شرق الفرات: العملية التركية تختبر الوعود الأميركية

شرق الفرات: العملية التركية تختبر الوعود الأميركية

19 أكتوبر 2019
حذرت تركيا من مواصلة الهجوم إذا لم ينفذ الاتفاق(Getty)
+ الخط -
منعطف جديد عرفته العملية العسكرية التركية في شمال سورية مساء الخميس، بعد اتفاق أميركي تركي على وقف لإطلاق النار لمدة خمسة أيام، يتم خلالها انسحاب القوات الكردية من منطقة بعمق 32 كيلومتراً، على أن يتوقف القتال خلال هذه الفترة، لتصبح العملية التركية أمام اختبار تنفيذ واشنطن لوعودها وإلزام "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) بالتراجع. وعلى الرغم من أن الأخيرة أعلنت التزامها بالاتفاق، لكن تبقى أمامه عثرات عدة، لعل أول مؤشراتها ظهر أمس باتهامات لأنقرة وحلفائها بمواصلة العمليات العسكرية صباح أمس في مدينة رأس العين، كما أن الاتفاق لا ينصّ صراحة على توقف القتال بالضرورة خارج "المنطقة الآمنة"، ولا يتطرق إلى دور النظام السوري والقوات الروسية.

وأعلنت أنقرة وواشنطن بعد محادثات مساء الخميس بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووفد أميركي برئاسة نائب الرئيس مايك بنس، عن اتفاق ينصّ على تعليق كل العمليات العسكرية شرقي الفرات لـ120 ساعة، وانسحاب القوات الكردية من منطقة بعمق 32 كيلومتراً، من دون أن يحدد طولها، تتحول في النهاية إلى "منطقة آمنة".
لكن أردوغان قال أمس إن العملية التركية ستتواصل بحزم أكبر في نهاية مهلة الـ120 ساعة إذا لم تلتزم الولايات المتحدة بوعودها. وفي كلمة له خلال استقباله ممثلي وسائل الإعلام الأجنبية في إسطنبول، أكد أن "إشكالية المنطقة الآمنة ستُحل إذا تمكّنت واشنطن من الالتزام بوعودها لنا لغاية انتهاء مهلة الـ120 ساعة مساء الثلاثاء المقبل"، موضحاً أن المهلة تشمل مغادرة تنظيم الوحدات الكردية لـ"المنطقة الآمنة"، ومشدداً على أن قوات بلاده الموجودة في الشمال السوري لن تغادر. وأكّد أن تركيا كانت قد أعلنت أصلاً أن عمق المنطقة الآمنة هو 32 كيلومتراً، وأن طولها هو 444 كيلومتراً من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق عند الحدود العراقية. وأضاف: "من ميزات اتفاقنا (مع الأميركيين) هي أن قواتنا الأمنية لن تغادر المنطقة". وأردف: "حصلنا على وعود من الجانب الأميركي بأن تكون هذه المرحلة تحت قيادة تركيا وبتعاون كامل بين الجانبين". وقال إنه يعتبر اللقاء المرتقب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الثلاثاء المقبل، عاملاً آخر في مرحلة تعليق العملية، معرباً عن أمله في أن يتم من خلال هذه اللقاءات إحلال السلام في المنطقة.

وكشف أنه أبلغ الرئيس الأميركي بالعملية التركية قبل ليلة من إطلاقها، معتبراً أن ردود الفعل على العملية كانت باهتة في أول يومين لأنه لم يكن متوقعاً أن تحرز تركيا نجاحاً. وأضاف: "عندما تبيّن أن تركيا ستستكمل العملية بنجاح تصاعدت ردود الفعل إلى مستوى يتجاوز حدود العقل والمنطق، وعلى الرغم من ذلك واصلنا العملية بحزم، ومواقف بعض البلدان وفي مقدمتها الولايات المتحدة وأوروبا تغيّرت إثر وصول قواتنا إلى عمق 30 كيلومتراً في منطقة العمليات خلال فترة قصيرة".

