تساؤلات عن الاختراق الإسرائيلي لتنظيم "ولاية سيناء"

تساؤلات عن الاختراق الإسرائيلي لتنظيم "ولاية سيناء"

10 يناير 2019
لم يتمكّن الجيش المصري من حسم المعركة(خالد الدسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

لتنظيم "ولاية سيناء" تشعّبات عدة مصرياً وفي قطاع غزة، خصوصاً مع بروز أحاديث من حكومة حماس، مفادها بأن العديد من المتهمين بالعمالة والمشتبه بتعاملهم مع إسرائيل، هم عناصر في التنظيم. وفي هذا الإطار، كشفت وزارة الداخلية في القطاع النقاب عما قالت إنه "اعتراف لأحد العملاء الذين أمسكت بهم". وذكرت بأنه "بناء على طلب ضابط مخابرات إسرائيلية، انتقل العميل إلى سيناء، منضماً إلى تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم داعش". وسمح الإعلان بالحديث مجدداً عن الاختراق الإسرائيلي للتنظيم، الذي غصّ بعشرات الأجانب في صفوفه على مدار السنوات الماضية، في الوقت الذي تعرّض فيه لضربات إسرائيلية أطاحت رؤوس قيادات عسكرية به وأخلّت في قدراته المادية والعملياتية.

وأوقفت وزارة الداخلية في قطاع غزة 45 شخصاً مشتبهاً بتعاملهم مع الاحتلال الإسرائيلي، وهم من محافظات قطاع غزة. وقد ألقي القبض عليهم عقب اشتباك شرق خان يونس، جنوبي قطاع غزة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وقد كشف متهم بالعمالة عن تكليف مخابرات الاحتلال له للانتقال إلى سيناء والعمل في صفوف تنظيم "داعش" هناك، ما استدعى التساؤل عن مدى اختراق الأمن الإسرائيلي لتنظيم "ولاية سيناء"، وتأثير ذلك على قوة التنظيم وتطوره في السنوات الماضية، وارتباطه بالملف الفلسطيني.

ولقطاع غزة خصوصية في الحديث عن ملف سيناء، فعدا عن التلاصق الجغرافي بين المنطقتين في الحدود الفاصلة بين الأراضي الفلسطينية والمصرية، فإن نوعاً من العداء ما زال قائماً بين التنظيم وحركة حماس، المسيطرة على القطاع منذ 12 عاماً. وبرز الخلاف للعلن مع إعلان التنظيم عن إعدام أحد أفراده بتهمة "معاونة الجناح العسكري لحركة حماس، كتائب القسام، في نقل السلاح والإمداد من سيناء لغزة". وفي هذا إشارة إلى أنه ثمة طرف في التنظيم يدعم الرغبة الإسرائيلية في وقف الدعم عن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، خصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة مع غزو الأجانب "ولاية سيناء"، بعد أن كان التنظيم يغضّ الطرف عن أي شكل من أشكال الدعم للمقاومة.

ويأتي "الاعتراف" الصادر عن المتهم بالعمالة، في الوقت الذي كشف فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن "عمل إسرائيلي متواصل منذ سنوات في سيناء، بهدف ضرب تنظيم ولاية سيناء"، فيما كشف تقرير إسرائيلي تلا حديث السيسي بأيام أن "التعاون الإسرائيلي المصري في سيناء يستهدف بالدرجة الأولى حركة حماس وإمداداتها العسكرية، وليس تنظيم ولاية سيناء". مع العلم أن التنظيم أكد أكثر من مرة مقتل أفراد في صفوفه من أصول فلسطينية وسكان قطاع غزة قبل هربهم عبر الحدود إلى سيناء والالتحاق بالتنظيم. وهو ما يثير الشكوك في دوافع انتقال أفراد من غزة وغيرها من المناطق المحيطة بسيناء إلى صفوف التنظيم.



بدوره، اعتبر أحد مشايخ سيناء لـ"العربي الجديد" أن "التنظيم في السنوات الأخيرة حارب بشكل ممنهج كل الإمدادات التي كانت تصل إلى قطاع غزة، خصوصاً ما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية، بحجة العداء مع حركة حماس، على الرغم من أن التنظيم في السنوات الأولى لظهوره لم يكن يعادي حماس أو يمنع الإمدادات عن غزة". وأضاف أن "هذا يشير إلى تغير جوهري في توجهات التنظيم، في ظل القيادات الأجنبية التي تعاقبت على قيادته عقب مقتل قادته المحليين في عامي 2014 و2015، على وقع اندثار التنظيم في سورية والعراق وليبيا وهروب عشرات العناصر الأجنبية إلى سيناء، فيما لم يتمكّن التنظيم من إجراء الفحص الأمني لهم كما كان يجري سابقاً، وباتوا عناصر بل قيادات ومدربين عسكريين في صفوف التنظيم".

