ترتيبات لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من سورية

ترتيبات لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من سورية

06 يناير 2019
لا جدول زمنياً محدداً للانسحاب الأميركي (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
بات الحديث منصبّاً، في الفترة الأخيرة، على "مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من سورية"، على الرغم من اعتبار واشنطن أخيراً أن "لا جدول زمنياً للانسحاب". وفي الوقت الذي عيّنت فيه الولايات المتحدة مبعوثها إلى سورية، جيمس جيفري، في منصب إضافي، هو مبعوثها لـ"التحالف الدولي" ضد "داعش"، فإن مندوبين عن 79 دولة يستعدون للمشاركة في مؤتمرٍ لـ"التحالف"، تستضيفه واشنطن في الشهر المقبل، لمناقشة تبعات الانسحاب الأميركي من سورية، والذي ما زال يُلقي بظلاله على تحركات مختلف القوى صاحبة المصالح، في مناطق شرقي الفرات. وهي المناطق التي رشح من وزارة الخارجية الأميركية، يوم الجمعة الماضي، أن القوات الأميركية قد تبقى فيها إلى ما بعد القضاء النهائي على "داعش". ونقلت وكالة "رويترز"، عن "مصادر دبلوماسية"، قولها إن "المؤتمر سيبحث في تخفيف الأضرار الناتجة عن القرار الأميركي حول سورية"، فيما اعتبر مستشار في وزارة الدفاع (البنتاغون) أن "بلاده ستوضح في المؤتمر لحلفائها، أن الانسحاب الأميركي من سورية لن تكون له أضرار، على اعتبار أن تنظيم داعش قد تم القضاء عليه تقريباً".

في موازاة ذلك، سيكون أمام المسؤولين الأميركيين، تحديداً وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي يستعد لجولة في المنطقة، ومستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، الذي بدأ زيارة إلى إسرائيل على أن ينتقل بعدها إلى تركيا، مهمة صعبة في الترويج للانسحاب تحديداً لدى حلفاء الولايات المتحدة في مقدمتهم إسرائيل.
وأفاد مسؤول في إدارة دونالد ترامب، أمس، للمراسلين المسافرين مع بولتون إلى إسرائيل، بأن هذه الزيارة هدفها مناقشة وتيرة الانسحاب وعدد القوات الأميركية في المنطقة. وبحسب المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته كونه غير مخول مناقشة خطط بولتون قبل بدء الاجتماعات، فإن زيارة بولتون تستهدف كذلك نقل رسالة مفادها أن الولايات المتحدة سوف تكون "داعمة للغاية" لضربات إسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سورية.
كما استبق بولتون وصوله إلى إسرائيل، بتحذير النظام السوري، أمس السبت، من استغلال الانسحاب العسكري الأميركي، أو اعتباره "دعوة لاستخدام الأسلحة الكيميائية". وقال بولتون للصحافيين على طائرة تقله إلى إسرائيل، إنه "ليس هناك تغير على الإطلاق في موقف الولايات المتحدة، وأي استخدام من النظام السوري لأسلحة كيميائية سيُقَابَل بردّ قوي للغاية، كما فعلنا في مرتين سابقتين". وتابع قائلاً: "لذلك على النظام، نظام الأسد، ألا تكون لديه أي أوهام بشأن الأمر".

وتأتي هذه التحركات، قبل أيام من اجتماعٍ لمسؤولين أتراك في واشنطن، كان قد أعلن أنه سيتم يوم الثامن من هذا الشهر، في وقت يواصل فيه الجيش التركي حشد مزيد من القوات والمدرعات العسكرية، عند المناطق الحدودية مع سورية.

من جهته، ذكر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، غاريت ماركيز، أن "بولتون سيسافر إلى إسرائيل وتركيا لبحث الانسحاب، وكيفية عمل الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها للحيلولة دون عودة داعش والتصدي للسلوك الإيراني الخبيث في المنطقة".

من جهته، حذّر بولتون، أمس السبت، النظام السوري من استغلال الانسحاب العسكري الأميركي، أو اعتباره "دعوة لاستخدام الأسلحة الكيميائية". وقال بولتون للصحافيين على طائرة تقله إلى تل أبيب، إنه "ليس هناك تغير على الإطلاق في موقف الولايات المتحدة وأي استخدام من النظام السوري لأسلحة كيميائية سيُقَابَل بردّ قوي للغاية، كما فعلنا في مرتين سابقتين". وتابع قائلاً: "لذلك على النظام، نظام الأسد، ألا تكون لديه أي أوهام بشأن الأمر".



بدوره، شدّد القيادي الكردي البارز في "قوات سورية الديموقراطية" (قسد)، ريدور خليل، في مقابلة لوكالة "فرانس برس" على أن "لا مفرّ من التوصل إلى حلّ مع دمشق، إزاء مستقبل الإدارة الذاتية الكردية". وأضاف أن "هذا الاتفاق يجب أن يشمل بقاء المقاتلين الأكراد في مناطقهم، مع إمكانية انضوائهم في صفوف الجيش السوري".

