ترامب مُشعل الحرائق والإطفائي

ترامب مُشعل الحرائق والإطفائي

15 أكتوبر 2019
ترامب بدا وكأنه يلعب دور مُشعل الحريق والإطفائي(وين ماكنامي/Getty)
+ الخط -
مرّ أسبوع على قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الانسحاب من شمال سورية، وعلى العملية التركية التي أعقبته. خلاله تبدّل موقف البيت الأبيض بصورة متضاربة ست مرات. بدأ بإعطاء الضوء الأخضر لأنقرة، لكن بعد 3 أيام فرض عليها عقوبات، ثم تحدث عن وساطة دبلوماسية أميركية، بعدها دعا إلى وقف الهجوم. وفي الوقت ذاته، أوعز بسحب كل القوات الأميركية من سورية، وأخيراً قرر إيفاد نائبه مايك بنس إلى أنقرة للبحث عن مخرج، مع التهديد بتدمير اقتصاد تركيا. ما بدا وكأنه يلعب دور مشعِّل الحريق والإطفائي في آن. ومع أن تقلباته جرت على إيقاع موجة الاعتراض الواسع على قراره الخاص حول سورية، إلا أن التخبط بهذه الصورة أثار الحيرة والشكوك.

من التفسيرات أن انسحاب ترامب جاء ثمرة لفوضى السياسة السائدة في الإدارة. غياب عملية التشاور والتنسيق بين الدوائر المعنية بالشؤون الخارجية وقضايا الأمن القومي، محكوم بأن ينتهي إلى قرارات "متسرعة". ومع أنها ليست المرة الأولى التي يتفرد فيها البيت الأبيض بالقرار الخارجي، غير أن هذا الانسحاب أثار أكثر من غيره "غضب البنتاغون وذهول الخارجية، ما عدا الوزير مايك بومبيو". خشية هذه الجهات مزدوجة: أن البيت الأبيض أطاح صدقية التحالفات الضرورية "للحفاظ على الدور القيادي الدولي الأميركي"، وأن انسحابه "لا بد أن يؤدي إلى عودة داعش"، حسب وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس.

مثل هذه التداعيات تثير مخاوف المرجعيات والنخب وحتى المقربة من الرئيس ترامب، والتي سارع بعضها إلى دق جرس الإنذار وبلهجة متشائمة من عواقب الممارسة الحالية التي تتسم "بالفوضى والتسرع والاستخفاف"، كما وصفها وليام بيرنز نائب وزير الخارجية السابق والرئيس الحالي لمؤسسة "كارنيغي للدراسات والأبحاث" في واشنطن.

لكن ثمة من يرى أن في الأمر ما هو أبعد من الفوضى والغلطة المنهجية، ولو أن البيت الأبيض حاول الظهور بمظهر الحريص على الاستدراك. فقرار الانسحاب حسب فئة من المحللين والمسؤولين السابقين، جاء كدور مرسوم في لعبة جيوسياسية معقدة وكبيرة في المنطقة. قد يكون ترامب حسب ما تردد، أراد في جانب من خطوته صرف الأنظار والأضواء عن كرة ثلج أوكرانيا ــ غيت التي تكبر يوماً بعد يوم، فوقع في خطأ الحسابات. لكن مثل هذا الترويج ربما كان لتضييع الأثر وتشويش الصورة لحجب حقيقة أن قرار انسحاب ترامب أتى عن عمد ليخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما تقول واندي شيرمان معاونة وزير الخارجية سابقاً والتي ذهبت إلى حدّ طرح علامة استفهام حول ما إذا كان للرئيس الروسي "ممسَك على الرئيس ترامب"؟ غمز سبق ورددته جهات أميركية إعلامية وسياسية، لكن من دون تدعيم زعمها بالأدلة وهو كلام خطير وسط أجواء أميركية مأزومة كما لم تكن عليه في ما مضى.

الآن التصويب على زيارة نائب الرئيس بنس إلى تركيا. البيت الأبيض بدأ يميل تحت الضغط الداخلي نحو وقف التدهور. لكن سياسة الفوضى الطاغية على القرار لا تدعو إلى التفاؤل. ثم إن التحرك في هذا الاتجاه يأتي متأخراً، لأن عملية تعديل الخرائط، قد انطلقت في المنطقة. فالمعادلة الجديدة بدأت أضلاعها ترتسم بقيادة المايسترو الروسي وصعود الدور التركي مع علامة استفهام حول الحضور الإيراني في سورية. يقابل ذلك خروج أميركي على حساب الأكراد، الخاسر الأول، وسورية الخاسر الأكبر، في نهاية المطاف وحتى إشعار آخر.

ويذكر أن هناك حديثاً بأن جانباً هاماً من زيارة بنس يتعلق بالعمل على "ضمان أمن الأسلحة النووية التكتيكية الأميركية المخزونة في قاعدة إنجرليك الجوية التركية". لكن لا يبدو أن التوتر وصل إلى الخط الأحمر بين أنقرة وترامب الذي ليس في وارد سحب الضوء الأخضر وإلا لما كان قرر سحب كامل القوات الأميركية من سورية.