الجولة الثانية من الرئاسيات التونسية: المعادلة الصعبة للأحزاب

الجولة الثانية من الرئاسيات التونسية: المعادلة الصعبة للأحزاب

11 أكتوبر 2019
دعت الأحزاب الرابحة في التشريعية لدعم سعيّد(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تدخل تونس، اليوم السبت، مرحلة الصمت الانتخابي في الداخل، للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التي تجري غداً الأحد، ويتنافس فيها كل من قيس سعيّد ونبيل القروي، بينما يتواصل التصويت في الخارج، الذي انطلق مساء الخميس. وسيطرت النقاشات على مجرى حياة التونسيين في المقاهي والإدارات والأسواق والبيوت، خصوصاً بعدما قررت السلطات التونسية في ربع الساعة الأخير إنقاذ الحملة الانتخابية الرئاسية بإطلاق سراح القروي، ليتابع التونسيون على مدى يومين فقط حملة رئاسية بدت غريبة، بعد وجود أحد المرشحين في السجن وامتناع الثاني عن القيام بحملة انتخابية لأسباب أخلاقية.

وبدت الحيرة واضحة لدى أغلب الأحزاب التونسية، بين داعٍ إلى المقاطعة والامتناع عن إبداء موقف واضح، خصوصاً لدى الأحزاب الخاسرة رئاسياً وتشريعياً، وبين موقف الأحزاب والشخصيات الرابحة الداعمة بمعظمها لسعيّد. وبدا التناقض واضحاً وجلياً بين الأحزاب اليسارية، إذ اعتبر حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحد" أنه تحتّم عليه الاختيار بين نبيل القروي الذي "يمثّل المنظومة القديمة ولوبياتها الفاسدة" وقيس سعيّد الذي يختلف معه في جملة من القضايا. وأفضى التداول داخل الحزب، إلى الدعوة للتصويت لصالح سعيّد في الدور الثاني من الرئاسية. وفسر القيادي في الحزب أيمن العلوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن النقاش داخل "الوطنيين الديمقراطيين الموحد" أقر بأن المرشحين نبيل القروي وقيس سعيّد هما تمثيل لاختيار الشعب التونسي إثر انتخابات ديمقراطية، وأن الحزب مُلزم بتقديم موقف إزاء ما يحدث في الشأن السياسي، بالنظر إلى أن القروي، ابن المنظومة القديمة ذات الارتباطات المشبوهة بالفاسدين والمخالفة للسيادة الوطنية واستقلال القرار السياسي في البلاد. ووصف الاختلاف مع القروي بالجذري والمناقض لمبادئ الحزب. وأضاف العلوي "وإن لم يكن سعيّد متماهياً في طرحه مع الوطنيين الديمقراطيين الموحد، فإن الاختلاف معه في ما يتعلق بالحقوق والحريات ومدنية الدولة، ونقاط الاستفهام حول هذه الرؤى، لا يحول دون مساندته من قِبل الحزب، طالما يلتقي معه الحزب في نقاط أخرى، على غرار العدالة الاجتماعية والموقف من سيادة البلاد، والموقف من القوى الاستعمارية التي تريد السيطرة والهيمنة على البلاد".

وعلى النقيض، اعتبر حزب العمال أن الموقف الأسلم يتمثل في مقاطعة التصويت في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية. وبرر الحزب موقفه بما اعتبره تهرباً من قبل هيئة الانتخابات من تحمّل مسؤوليتها إزاء الخروقات الجسيمة واستعمال المال الفاسد وشراء الذمم. أما في ما يتعلق بالمرشحين للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، فإن حزب العمال اعتبر أنهما لم يقدّما مشروعاً يوفّر الحدّ الأدنى من الضمانات لحماية السيادة الوطنية وصيانة مكتسبات الشعب التونسي الديمقراطية، وتحقيق ولو جزء من مطالبه الملحّة. وأشار في بيان، إلى أن "هناك شبهات فساد وتهرب ضريبي وتبييض أموال، أو علاقة بمحيط تخترقه قوى التطرف المعادية للدستور وقيم الحرية والمساواة والمهادنة للإرهاب، إضافة إلى ما نشر من معلومات حول لجوء بعض الأحزاب والقوائم إلى خدمات شركات ضغط أجنبيّة مشبوهة ومنصات رقمية عالمية لتوجيه الناخبات والناخبين، وأن هذه الأمور تمثل انتهاكاً للسيادة الوطنية وتلاعب بالعملية الانتخابية".




من جهته، أعلن حزب "تحيا تونس"، الذي يرأسه رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الحياد في الدور الثاني. وقرر المجلس الوطني للحزب ترك حرية المبادرة لأنصاره للاختيار بين المرشحين الاثنين كل وفق قناعاته، لأن "المعركة الانتخابية ليست معركتنا"، على حد تعبير أحد قياداته. أما حركة "مشروع تونس" فاختارت مبدأ "حريّة التصويت لمناضلاتها ومناضليها في الدور الثاني من الرئاسيّات، وذلك من منطلق احترام إرادة الناخبين"، وفق بيان صادر عن الحركة. وكانت قيادات من "نداء تونس" قد أكدت في تصريحات متواترة، أن الحزب سيكون محايداً، ولن يدعم أي مرشح في الدور الثاني، على الرغم من الحديث عن تقارب كبير بينها وبين القروي ورغبتها في أن يفوز بالانتخابات.

