اتفاق الرياض بعيون جنوبيي اليمن: ترحيب حذر بانتظار التطبيق

اتفاق الرياض بعيون جنوبيي اليمن: ترحيب حذر بانتظار التطبيق

28 أكتوبر 2019
يرحب مواطنون بأي اتفاق يرفع تسلط المليشيات(نبيل حسان/فرانس برس)
+ الخط -

تلعب الأحداث الأخيرة التي شهدتها عدن وباقي مناطق جنوب اليمن، بين الحكومة الشرعية من جهة، والإمارات وأتباعها من جهة أخرى، دوراً هاماً وحاسماً في أوساط الجنوبيين في التعاطي مع مسودة اتفاق الرياض بين الشرعية و"المجلس الانتقالي الجنوبي". إذ ينقسم الجنوبيون بين متخوّف من الآتي، وبين من يبحث عن سلام واستقرار واستعادة الحياة، في عدن تحديداً، تحت حُكم أي طرف، مع أن هناك أغلبية ترى أن عودة الحكومة وتفعيل الخدمات عامل مهم في قبول اتفاق الرياض، وهروب من المليشيات التي باتت تسيطر على عدن، مع أن كل من أنصار الطرفين ما زال يصوّر الاتفاق على أنه انتصار لفريقه.

وتطغى في الفترة الأخيرة على الشارع الجنوبي آمال كبيرة، في مقدمتها أن إنهاء الصراع بين الشرعية اليمنية و"المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً، قد يحل مشاكل كثيرة تعاني منها المنطقة منذ سيطرة أبوظبي ووكلائها على العاصمة المؤقتة عدن. ويقول طارق أديب، وهو صيدلي في عدن، لـ"العربي الجديد"، إن "هذا الصراع أصبح قاتلاً بالنسبة للمواطن في عدن، وإنهاؤه يعني إحياء الأمل عند الناس لإنهاء معاناة هذه المدينة التي تغرق في المجاري والصرف الصحي وانقطاع الكهرباء وغياب الأمن وتوقف كل الخدمات، إضافة إلى انقطاع رواتب الناس". ويضيف "المهم صدق النوايا في اتفاق الرياض، واختيار رجال حكم نظيفين وقادرين على حل المشاكل"، معتبراً أن "الانتقالي فشل في معالجة مشاكل الناس وحل الخدمات وتسليم الرواتب، منذ سيطرته على عدن، على الرغم من أن الإمارات تقف خلفه، ما جعل الناس يدعون صباحاً ومساءً لإنهاء هذا الصراع وعودة الحكومة إلى عدن".

أما في الضالع فيبدو الوضع مختلفاً، وهي المحافظة التي تُعد معقل "المجلس الانتقالي". ويعتقد الكثير من أبناء المنطقة أن "الانتقالي" والإمارات انتصرا، وأن من سيحكم عدن هو "الانتقالي" وأن الحكومة الشرعية انتهت، وبات كل شيء لصالح الجنوبيين. وحتى أن هذا الكلام ورد في بعض مساجد المدينة، ليبدو أن حملة "الانتقالي"، التي رافقت التسريبات ومهدت لتقبل الشارع مُخرجات الرياض، قد نجحت. ويرى ناشط في جنوب اليمن، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "اتفاق الرياض أنقذ الانتقالي من ورطة كبيرة، وهي تدهور حياة الناس حتى وصلت إلى مستويات لم تصلها أيام حرب الحوثيين على عدن. كما أنقذه من الاتهامات بالانتهاكات التي مارسها في مجال حقوق الإنسان، وأيضاً من تداعيات تهوره في إدخال الجنوب في صراعات داخلية، بدأت فيها عودة ذكريات التقطعات التي جرت في الحرب الأهلية المناطقية التي جرت في الجنوب من خلال اعتقال وفرز الناس من خلال الهوية". ويضيف أن "دخول هؤلاء ضمن الاتفاق، يعزز دورهم ويمكّن أبوظبي من استخدامهم كمعطّلين داخل الشرعية. وهذه طريقة تُعد خطرة، لأن الإمارات قد تُحمّل الشرعية مسؤولية كل الملفات والانتهاكات التي ارتكبتها أبوظبي مع وكلائها خلال الفترة الماضية. ولا يُستبعد أن تكون السعودية تدرك ذلك وهي من تضغط على الشرعية لتمرير هكذا اتفاق، مع أن الاتفاق منطقي في مضمونه إذا غلّب الجميع مصلحة المواطن والوطن".