وأشار خليل إلى "مفاوضات مستمرة مع الحكومة للتوصل إلى صيغة نهائية لإدارة شؤون مدينة منبج"، مضيفاً أنه "في حال التوصل إلى حلّ واقعي يحفظ حقوق أهلها، فبإمكاننا تعميم تجربة منبج على باقي المناطق شرق الفرات"، في إشارة إلى مناطق سيطرة "قسد" في محافظة دير الزور. ويخوض الأكراد منذ الصيف مفاوضات مع دمشق التي تؤكد نيتها استعادة السيطرة على كل أراضيها، بما فيها المناطق الكردية. وتحدث خليل عن "بوادر إيجابية" في هذه المفاوضات، موضحاً أن "دخول جيش النظام إلى الحدود الشمالية مع تركيا ليس مستبعداً، لأننا ننتمي إلى الجغرافيا السورية، لكن الأمور ما زالت بحاجة إلى ترتيبات معينة تتعلق بكيفية الحكم في هذه المناطق". وتابع "لدينا نقاط خلاف مع الحكومة المركزية تحتاج إلى مفاوضات بدعم دولي لتسهيل التوصل إلى حلول مشتركة"، مرحّباً بإمكانية أن "تلعب روسيا دور الدولة الضامنة، كونها دولة عظمى ومؤثرة في القرار السياسي في سورية". وقال إن "الأكراد يرفضون انسحاب مقاتليهم من مناطقهم"، موضحاً أنه "ربما تتغير مهام هذه القوات، لكننا لن ننسحب من أرضنا، ويجب أن يكون لها موقع دستوري، سواء أن تكون جزءاً من الجيش الوطني السوري أو إيجاد صيغة أخرى تتناسب مع موقعها وحجمها وتأثيرها". وأصرّ الأكراد كذلك، وفق خليل، على ضرورة وضع "دستور جديد يضمن المحافظة على حقوق جميع المواطنين، وأن تكون للقوميات والإثنيات حقوق دستورية مضمونة، وفي مقدمها حقوق الشعب الكردي"، لكنه أشار إلى "قواسم مشتركة" مع دمشق، أبرزها "وحدة سورية وسيادتها على كافة حدودها"، إضافة إلى كون "الثروات (الطبيعية) ملك الشعب السوري"، والاتفاق "على مكافحة الفكر الإسلامي السياسي".

وحتى أمس السبت، بقيت المعارك بين "داعش" و"قسد" مشتعلة في جنوب شرقي دير الزور. ودارت مواجهاتٌ وُصِفَتْ بـ"العنيفة" بين الجانبين، مع تقدمٍ لـ"قسد" في الأجزاء الشمالية والغربية من بلدة الشعفة الواقعة شمال غربي مدينة البوكمال، وسط تراجع للتنظيم تحت تأثير الضربات الجوية للتحالف الدولي.

وقالت مصادر محلية في شرقي دير الزور لـ"العربي الجديد" إن "الاشتباكات بين الطرفين باتت في أحياء بلدة الشعفة والبساتين المتاخمة لها، ويُبدي عناصر داعش شراسة في الدفاع عن آخر المعاقل التي تخضع لهم، في الجيب الأخير له بريف دير الزور شرقي نهر الفرات".

وشنّت طائرات التحالف الدولي، أمس السبت، أكثر من عشر غارات في المساحات التي ما زالت خاضعة لـ"داعش" جنوب شرقي دير الزور. وكشف الناشط محمد الجزراوي لـ"العربي الجديد" أن "غارة للتحالف بالقرب من بلدة الشعفة تسببت بمقتل 13 مدنياً، من آل الأهدب، بعد أن أصاب القصف الجوي منزلهم".

كذلك كان لافتاً أخيراً إعلان "قوات النخبة" (في شرقي الفرات) التابعة لـ"تيار الغد السوري"، بقيادة أحمد الجربا، عن "فتح باب التطوع في قواتها"، التي كانت منضوية في السابق مع "قسد" قبل الانسحاب منها. وذكرت هذه القوات، التي تتشكّل من مئات المقاتلين العشائريين، أن "فتحها لعملية التجنيد، التي تتم عبر مراكز تطوع جرى افتتاحها من قبل قوات النخبة، تأتي في إطار التحضير لدور لها ضمن مناطق شرق الفرات وامتدادها". ووضعت ستة شروط لمن يريد الالتحاق بها، من بينها "عدم الانتماء لتنظيم داعش، وعدم الانضمام لفصيل آخر أو حزب آخر غير مصرح به في قوانينها الداخلية، وألا يكون ذا ميول طائفية أو عنصرية ولا يحمل أي أفكار أو قوميات مشبوهة، وأن يتراوح عمره بين 18 و45 سنة".

وتأتي هذه الخطوة، في وقت ذكرت فيه مصادر متطابقة أن الجربا، المقيم في القاهرة، أسس "تيار الغد" بدعم من مصر والإمارات، التي فتحت الأسبوع الماضي سفارتها في دمشق، كما زار تركيا وعقد لقاءاتٍ مع مسؤولين في أنقرة، في الوقت الذي كانت تحضر فيه الأخيرة لبدء عملٍ عسكري في شرقي الفرات، لتقويض نفوذ "قسد".