مجلس النواب الأردني يفقد ثقة المواطنين: صورة هزيلة وضعيفة

مجلس النواب الأردني يفقد ثقة المواطنين: صورة هزيلة وضعيفة

14 أكتوبر 2019
تدنت ثقة الأردنيين ببرلمانهم (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

بات من الواضح أن مجلس النواب الأردني لم يعد يحظى بثقة المواطنين، ولم يبقَ من يراهن على دوره في إحداث تغيير حقيقي في الواقع السياسي المحلي، بعد انكشاف ضعفه في العديد من اللحظات الفاصلة خلال الفترة الأخيرة، ومنها أزمة إضراب المعلمين، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وغياب فاعليته السياسية. وما عدا معارضته لاتفاقية الغاز مع إسرائيل، فإنه لا أثر يذكر لمجلس النواب الأردني على أرض الواقع.

وليس تراجع ثقة المواطنين بالمجلس مجرد انطباع عابر، بل بات حقيقة دامغة. فوفق استطلاع رأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، ونشرت نتائجه في يونيو/حزيران الماضي، فإن 16 في المائة من الأردنيين فقط يثقون بمجلس نوابهم، وهذه الأرقام تأتي تأكيداً لدراسة استقصائية أخرى أعدتها شبكة "الباروميتر العربي" البحثية، أظهرت أنّ الثقة الشعبية بالبرلمان الأردني شهدت انخفاضاً كبيراً خلال الفترة الأخيرة، لتبلغ نسبة 14 في المائة فقط من الأردنيين، فيما قال 16 في المائة منهم إن لديهم ثقة ضئيلة ببرلمانهم، فيما أكد 68 في المائة أنهم لا يملكونها.

وفي هذا الإطار، رأت عضو كتلة الإصلاح في مجلس النواب، حياة المسيمي، أن انتخاب النائب بناءً على خلفيته الخدماتية يختلف عن اختياره بناءً على خلفيته السياسية. فهناك فرق بين النائب الذي يشرّع ويراقب، وذاك الذي يوظف ويقدّم المساعدات، لافتة إلى أن ضعف المجالس السابقة أسهم في تشكيل مجلس خدماتي لا تشريعي، ما أثر مباشرةً بصورة المجلس.

وأوضحت المسيمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قانون الانتخاب أدى إلى وصول نواب خدمات تحت قبّة المجلس، لا نواب أصحاب برامج، وأصبحت الخدمات التي يقدمها النائب هي ما يحكم أداءه بالدرجة الأولى، علماً أن تحصيل الخدمات يكون بالعادة من طريق إرضاء الحكومة والوزراء، وهذا يضعف بالنتيجة موقف النائب أمام الحكومة، ويمنعه من اتخاذ مواقف قوية، معتبرة أن المجلس النيابي يجب أن يركز على دوره الرقابي والتشريعي.

وأشارت المسيمي إلى أن العديد من نواب البرلمان الأردني يحاولون وضع أنفسهم في صف الحكومة، لا في صف من انتخبهم، معتقدين أن واجبهم هو الدفاع الدائم عن أداء السلطة التنفيذية، ما يصبّ برأيهم في مصلحة الوطن، متناسين أن انتخابهم جاء من الشعب، وأن المصلحة الوطنية تقتضي وقوفهم إلى جانبه، لا إلى جانب من عليهم مراقبته ومتابعة أدائه.

وفي هذا السياق، لفتت عضو البرلمان الأردني إلى أن الإعلام المحلي لعب دوراً في تسليط الضوء على عيوب المجلس، ما أثر في ثقة المواطنين به، معتبرة أن تحسين هذه الثقة يتطلب تغيراً حقيقياً في الأداء على الأرض، ومشددة على أنه في حال مناقشة قانون انتخاب جديد، فعلى أعضاء البرلمان الخروج بواحدٍ يأتي بنواب برامج.

