مآلات الثورة السورية.. ندوة في لندن لمنتدى التفكير العربي

مآلات الثورة السورية.. ندوة في لندن لمنتدى التفكير العربي

29 أكتوبر 2019
المشاركون يحللون أسباب الثورة (العربي الجديد)
+ الخط -
"يوم صرخ السوريون بعد صمت طويل، بعد صمت دام نصف قرن كلمة حرية، يوم رسموها على جدران درعا ودوما وبانياس ودمشق، يوم طيروا هذه الشعار على شكل بالونات في سماء دمشق، يوم وزعوها وروداً على جنود بشار الأسد، لم يكونوا يعرفون وقتها أن ثاني أكبر قوة في العالم ستحشد طائراتها وأساطيلها وجنودها لتأتي لتحارب هذا الحلم، لم يصدقوا كلام أنصار الأسد بأن الكل سيرحل ويبقى الأسد".

بهذه الكلمات افتتح الإعلامي السوري، وائل التميمي، الثلاثاء، الندوة الشهرية لمنتدى التفكير العربي في لندن، تحت عنوان "مآلات الثورة السورية"، والتي أدارها بحضور حشد كبير من المثقفين والناشطين السوريين والعرب المقيمين بلندن.
وقدم كل من برهان غليون المفكر السوري وأول رئيس للمجلس الوطني المعارض، وجلبير الأشقر الأستاذ بمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن تشخيصاً لحال الثورة السورية ومآلاتها.

مسار ثوري عربي طويل
واعتبر غليون أن ما يجرى في العالم العربي هو مسار ثوري طويل ومتجدد، تكمن أسبابه في فشل النظم العربية التي حكمت المنطقة العربية في استيعاب الثورة الصناعية، إذ حول ذلك الفشل الدول العربية كلها إلى دول ريعية، وفاقم من أزمات البطالة.
والسبب الثاني، بحسب غليون، هو الفشل في الثورة السياسية، حيث وفي لحظة تاريخية أصبح الشعب مصدر السلطة في العالم في القرن الثامن عشر والتاسع عشر لكن بقيت دولنا متخلفة، فالدولة الحديثة قوة هائلة لأن لديها جيشاً وأجهزة، وإذا لم تكن تحت إشراف الشعب فستكون أداة لاستعباده، وفي العالم العربي تحولت بحسب غليون الدولة إلى أداة للاستعباد في ظل عدم وجود أمة، وتتظاهر الشعوب اليوم لتقول إنها ليست في دولة للشعب وإنما في دول يملكها حكامها.
والنقطة الثالثة، وفقه، هي الثورة الإنسانية، لذا يصح وفق العوامل أعلاه اعتبار الثورة بأن الحراك العربي المتواصل هو رد فعل على كل تلك الإخفاقات والإحباطات، معبراً عن اعتقاده بأن العالم العربي حي ومتوقد ولأول مرة يدفع بنفسه نحو المستقبل.