وقال إن تركيا أكثر من تصدّى بفاعلية لعناصر "داعش" في سورية، مضيفاً "نخطط لتأمين عودة مليون إلى مليوني لاجئ سوري إلى المنطقة الآمنة في شمال سورية". وحول لجنة صياغة الدستور السورية، قال أردوغان: "آمل أن تكون اللجنة الدستورية (السورية) التي ستعقد اجتماعها في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي بمدينة جنيف ميلاد مرحلة الحل السياسي في سورية". وأردف: "بمجرد اكتمال أعمال صياغة الدستور الجديد وضمان وحدة أراضي سورية ووحدتها السياسية ستنتقل جميع الأراضي إلى سيطرة الحكومة الشرعية (المقبلة) في هذا البلد".

وحول رسالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إليه، قال أردوغان: "لقد نُشرت في وسائل الإعلام رسالة للرئيس ترامب لا تتلاءم مع معايير اللياقة الدبلوماسية والسياسية، بالتأكيد لم ننس هذا الأمر وتجاهُلنا لهذه الرسالة غير صحيح، ولكن من باب الحب والاحترام المتبادل لا ينبغي علينا أن نُبقيها دائماً على الأجندة، ولا نعطي هذا الموضوع أولوية اليوم، ونودّ أن يعلم الجميع أننا سنقوم باللازم عندما يحين الوقت".
وفيما يتعلّق بالأنباء عن استمرار الاشتباكات في منطقة رأس العين أمس، قال أردوغان إن المعلومات التي حصل عليها من وزير الدفاع خلوصي أكار، تفيد بعدم وجود مثل هذه الاشتباكات. ووصف هذه الادعاءات بأنها تلاعب وتضليل.

من جهته، أعلن قائد "قسد"، مظلوم عبدي، مساء الخميس، استعداد قواته إلى التزام اتفاق وقف إطلاق النار، موضحاً أنه يشمل المنطقة الممتدة بين رأس العين وتل أبيض. وأضاف عبدي في حديث تلفزيوني أن الولايات المتحدة "مسؤولة عن عدم حصول تغيير ديمغرافي في المنطقة، فضلاً عن عودة سكانها إلى ديارهم". ولفت إلى أن الاتفاق محصور بالمنطقة الممتدة بين مدينتي تل أبيض ورأس العين، ولا يشمل بقية مناطق الشريط الحدودي. وأضاف أن مصير المناطق الأخرى الواقعة تحت سيطرة "قسد" شمالي شرقي سورية سيناقش لاحقاً.


وكان ترامب قد أشاد مساء الخميس باتفاق وقف إطلاق النار، معتبراً أنه "يوم عظيم للحضارة". وقال إنه سمح للقوات التركية والكردية بخوض معارك دامية لأن الطرفين يتصرفان مثل طفلين بحاجة لقتال بعضهما البعض. وتابع "الأمر الذي فعلته كان غير تقليدي. قلت يجب أن يتقاتلا لفترة قصيرة". وأضاف "مثل ولدين في باحة، ينبغي عليك أن تدع (الطرفين) يتقاتلان ثم تبعدهما عن بعضهما البعض". وتابع "تقاتلا لبضعة أيام وكان القتال شرساً". لكن الاتفاق لم يقنع بعض المشرّعين في واشنطن، وقال السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، "عدا عن إعطائه (الاتفاق) الأكراد فرصة للمغادرة كي لا يراق دمهم، لا يبدو أنه أحدث تغيراً في أي دينامية أشعر بالقلق إزاءها".