وأضاف الشيخ أن "كل من في سيناء يعي جيداً حجم الضربات التي تلقاها التنظيم على يد الطيران الإسرائيلي الذي استهدف نقاطاً حساسة وأشخاصاً ذوي مناصب قيادية في التنظيم، في الوقت الذي لم يتمكن فيه الجيش المصري بكل قوته الموجودة على الأرض من الوصول إلى هذه الأهداف، لعدم امتلاكه المعلومة الدقيقة عن تفاصيل عمل التنظيم كما هو متوفر لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية التي تراقب سيناء عن كثب، من خلال التنصت على اتصالات التنظيم، وتحليق الطائرات الحربية من دون طيار بشكل شبه يومي. ويضاف إليها ما يجرى تداوله عن وجود متعاونين مع الاحتلال الإسرائيلي في صفوف التنظيم، تم تجنيدهم خلال السنوات الأخيرة، في ظل استقبال التنظيم لعشرات المنضمين الجدد من داخل سيناء وخارج مصر أيضاً".

وفي تقرير نشره موقع "والا" الإخباري، فإن "إسرائيل استغلت سماح نظام السيسي لها بالعمل في سيناء، وعملت بشكل مكثف على إحباط إرساليات السلاح التي تهرّب عبر الصحراء إلى "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لـ"حماس". ودلّ ما كشفه "والا" على أنه "بخلاف الادعاءات الإسرائيلية، فإن التعاون الاستخباري المكثف بين إسرائيل ونظام السيسي في سيناء لا يهدف فقط إلى جمع المعلومات عن عناصر تنظيم ولاية سيناء، بل بشكل أساس، يرمي إلى كشف شبكات تهريب السلاح التي تعمل بشكل وثيق مع كتائب القسام واستهدافها".

مع العلم أن وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية قد أشارت إلى أنه إلى "جانب سلاح الجو الإسرائيلي الذي يعمل بشكل مكثف داخل سيناء، فإن كل مكوّنات المجمع المخابراتي الإسرائيلي تعمل هناك، وهي جهاز الاستخبارات الداخلية (الشاباك)، الذي دشن لواء خاصاً لجمع المعلومات من مصادر بشرية هناك، وجهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، الذي كشف النقاب أخيراً أنه خصص المزيد من الموارد لجمع المعلومات في سيناء، إلى جانب وحدة التجسس الإلكتروني المعروفة بوحدة 8200، المسؤولة عن التنصت والتصوير وغيرها من مهام".

من جهته، رأى باحث أنه "وارد جداً اختراق أجهزة الأمن الإسرائيلية لتنظيم ولاية سيناء، بالاعتماد على معطيات عدة، أهمها أن لسيناء أهمية أمنية حساسة لدى إسرائيل التي تسمح بوجود تنظيم داعش على حدودها، من دون أن تكون لها يد في تحريكه وفقاً لأهدافها، مع الحفاظ على سلامة حدودها من أذى التنظيم، بالإضافة إلى استغلال إسرائيل لوجود التنظيم على الحدود مع قطاع غزة الذي تمثل المقاومة فيه معضلة لإسرائيل، خصوصاً بعد تمكنها من تهريب السلاح والإمدادات إلى غزة عبر سيناء. ومن الضروري إيجاد طرف يحارب إمدادات المقاومة في ظل عدم مقدرة الجيش المصري على ضبط الأمور بشكل كامل منذ أكثر من خمس سنوات".

وأضاف الباحث لـ"العربي الجديد" أن "استقبال التنظيم لمئات الملتحقين الجدد بصفوفه خلال السنوات الثلاث الماضية، فتح المجال واسعاً أمام إسرائيل كي ترسل متعاونين لها للانضمام إلى صفوف التنظيم، بالإضافة إلى قدرة إسرائيل على تجنيد متعاونين جدد من داخل سيناء، في ظل متابعتها الدقيقة لكل الأحداث في سيناء، وقدرتها على دعم أي شخص تريده بشكل مباشر في ظل التماس الحدودي بين سيناء والأراضي الفلسطينية المحتلة. وهذا ما كان يحصل فعلياً خلال السنوات الماضية من خلال تزويد المتعاونين بالإمكانات التكنولوجية والأموال خلال لقاءات تجمع المتعاونين بضباط المخابرات على الحدود في نقاط وتوقيتات مختارة بعناية، وهذا ما لا يخفى عن قيادة التنظيم وكذلك المخابرات المصرية التي تعلم جيداً مدى اختراق إسرائيل لساحة سيناء".


المساهمون