الفرق بين المشرق والمغرب وسورية مثالاً
كذلك عبّر غليون عن رأيه بأن من حول الثورة السلمية في سورية إلى حرب وكارثة بشرية نادرة في التاريخ هو التقاء أربعة عوامل مع بعضها البعض: الأول هو نظام حكم عبارة عن عصابة بالمعنى الحرفي للكلمة، ليس نظاماً سياسياً بل نظام يترصد الشعب ويحضر منذ 40 سنة وينظم أدوات العنف وهو نظام في حالة حرب مع الشعب، بالمعتقلات والمخابرات، وجيش يتخندق حول المدن، وعندما قام الشعب لم تكن لدى النظام حدود للعنف، وبدأ مباشرة بممارسة القتل والقنص والقصف.
والعامل الثاني بحسب قراءة المفكر السوري للمشهد هو أن النظام السوري وعندما واجه الشعب وجد إلى جانبه نظاماً آخر لا يقل عنه استهتارا بحياة الناس بما فيه شعبه، فالنظام الإيراني ضحى بنصف مليون طفل، وفقاً لغليون، من أجل فتح طريق في حقول الألغام، وهو نظام قريب جداً وشبيه جداً لنظام بشار الأسد، وهدفه أن يصبح إمبراطورية عظمى وهذا النظام استطاع لعب دور لأن الأميركيين في حربهم على العراق وتدمير العرق في عام 1991 وثم 2003 فتحوا له الطريق لتحقيق أحلامه وتحقيق ما يسمونه "الهلال الشيعي"، وانهيار التوازنات الإقليمية لصالح إيران.
والعامل الثالث: هو أن الثورة جاءت في وقت استعادة الحرب الباردة زخمها، وأن الروس كانوا منزعجين جداً من الأميركيين، وأدركوا أن الأميركيين بدأوا الانسحاب من المنطقة جراء هزائمهم المتتالية، وبالتالي وضعوا كل قواهم في سورية.
واعتبر غليون هشاشة المجتمع المدني السوري وتفككه هي عامل رابع في فهم أسباب ما انتهت إليه الحالة السورية، وتلك الهشاشة تعني عدم وجود تنظيم على مستوى المجتمع "جمعيات، وأحزاب، ورجال دين..الخ"، داعياً السوريين إلى توحيد شتاتهم.
من جهته قال رئيس منتدى التفكير العربي، محمد أمين، بأن انعقاد هذه الندوة يأتي في سياق سعي المنتدى لفهم وتشخيص مآلات ثورات الربيع العربي، والتحول الديمقراطي في الدول العربية التي شهدت انتفاضات شعبية.
وعن أسباب إفراد المنتدى ندوة للأزمة السورية قال أمين إن اختيار الثورة السورية في ندوة المنتدى في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري جاء جراء تحول الأزمة السورية بشكل أو بآخر لقضية مغيبة عن أجندات الإعلام العربي والدولي، واقتصار التغطيات الإعلامية لما يجرى في سورية على الصراع الإقليمي والدولي حولها، فيما لا تتم الإجابة عن سؤال أساسي؛ ما هو مصير الثورة؟ وماذا تبقى منها؟ وكيف سرق حلم السوريين؟ وما تأثير الموجة الجديدة من الثورات والاحتجاجات العابرة للطوائف في دول عديدة ومنها المجاور لسورية على إعادة استنهاض زخم الانتفاض الشعبي من جديد في سياق رؤى وطنية موحدة.


دول تملكها عائلات
من جهته، عبّر الأستاذ بمعهد الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن، جلبير الأشقر، عن اعتقاده بأن السبب العميق للانفجار في العالم العربي هو اقتصادي اجتماعي يتجلى في كون المنطقة العربية كانت خلال العقود السابقة للانفجار تعاني معدلات نمو اقتصادي تعد الأكثر انخفاضاً مقارنة بقارتي آسيا وأفريقيا، وكان لها الرقم القياسي في البطالة، التي لها دور أساسي في الانفجارات الشعبية.
ووصف الأشقر الدول العربية بأنها دول تملكها عائلات تتصرف بالدولة كملك خاص، وتحول الأجهزة المسلحة لحرس عائلي، سواء نظم جمهورية أم ملكية.


وخلص الأكاديمي إلى أن ما جرى في 2011 كان بداية لصيرورة ثورية طويلة الأمد، معتبرا أن المسألة الأساسية هي طبيعة النظام الاجتماعي والاقتصادي، فلا يمكن أن تكون القوى الحاملة للتغيير لديها برامج لا تختلف عن برامج النظم الحاكمة.
وفيما يتعلق بسورية، قال الأشقر إن نظام الأسد يتميز بدرجة من الفظاعة والإجرام، لكن في نفس الوقت سوف نجد مثلها على امتداد العالم العربي عندما يهدد النظام، والأسوأ برأيه موجود في النظم الوراثية.
وقارن الأشقر بأن هذه النظم لن ترحل بشكل سلمي، ستقاتل حتى آخر جندي، وبالتالي كان وهماً كبيراً التخيل في بداية الثورة السورية بأنه يمكن أن يحصل في سورية ما حصل في تونس أو مصر، ففي الحالة المصرية الرئيس هناك هو نتاج للمؤسسة العسكرية وليس العكس. أما في حالات الأنظمة الوراثية فلا يمكن أن يحدث هذا أبداً، فتلك النظم تمسك بالنظام عبر الطائفة والقبيلة والعائلة، وبالتالي فهذه العملية ينبغي أن تكون حاضرة.


يذكر أن منتدى التفكير العربي هو منتدى فكري سياسي يعنى بالبحث في القضايا العربية، والتحولات التي تشهدها الساحات العربية المختلفة، خاصة تلك التي شهدت ثورات ومآلات التحول الديمقراطي فيها. وتأسس المنتدى بلندن في مارس/ آذار 2019 ويقوم عليه مجموعة من الصحافيين والناشطين العرب المقيمين في بريطانيا، ويرفع شعار: "التفكير الحر حق لكل مواطن عربي". وأصدر المنتدى عدداً من الكتب منها: "العرب وإسرائيل: مخاطر التطبيع والمطبعين".