفاقات الكبرى على الأرض، فإن بعض الخشونة أمر لا مفر منه. لم أسمع عن تأكيد الاشتباكات الخطيرة المباشرة بين الجيشين السوري والتركي في منطقة معينة، حيث يتم تنفيذ اتفاق المذكرة الروسية التركية المؤرخة في 22 أكتوبر/تشرين الأول". واجتمع، أمس الخميس، وفدان عسكريان، روسي وتركي، في المنطقة الفاصلة بين بوابتي معبر الدرباسية الحدودي بين سورية وتركيا. ودخل الوفد العسكري الروسي إلى الجانب التركي عبر معبر الدرباسية، بعد جولة مطولة واستطلاع للوفد في القرى الواقعة بين مدينة الدرباسية وريف أبو راسين وزركان. يشار إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان أعلن، أخيراً، أن الدوريات العسكرية الروسية التركية ستبدأ اليوم الجمعة.

في موازاة ذلك، أفاد مراسل "العربي الجديد" في الحسكة أن رتلاً كبيراً من القوات الأميركية، مؤلفاً من عشرات المدرعات والحاملات، عبر مدينة تل تمر باتجاه الطريق الدولي "إم 4"، قادماً من منطقة قسرك قرب تل بيدر شمالي غرب الحسكة، مشيراً إلى أن القافلة الأميركية اتجهت إلى قاعدة صرين قرب عين العرب التي ما زالت تحت سيطرة "الوحدات" الكردية، ودخلتها أخيراً وحدات من قوات النظام السوري، وشرطة عسكرية روسية. وأضاف أن القوات الأميركية سيرت دورية في المنطقة الممتدة بين رميلان والقحطانية شرقي القامشلي، في كل من بلدات الجوادية وباب الحديد والمعبدة وقرية شبك، في أقصى الشمال الشرقي من سورية.

وتعد هذه أول دورية تسيّرها القوات الأميركية في المنطقة التي توجد فيها آبار وحقول نفط، أبرزها حقل رميلان، الذي يأتي في مقدمة حقول البترول في سورية من حيث الأهمية. وأعلنت الإدارة الأميركية أخيراً نيتها البقاء في المناطق التي تنتشر فيها آبار النفط في منطقة شرقي نهر الفرات، في ريفي الحسكة ودير الزور. من جهته، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان وصول 150 شاحنة وعربة عسكرية أميركية، إلى قاعدة صرين قادمة من منطقة تل تمر، وسط تحليق مكثف للطائرات الأميركية التي راقبت الرتل. وكان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أخلى، في العشرين من أكتوبر الماضي، قاعدة صرين بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب قوات بلاده من مناطق في شرقي الفرات. لكن يبدو أن واشنطن بصدد العودة مجدداً إلى القاعدة، في تبدل واضح للاستراتيجية الأميركية بعد قتل زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي منذ أيام.

في الغضون، سيّرت الشرطة الروسية، أمس الخميس، دورية عسكرية جديدة، هي السادسة من مدينة القامشلي باتجاه مدينة عامودا شمال الحسكة، في إطار الاتفاق الروسي التركي الذي أبرم في سوتشي في 22 أكتوبر. وقال شهود عيان، لموقع "سمارت" الإخباري المعارض، إن ثلاث آليات عسكرية للشرطة الروسية وسيارات لـ"قوات الأسايش" التابعة لـ"الإدارة الذاتية" الكردية انطلقت من مدينة القامشلي (75 كيلومتراً شمال مدينة الحسكة) باتجاه مدينة عامودا (68 كيلومتراً شمال مدينة الحسكة). ونصّ الاتفاق الروسي التركي على أن الشرطة العسكرية الروسية ستُخرج عناصر "قسد" وأسلحتهم حتى مسافة 30 كيلومتراً من الحدود التركية شرق الفرات، بالإضافة إلى إخراج جميع عناصر "الوحدات" الكردية، مع أسلحتهم من منطقتي منبج وتل رفعت في ريف محافظة حلب. ويواجه الاتفاق العديد من التحديات التي ربما تفرض وقائع جديدة تتجاوز مضمونه، ولكن ليس من المتوقع انهيار الاتفاق بشكل كامل والانتقال إلى مرحلة الصدام العسكري الشامل، على الأقل في المدى المنظور.

