"فضيحة أوكرانيا": تحول مفصلي في المعركة الرئاسية الأميركية

"فضيحة أوكرانيا": تحول مفصلي في المعركة الرئاسية الأميركية

02 أكتوبر 2019
يخشى ترامب انشقاقات إضافية بصفوف الجمهوريين (جابين بوستفورد/Getty)
+ الخط -
لا يزال يتفاعل في واشنطن قرار الحزب الديمقراطي إطلاق إجراءات عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الكونغرس، إذ يطغى هذا التحوّل المفصلي في ولاية الأخير على حسابات السباق الرئاسي، ويترك تداعيات على الدينامية داخل الإدارة الاميركية، ويعمّق الخلافات الحزبية في معركة مفتوحة الأفق بين الليبراليين والمحافظين. 

وما لبث أن نجا ترامب من تحقيق روبرت مولر حول تواطؤ حملته مع الكرملين وسعيه الرئاسي لعرقلة العدالة في هذا الملف، حتى أدخل نفسه مجدداً في قفص الاتهام عبر استغلال منصبه مرة أخرى لأهداف سياسية وانتخابية. محور هذه القضية لا يزال الاتصال الذي أجراه الرئيس الأميركي مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في شهر يوليو/ تموز الماضي، طالباً منه التحقيق في قضية تعيين هانتر بايدن، ابن نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، في مجلس إدارة شركة الغاز الأوكرانية "بوريسما". وتفتح هذه القضية ملف نفوذ واشنطن الواسع النطاق في أوكرانيا وانعكاساته على الحياة السياسية الأميركية.


خلال الأسابيع المقبلة، ستتحول الأنظار إلى الكونغرس، حيث ستنعقد جلسات استماع عاصفة في مجلس النواب، وسيتعزز الغضب المتبادل في الخطابات الحزبية، ما قد يشل العمل التشريعي في "كابيتول هيل" وفي واشنطن بشكل عام. لجنة الاستخبارات في مجلس النواب نجحت في ضمان الاستماع إلى شهادة المسؤول المجهول الهوية في وكالة الاستخبارات المركزية "سي أي إيه" الذي أطلقت شكواه السرّية حول اتصال ترامب مع نظيره الأوكراني كل هذه الاستجوابات الحالية، كما ينتظر أن يتم الاستماع إلى المفتش العام في وكالة الاستخبارات مايكل أتكينسون، الذي اعتبر أن ما فعله ترامب انتهاك جدي في استغلال السلطة، وبالتالي قرر المضي قدماً في إحالة هذه الشكوى إلى المعنيين.

هذه الفضيحة فرضت على رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي التخلي عن ترددها في إطلاق إجراءات العزل، وأعطت الديمقراطيين ما يكفي من الذخيرة لشن هذه المعركة ضد الرئيس، لكن بيلوسي تفضل تحقيقاً سريعاً في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب بدل خوض معركة إجراءات العزل التي تبقى غير ممكنة على المستوى السياسي في ظل تمتع ترامب بدعم الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ.

يحاول الديمقراطيون أيضاً توسيع التحقيق أبعد من ترامب، ليطاول مسؤولين بارزين في إدارته، مثل وزير العدل وليام بار الذي يسهل مصالح الرئيس، وحتى وزير الخارجية مايك بومبيو الذي اتضح أنه كان حاضراً خلال الاتصال موضع الجدل بين ترامب ونظيره الأوكراني، وبالتالي قد يغير بومبيو حساباته خشية تداعيات هذا التورط في "فضيحة أوكرانيا" على طموحاته السياسية. كما يسعى الديمقراطيون إلى استدعاء محامي ترامب، رودي جولياني، الذي كان قناة اتصال الرئيس مع المسؤولين الأوكرانيين لحثهم على التحقيق في قضية عائلة بايدن. 

في المقابل، ينصب تكتيك ترامب وفريقه على كشف هوية مسؤول الاستخبارات الذي قدم الشكوى ضد الرئيس، وذلك لدعم السرد الذي يقول إن من وراء هذا التسريب "الدولة العميقة" ومزاجها الديمقراطي الذي يريد إقصاء الرئيس لأسباب حزبية. ترامب وصف هذا المسؤول بأنه "أشبه بجاسوس"، وبالتالي فهو يحاول ترهيب المسربين من داخل الحكومة الفدرالية على الرغم من أن المسؤول الاستخباري المعني اتبع الإجراءات القانونية في رفع الشكاوى بدل التسريب إلى الإعلام. وينص القانون الفدرالي على أن من واجبات الرئيس حماية المسؤولين الفدراليين الذين يتقدمون بشكاوى من هذا النوع. كما يحذر ترامب ضمنياً من تداعيات محتملة خطيرة لهذه المعركة، وذلك بعدما أعاد تغريد رسالة تتحدث عن حرب أهلية محتملة، وهذا أمر مستبعد بطبيعة الحال، لكن يندرج ضمن تكتيك الرئيس لتخويف الديمقراطيين من التداعيات السياسية لمحاولة عزله.