وفي سياق الانتقادات، اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن التدخل التركي في سورية "حماقة"، وتركيا ستكون المسؤولة في حال نهوض "داعش" من جديد، معتبراً ما حدث خلال الأيام الأخيرة في سورية خطأ جسيم من حلف الأطلسي والغرب. وأعلن أنه سيجتمع مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان بخصوص العملية العسكرية التركية في سورية "خلال الأسابيع المقبلة". وقال ماكرون إنه سيستغل قمة لحلف شمال الأطلسي في لندن في ديسمبر/ كانون الأول لمواجهة الرئيس التركي بخصوص العملية التركية.
من جهته، أعلن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك في أعقاب قمة لقادة الاتحاد الأوروبي أن الهدنة غير جادة، وطالب أنقرة بوقف عمليتها ضد القوات الكردية. وقال توسك للصحافيين "الوضع واضح جداً. ما أطلق عليه وقف إطلاق نار ليس ما توقعناه. في الحقيقة ليس وقفاً لإطلاق النار، إنه مطلب باستسلام الأكراد".

في المقابل، رحّبت ألمانيا بالاتفاق، وأعرب المتحدث باسم الخارجية الألمانية كريستوفر برغر، أمس، عن أمله في أن يتحول تعليق العملية التركية إلى وقف دائم لإطلاق النار. أما الكرملين فقال في وقت متأخر أمس الخميس إنه يتوقع الحصول على معلومات من تركيا حول الاتفاق.
ميدانياً، سيطر هدوء نسبي في مجمل مناطق الاشتباك بين "الجيش الوطني" السوري المدعوم من القوات التركية، والوحدات الكردية، بعد الاتفاق.

وعلى الرغم من الهدوء النسبي، تواصل القتال وعمليات القصف صباح أمس في مدينة رأس العين. كذلك شهد محور عين عيسى شمالي الرقة اشتباكات متقطعة بين الطرفين، وأعلن "الجيش الوطني" سيطرته على الطريق الدولي "ام 4" المار من بلدة عين عيسى، وذلك قبيل ساعات قليلة من إعلان وقف إطلاق النار.
واتهمت "قسد" تركيا بخرق اتفاق وقف إطلاق النار. وكتب مدير المركز الإعلامي لـ"قسد" مصطفى بالي على "تويتر"، "على الرغم من اتفاق وقف القتال، يواصل القصف الجوي والمدفعي استهدافه مواقع المقاتلين والمدنيين والمستشفى في رأس العين".

وفي الطرف الآخر، أقامت قوات النظام السوري نقاطاً عسكرية داخل مخيم للنازحين في بلدة عين العيسى، كما نصبت حاجزاً مشتركاً مع "قسد" على نهر الفرات. وفي إطار تحركات قوات النظام في تلك المنطقة، انسحب رتل لتلك القوات من شمال مدينة الطبقة غربي الرقة إلى مناطق سيطرة النظام جنوب المدينة. وجاء دخول قوات النظام إلى عين عيسى ومناطق في محافظة الحسكة ومدينتي عين العرب ومنبج، عقب اتفاق توصلت إليه "الإدارة الذاتية" الكردية مع روسيا والنظام السوري الأحد الماضي.

وتشير هذه التناقضات إلى المصاعب المتوقعة في تنفيذ الاتفاق الذي ينصّ على انسحاب "قسد" مسافة 20 ميلاً من الحدود التركية، تقول تركيا إن هذه المساحة ستشكل "المنطقة الآمنة" التي تزمع إقامتها، وهي تمتد من نهر الفرات إلى الحدود العراقية، لكن هذه المنطقة تشمل مدناً كردية رئيسية مثل عين العرب التي دخلتها قوات النظام، والقامشلي التي تسيطر عليها "قسد" مشاركة مع النظام. كما أن الاتفاق لا ينص صراحة على توقف القتال بالضرورة خارج "المنطقة الآمنة"، إذ تتواصل الاشتباكات حول مناطق مثل عين عيسى التي يسيطر عليها الأكراد بدعم من النظام، ولكنها قد تعتبر خارج "المنطقة الآمنة". كما أن الاتفاق لا يتطرق إلى دور النظام السوري والقوات الروسية، وهو أمر قد يكون متعمداً، إذ قد تحل القوات الروسية مكان القوات الأميركية في مراقبة عدم الاحتكاك بين الوحدات الكردية والقوات التركية في بعض المناطق مثل منبج وعين العرب.