من جهته، رأى النائب نبيل الغيشان، أن مشكلة مجلس النواب تكمن في أدائه الرقابي الذي كان قاصراً، على حدّ قوله، مؤكداً أن "للناس الحق في انتقاده". وذكّر بأن المشاركة الشعبية في الانتخابات الماضية بلغت فقط نسبة 37 في المائة من الناخبين، وهي نسبة متدنية تعني غياب الثقة بالعملية الانتخابية برمتها، مرجّحاً أن تتحسن الصورة في حال مشاركة الجميع بكثافة في الانتخابات المقبلة، وذلك مشروط بحسن الاختيار بعيداً عن الثقافة العشائرية، وظاهرة بيع  الأصوات وشرائها، على حدّ قوله.

واعتبر الغيشان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن غياب الثقة بالمجلس لم يؤثّر فقط في السلطة التشريعية، بل على السلطات الأخرى، ومنها التنفيذية، وحتى على الدولة بجميع مؤسساتها. وطالب النائب الأردني بتعديل قانون الانتخاب، مع تفعيل الرقابة بشكل أكبر على المال الانتخابي ومحاربة ظاهرة بيع الأصوات وشرائها، وفسح المجال بشكل أوسع أمام الأحزاب للمشاركة في الانتخابات. وعلى الرغم من قيام المجلس بدور مهم في التشريع، بحسب رأيه، إلا أن هذا الدور لم يلمسه المواطنون بشكل مباشر وسريع، من خلال إجراء تعديلات على بعض القوانين والتشريعات ممكن وصفها بالنقلات النوعية.

إلى ذلك، أكد الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية، الأستاذ الجامعي خالد شنيكات، أنه "إذا ما استمر مجلس النواب في أدائه الحالي، فإن ذلك سينعكس سلباً على إقبال الناس في الانتخابات المقبلة".

وأوضح شنيكات في حديث لـ"العربي الجديد"، أن من أسباب فقدان الثقة الشعبية بالمجلس أداءه الهزيل، إذ لم يظهر قطّ بصفة صانع القرار في القضايا الحاسمة الاقتصادية والمجتمعية، ومنها إضراب المعلمين الأخير، إضافة إلى فشله في خلق تأثير حقيقي في قضايا الفقر والبطالة. واعتبر أن للمجلس ضعفاً مؤسساتياً، فالكثير من أعضائه جاؤوا من خلفيات غير سياسية أو حزبية، ما حرمهم القوة والدافعية للقيام بواجبهم، كذلك فإن غالبيتهم لا يملكون الخلفية الكافية لآلية صنع القرار، فيما ترى نسبة كبيرة من المواطنين أن من يمثلونهم في البرلمان يبحثون عن مصالحهم الخاصة.

ولفت إلى مساهمة الإعلام في تكوين صورة ذهنية سلبية عن مجلس النواب، سواء من خلال نشر معلومات صحيحة عنه في أغلب الأحيان، وأحياناً عبر بثّ معلومات مغلوطة، مشيراً إلى أن أداء المجلس دفع البعض إلى اعتبار دوره شكلياً وبروتوكولياً، في ظل ضعفه وتبعيته للحكومة والتزامه قراراتها في الكثير من الأحيان، خصوصاً في ظلّ خشية بعض النواب من حلّ المجلس.

واعتبر شنيكات أن السلوك الشخصي للعديد من أعضاء المجلس، الذي لا ينسجم مع دور النائب بوصفه ممثلاً للأمة، تضاف إليه تصرفات شخصية كالمشاجرات داخل المجلس، وما تسربه بعض مواقع التواصل حول الحياة الخاصة للنواب، وغياب الكثير منهم عن جلسات المجلس، كلّها عوامل صبّت في فقدان الثقة بالمجلس، وأظهرت أن العديد من النواب لا يفعلون سوى البحث عن مصالحهم الشخصية. ولفت شنيكات في هذا الإطار إلى وجود بعض النواب، حتى من أصحاب الشعبية، الذين يظهرون ضعفاء، إذ إنهم بدلاً من العمل البرلماني الجاد، يحاولون المشاركة في نشاطات واحتجاجات شعبية، فيما المطلوب القيام بدور سياسي تشريعي، مستغلين قدرتهم على المحاسبة وفق الدستور.