من جهته، يرى الناشط في الحراك حميد الشعيبي، بحديثه لـ"العربي الجديد"، أن هذه الاتفاقية عززت من موقع "الانتقالي" على المستوى الداخلي والخارجي، وأصبح مؤثراً، كما أجبرت الشرعية على الجلوس معه وتحقيق الكثير من الأشياء، بينها المشاركة في صناعة القرار، وتمثيل الجنوب في أي مفاوضات مقبلة، وهذا بفضل دعم أبوظبي وتفهم السعوديين لمطالب أبناء الجنوب التي يمثلها "الانتقالي". وفي السياق، تقول المحامية إيمان صالح، لـ"العربي الجديد"، إن كل قطاعات الدولة، وكل الموظفين وشرائح المجتمع، خصوصاً في عدن والمدن الواقعة تحت سيطرة "الانتقالي" والإمارات، تُعد هذا الاتفاق مخرجاً للجميع، وعودة الحكومة هي مطلب كل الناس الذين يبحثون عن السلام والاستقرار وتوفير الخدمات وإعادة الحياة إلى طبيعتها، وتسليم رواتب الموظفين، والكثير من الأشياء التي لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود الدولة وعودة الحكومة إلى عدن، لأنها المسؤولة بشكل مباشر عن الشعب وحاجاته. وتضيف أن توقّف المحاكم والقضاء والنيابات أثّر على حقوق الإنسان، التي تزايدت خلال الشهرين الماضيين، ووصلت إلى مستويات خطيرة، ولن يوقف كل ذلك إلا وجود الدولة في عدن بمؤسساتها الرسمية.

قيادي في "الائتلاف الوطني الجنوبي"، فضّل عدم ذكر اسمه، يقول، لـ"العربي الجديد"، إن الاتفاق يُعد انتصاراً للجميع، فعودة الحكومة انتصار للمواطن الذي هو المتضرر الأكبر من هذا الصراع، والمواطن اليوم لم يعد قادراً على تحمّل بقاء الوضع على ما هو عليه، وكان يجب على الجميع أن يعي أن ضحية الاقتتال والصراع هو المواطن الجنوبي وقضيته، مضيفاً "الدولة يجب أن تكون مظلة للجميع، لا أن نسعى لتدميرها وجعلها عدواً، لأن هذا لا يخدم إلا الأجندة الخارجية. لذا ندعم عودة الحكومة إلى عدن بسرعة والقيام بواجبها، وعلى الجميع الالتزام بما جاء في الاتفاق".

مقابل ذلك، يتخوّف آخرون من أن يعزز الاتفاق دور أبوظبي و"المجلس الانتقالي" في البلاد. ويرى مسؤول في السلطة المحلية في حضرموت، طلب عدم ذكر اسمه، في حديث، لـ"العربي الجديد"، أن "الاتفاق يعزز وضع أبوظبي، من خلال اختراق أجهزة ومؤسسات الدولة، بما فيها الجيش والأمن، ما لم يكن هناك ضوابط حازمة من الشرعية ضد الدور الإماراتي وألا تعتمد على السعودية، لأنها هي من تسمح للإمارات بالقيام بهذا الدور". ويرى هذا المسؤول أن إفساح المجال لـ"المجلس الانتقالي" لـ"التحرك" بشكل أكبر ولعب أدوار مضاعفة، لا يعد أمراً صحيحاً، وعلى الشرعية ألا تقبل أي ضغوط سعودية تعطي الإمارات ووكلاءها أدواراً داخل الدولة تتجاوز حجمهم، كما حدث مع الحوثيين.

في المقابل، يُجمع مواطنون في عدن، في أحاديث لـ"العربي الجديد"، على أنهم مع عودة الحكومة إلى عدن، مرحبين بأي اتفاق من شأنه أن يحل مشكلتهم في عدن، ويرفع عنهم تسلّط جماعات ومليشيات غيّرت كل شيء في المدينة وحولته إلى الأسوأ. ويعتبر بعضهم أن المواطن في عدن والجنوب دفع ثمناً باهظاً لأن البعض كان يبحث عن مناصب. وفي المجمل يرى الكثير من أنصار الطرفين أن اتفاق الرياض مقبول بشكل عام ويجب دعمه، وبينهم صحافيون وشخصيات بارزة أيّدوا هذا الاتفاق. لكن هناك مخاوف حقيقية لدى مسؤولي الشرعية من أن السعودية والإمارات تريدان الانقضاض على ما تبقى من الشرعية، وتحت مسميات عدة. ويلفت اثنان من مسؤولي الشرعية، بحديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن الاتفاق جاء تحت ضغوط من الرياض، كانت تنصب على تمكين حلفاء أبوظبي، فيما كانت السعودية تتجاهل التشديد على عملية محاربة الحوثيين واستعادة الدولة، وفي مقدمتها استعادة العاصمة صنعاء.

المساهمون