كما يركز الرئيس الأميركي هجومه أخيراً على رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب آدم شيف الذي يقود هذه المواجهة في الكونغرس. وتساءل ترامب عبر تغريدة على "تويتر" عما إذا كان يجب اعتقال شيف بتهمة "الخيانة". إصرار الرئيس على التركيز على البعد الحزبي لهذه المعركة ينعكس سلباً عليه، لا سيما أن آخر استطلاع مشترك لقناة "إيه بي سي" ومؤسسة "إيبسوس" يشير الى أن 63 في المائة من الأميركيين يعتقدون أن "فضيحة أوكرانيا" مسألة جدية يجب التعامل معها. كما يستمر ترامب في استغلال موقعه لغايات سياسية، إذ أعادت وزارة الخارجية فتح التحقيق في استخدام المرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون لحسابها الإلكتروني الخاص خلال توليها وزارة الخارجية، فيما تستمر وزارة العدل في التحقيق بشأن كيفية انطلاق تحقيق التواطؤ بين حملة ترامب والحكومة الروسية. وتسرب في الإعلام أن الرئيس الأميركي طالب أيضاً المسؤولين الأستراليين بالمساعدة في التحقيق بهذا الملف.

ترامب يجعل من هذه المعركة وسيلة جديدة لتحشيد مناصريه واعتبار أنه مرة أخرى في موقع الضحية أمام هجوم الديمقراطيين عليه، فيما ستصرف "فضيحة أوكرانيا" أنظار الديمقراطيين عن تحقيقات بارزة في مجلس النواب حول استخدام ترامب موقعه للإثراء ومحاولته عرقلة العدالة في تحقيق روبرت مولر حول روسيا.

هناك تداعيات أيضاً على الحملات الرئاسية، بحيث يضطر مرشحو الرئاسة الديمقراطيون التأقلم مع طغيان قضية العزل على الحياة السياسية بدل تسويق أنفسهم وبرامجهم وسياساتهم وبلورة رؤيتهم لحكم البلاد. الكونغرس فرض معادلة جديدة، وهي محاولة عزل الرئيس سياسياً قبل السعي لعزله انتخابياً يوم الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وهذه المسألة تزداد تعقيداً لأن الناخب الأميركي يبدو غير مهتم بإجراءات العزل، والتحدي أمام مرشحي الرئاسة الديمقراطيين الموازنة بين مطلب الناخب الحديث عن البرامج الانتخابية وتفادي تعزيز الانقسام بين الأميركيين عبر إجراءات العزل أو ركوب موجة الإعلام الأميركي الذي لا يركز أخيراً سوى على "فضيحة أوكرانيا".

ويبقى بايدن، المعني الرئيسي في هذه الفضيحة، الأكثر تحفظاً بين منافسيه الديمقراطيين في إبداء رأيه حول بدء إجراءات العزل مقارنة مع الأعضاء في مجلس الشيوخ إليزابيث وارن وبيرني ساندرز وكامالا هاريس، لا سيما أن هذه من نقاط ضعف نائب الرئيس السابق في عهد باراك أوباما، لأن ابنه متورط في فضيحة حصلت في عهد الأخير. لكن إذا استمر بايدن في تجاهل ترامب في حملته ولم يتأقلم مع تداعيات "فضيحة أوكرانيا"، فقد ينعكس هذا الأمر سلباً عليه، وقد يسمح للسيناتور وارن بأخذ صدارة الانتخابات التمهيدية.

الديمقراطيون يستخدمون نفوذهم في السلطة التشريعية لتضييق الخناق على ترامب، والجمهوريون يستخدمون سلطاتهم التنفيذية للرد. هذه باختصار طبيعة المواجهة القائمة حاليا في واشنطن. وحتى لو بقي العزل من دون أفق، فقد وجد الديمقراطيون قضية تقوّض رئاسة الرئيس، لكن هناك مخاطرة باستمرار الهوس الليبرالي بالعزل مقابل تناسي بلورة رؤية للحكم في الانتخابات الرئاسية. أما ترامب فقد خسر المستقلين في هذه المعمعة، وتراجع دعمه بين الجمهوريين المعتدلين، لكنه يستمر في تحشيد القاعدة الانتخابية وضمان ألا تحصل أي انشقاقات إضافية في صفوف الجمهوريين، لا سيما في مجلس الشيوخ، وهذه أولوية معركته الرئاسية.