أما حزب "الأمل" فأعلن أمس عن مساندته للقروي، داعياً أنصاره والمتعاطفين معه إلى انتخابه "من أجل خلق التوازن بين مؤسسات الدولة وطمأنة التونسيين من هاجس التغوّل والحفاظ على الاستقرار السياسي في البلاد". وأوضح الحزب، في بيان حمل توقيع رئيسته سلمى اللومي، أن قراره "جاء بعد تداول ونقاش هياكله وبناء على البرنامج الذي أعلنه القروي والذي يمنح الأولوية للملفين الاقتصادي والاجتماعي ولانتصاره لقضايا الحريات والإصلاح ومكاسب المجتمع التونسي وحقوق المرأة وحرية الإعلام"، معتبراً أن برنامج سعيّد "غامض" وأن "الحزام المحيط به يمثّل خطراً على المشروع الوطني وعلى تماسك الدولة واستمرارية مؤسساتها".

ولئن كانت الأحزاب الخاسرة حائرة ومترددة بشأن الدور الثاني، فإن الأحزاب الرابحة التي جاءت في المراتب الأولى في التشريعية حسمت موقفها بوضوح، ودعت صراحة إلى دعم سعيّد. ودعا حزب "التيّار الديمقراطي" التونسيين "المتحمسين لحماية المسار الديمقراطي، ولتكريس دولة القانون، للتصويت للمرشح قيس سعيّد في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية". كما طالب، في بيان، كافة أنصاره بالمشاركة في الدعاية له بكل الوسائل القانونية قبل الصمت الانتخابي. كما أعلنت حركة "الشعب" عن دعمها لسعيّد، داعية "كل المجموعات الشبابيّة والقوى المؤمنة بقيم الثورة والتغيير، وبمحاربة الإرهاب والتكفير والإقصاء والولاء للأجنبي، أن تلتفّ حوله". أما حركة "النهضة" فجددت دعوتها إلى "كل التونسيين ومناضليها وأنصارها إلى المشاركة المكثفة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية والتصويت لسعيّد"، بحسب بيان للحركة.

وحصد سعيّد دعم كثيرين أيضاً من الوازنين في المشهد الانتخابي التونسي الجديد، كالمرشح للرئاسيات في الجولة الأولى الصافي سعيد، ورئيس حزب "التيار الشعبي الجمهوري" لطفي المرايحي، وسيف الدين مخلوف، عن "ائتلاف الكرامة"، وغيرهم. وإذا تجمّع أنصار كل هؤلاء فعلاً وراء هذه الدعوات، فسيكون من الصعب تصوّر قلب المعادلة من قبل القروي، إذ إن جمع أصوات كل هؤلاء سيؤدي إلى حصول سعيّد على مجموع 57 في المائة بيسر شديد، من دون احتساب أصوات الأحزاب المحايدة التي تصل إلى نحو 10 في المائة. ويحصل سعيد أيضاً على دعم نحو 110 نواب من دون احتساب أصوات المستقلين، في حين أن أحداً لم يعلن عن دعم القروي صراحة.

وأمام هذا الوضع، يعوّل القروي على قلب المعادلة شعبياً وليس سياسياً. وخرج في حوار تلفزيوني، الخميس الماضي، يرد على الاتهامات الموجّهة إليه، ويبعث برسائل إلى الجميع، خصوصاً لما يسمى بالعائلة الديمقراطية، معتبراً أنه مرشحها الطبيعي وأنه الأقدر على إحداث توازن مع حركة "النهضة" وحلفائها من العائلة الإسلامية، بينما ينتظر فرصة المناظرة التلفزيونية لمحاولة إحداث فرق جوهري في السباق. كما أكد القروي، في اجتماع شعبي صباح أمس الجمعة، في بنزرت، شمال تونس، أنّه سيعمل "على تجميع التونسيين وخلق التوازن"، ويرغب أن "تصبح تونس مفتوحة على أوروبا وأفريقيا وجلب الاستثمار"، داعياً مناصريه إلى ما وصفها بـ"ثورة الصندوق''، "وتوحيد القلوب". وأعلن أنّه يعوّل كثيراً "على أصوات النساء والفقراء والأشخاص الذين فقدوا فلذات أكبادهم"، معتبراً أنّه "حان الوقت أن تلد بنزرت والشمال رئيساً... ولا تفصله سوى مسافة قصيرة لتحقيق هذه الفرصة التي ننتظرها منذ 60 سنة''، على الرغم من أنّه "ليس من أنصار الجهويات"، حسب تعبيره.