إلى ذلك، ذكر المرصد السوري أن اشتباكات جرت بعد منتصف ليل الأربعاء - الخميس في محيط قرية شركراك بالقرب من تل عيسى بريف الرقة الشمالي، مشيراً إلى أن "الجيش الوطني" السوري هاجم مواقع "قسد"، ما أسفر عن مقتل 8 عناصر من "الجيش" بعد وقوعهم في منطقة ألغام. ومن الواضح أن الجانب التركي يضع في الحسبان تطوير الهجوم في شرقي الفرات في حال عدم التزام "قسد" باتفاق سوتشي بين أنقرة وموسكو. وفي هذا الصدد، دعا وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، قوات بلاده المتواجدة في مدينة تل أبيض إلى التأهب والجاهزية التامة. وقال، في خطابه للقوات الموجودة في المدينة أثناء زيارة أجراها مساء الأربعاء الماضي إلى الحدود التركية السورية برفقة رئيس الأركان يشار غولر وقائد القوات البرية أوميت دوندار، "لم تستتب الأمور بعد هنا، ويمكن أن يحدث أي شيء في أي لحظة، وعليه ليكن الجميع على أهبة الاستعداد". وأكد أن الغاية الأساسية من وجود القوات التركية في سورية هي توفير أمن الحدود وسلامة المواطنين الأتراك القاطنين في المناطق الحدودية، و"عدم السماح بتأسيس ممر إرهابي في الشمال السوري"، مضيفاً، وفق وكالة "الأناضول"، أن "تركيا تسعى أيضاً إلى توفير الأمن للسوريين وإتاحة فرصة العودة الطوعية لهم إلى ديارهم".

إلى ذلك، لا يزال النظام السوري يناور في سعي للعب دور مهم في منطقة شرقي نهر الفرات، إذ حاول استمالة "قسد" إلى صفه، ودعا، أول من أمس، مقاتليها للانخراط في صفوف قواته. لكن "قسد"، التي تسيطر على نحو ثلث مساحة سورية وتعد القوة الضاربة في شرقي الفرات، رفضت عرض النظام، مطالبة بأن يتم في إطار تسوية سياسية، تحافظ على خصوصيتها. وقالت قيادة "قسد"، في بيان، "نثمن كل ما من شأنه توحيد الجهود للدفاع عن سورية وصد العدوان التركي على بلادنا، فإن موقفنا كان واضحاً منذ البداية، حيث إن وحدة الصفوف يجب أن تنطلق من تسوية سياسية تعترف وتحافظ على خصوصية قسد وهيكليتها، وإيجاد آلية سليمة لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية السورية تكون إطاراً جامعاً لتوحيد الجهود". وفي حادث لا يمكن عزله عما يجري في شرقي الفرات، قتل أمس الخميس تسعة أشخاص، وأصيب العشرات جراء انفجار سيارة مفخخة بالقرب من سوق رئيسي في مدينة عفرين بريف حلب الشمالي الغربي، شمالي غرب سورية. وتتجه أصابع الاتهام إلى "الوحدات" الكردية بالوقوف وراء التفجيرات التي تضرب منطقة عفرين التي طرد الجيش التركي المقاتلين الأكراد منها مطلع العام الماضي.

ذات صلة

الصورة

سياسة

شن جيش الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية عنيفة استهدفت كتيبة عسكرية ومستودعات أسلحة في محيط مطار حلب الدولي، ما أسفر عن سقوط 42 قتيلاً.
الصورة

سياسة

قُتل 40 شخصاً على الأقل، وجُرح العشرات، في إطلاق نار أعقبه اندلاع حريق، مساء اليوم الجمعة، في صالة للحفلات الموسيقية في ضاحية موسكو.
الصورة
تظاهرة ضد هيئة تحرير الشام-العربي الجديد

سياسة

تظاهر آلاف السوريين، اليوم الجمعة، مناهضة لسياسة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، ومطالبة بإسقاط قائدها أبو محمد الجولاني.
الصورة
تظاهرات في ذكرى الثورة السورية (العربي الجديد)

سياسة

خرجت تظاهرات في مدن وبلدات شمال غربي سورية اليوم الجمعة، إحياءً للذكرى الـ13 لانطلاقة الثورة السورية.

المساهمون