معارك الشمال السوري: "النصرة" تعيد الغارات الروسية إلى إدلب

معارك الشمال السوري: "النصرة" تعيد الغارات الروسية إلى إدلب

05 يناير 2019
طاولت آثار القتال سكان المخيمات في الشمال السوري(فرانس برس)
+ الخط -

لليوم الخامس على التوالي، يتواصل الاقتتال في الشمال السوري بين ريف حلب ومحافظة إدلب، خصوصاً وسطها وجنوبها، بين "هيئة تحرير الشام" التي تمثّل "جبهة النصرة" عمودها الفقري من جهة، وفصائل المعارضة المنضوية في "الجبهة الوطنية للتحرير" من جهة أخرى، مع تضاؤل فرص الحلّ بسبب انخراط جميع الفصائل، بما فيها تلك التي كانت تتولى عادة مبادرات التوسط والمصالحة، في القتال الذي أدى إلى شلّ الحركة في غالبية مناطق الشمال السوري، وسط قلق بين المدنيين الذين لا يعرفون أين يتجهون. وتتجه الأنظار إلى الموقف التركي، وسط تساؤلات عما إذا كانت أنقرة عازمة هذه المرة على دعم المعركة ضد "تحرير الشام" حتى النهاية، تطبيقاً لاتفاق "سوتشي" مع روسيا الذي ينصّ على محاربة المجموعات "المتطرفة" في الشمال السوري، وفتح الطرقات الدولية بين حلب من جهة وكل من دمشق واللاذقية من جهة أخرى، أم سيكون هذا القتال جولة أخرى مشابهة لما سبق، وينتهي بعد أيام بهدنة بين الأطراف المتحاربة.

وفي السياق، رأى المحلل العسكري، العميد أحمد رحال، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ القتال الحالي يأتي في سياق محاولة "جبهة النصرة" (هيئة تحرير الشام) ابتلاع فصائل الثورة، مشيراً إلى عداء قديم بين "تحرير الشام" و"كتائب نور الدين الزنكي"، ومجمل فصائل الشمال السوري التي باتت تشعر بالخطر الحقيقي الذي تمثله "تحرير الشام" عليها. كما أشار إلى أنه من ضمن بنود "سوتشي" التخلّص من تنظيم "القاعدة" في إدلب، ما يعني وجود تلاق للمصالح بين هدفين داخلي وخارجي.

ولفت رحال إلى أنّ "تحرير الشام" تكبّدت خلال الساعات الماضية "خسائر كبيرة في الأفراد والمواقع، حيث فقدت نحو خمسين قرية، كما فقدت تواصلها مع سهل الغاب"، مضيفاً أنه "إذا كان هناك قرار تركي بإنهاء جبهة النصرة، فهذا أمر يمكن تحقيقه بحال شاركت كل القوى الموجودة على الأرض. أما إذا كانت المعركة مرحلية، على غرار المعارك السابقة، فسوف تنتهي كالعادة عن طريق تشكيل لجان مصالحة، وتعود الأمور إلى سابق عهدها". وأوضح أن "تحرير الشام" هي "أقوى فصيل في الشمال ولا يمكن لفصيل واحد مواجهتها بمفرده"، مشيراً إلى أنها "تضمّ نحو 15 ألف مقاتل مدربين تدريباً جيداً، ولديهم أسلحة ثقيلة وقيادة موحدة، بينما تخشى بعض الفصائل من الانخراط في قتالها خشية ألا تكون المعركة حاسمة، ولا ينالها منها في النتيجة سوى معاداة النصرة، وما قد ينتج عن ذلك من مشكلات مختلفة لهذا الفصيل، خصوصاً إذا كانت مواقعه أو تحركاته على مقربة من النصرة".

وفي التطورات الميدانية التي كسرت رتابتها غارات جوية شنها الطيران الروسي على جنوبي إدلب، أعلنت "هيئة تحرير الشام" السيطرة على قرية سنخار، قرب "الفوج 111" بمنطقة الشيخ سليمان بريف حلب، فيما وصلت الاشتباكات فيها إلى جمعية الأرمن وجمعية الرحال، في حين وصلت في إدلب إلى بلدة حيش، وأوقعت إصابات في صفوف المدنيين.

وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إنّ فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" سيطرت على تلة "السيريتل"، قرب مدينة دارة عزة، غرب حلب، حيث تتواصل المعارك بين الطرفين، في الوقت الذي تسعى فيه "تحرير الشام"، على ما يبدو، لفصل ريف حلب الغربي عن محافظة إدلب، والسيطرة على الطرق الدولية في المنطقة، بينما تسعى فصائل "الجبهة الوطنية" لمنع هذا الأمر، إذ تمكّنت من السيطرة على قرية بازيهر الواقعة بالقرب من مدينة دارة عزة، فيما تتواصل الاشتباكات العنيفة بين الطرفين بمحيط بلدة قبتان الجبل.


وكانت "الجبهة الوطنية للتحرير" قد تمكّنت، الخميس الماضي، من استعادة مواقع سيطرت عليها "تحرير الشام" في ريفي إدلب وحماة إثر معارك قوية. وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إنّ الفصائل استعادت قرى ميدان غزال وشهرناز والديرونة وشير مغار ومزرعة الجاسم وجب سليمان وشولين وأرينبة وكرسعا والفقيع في القطاع الجنوبي من ريف إدلب، وجبل شحشبو، وسوق الغنم، قرب الشيخ مصطفى، وترملا وتلمنس والغدفة وسفوهن والفطيرة وحيش ومواقع أخرى شرقي معرة النعمان.

إلى ذلك، اعتقلت "هيئة تحرير الشام" قياديين اثنين من فصيل "جيش النصر" التابع لـ"الجبهة الوطنية للتحرير" في ريف إدلب، وهما النقيب معمر خطاب والقيادي دريد النجم (أبو بسام)، وذلك بعد مداهمة منزليهما في مدينة خان شيخون، فيما عرضت وكالة "إباء" التابعة لـ"تحرير الشام"، صوراً لأكثر من عشرة عناصر قالت إنهم من "حركة أحرار الشام الإسلامية" أسروا أثناء المواجهات بريف إدلب. كما داهمت "تحرير الشام" مقراً لـ"جيش الأحرار" التابع لـ"الجبهة الوطنية" أيضاً، بالقرب من بلدة ركايا بريف إدلب الجنوبي، وسيطرت عليه واعتقلت نحو 10 عناصر وصادرت مستودع ذخيرة.

وكان عشرة عناصر يتبعون لـ"الجبهة الوطنية" في ريف إدلب الشرقي قد قتلوا بكمين نفذته "الهيئة"، بعد ظهر الخميس، على أوتوستراد إدلب - حلب، أثناء عودتهم من نقاط التماس مع قوات النظام.

وقد تسببت الاشتباكات في قطع معظم الطرقات بأرياف حلب الغربي وإدلب وحماة الشمالي، في حين تسعى فرق الدفاع المدني إلى إدخال الخبز والخضار إلى المدن والبلدات التي انقطعت الطرق إليها بسبب الاشتباكات، وإجلاء المرضى والمصابين. كما يحاول الدفاع المدني بالتعاون مع "وجهاء مستقلين" إيجاد طرق للوصول إلى المحاصرين وإغاثتهم، إضافة إلى تسليم قتلى الطرفين لبعضهما البعض، بينما لا تزال الإحصائيات النهائية لأعداد القتلى والمصابين غير معروفة.

وطالب عدد من المجالس المحلية العاملة في ريف حلب بفتح ممرات آمنة بعد قطع الطريق الرئيسي الوحيد الواصل إلى المنطقة نتيجة الاشتباكات. وقالت المجالس، في بيان مشترك، إنها طالبت بفتح ممرات إنسانية، نتيجة الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها المدنيون، وانقطاع الطريق الواصل إلى مدينة عندان وبلدات حريتان وحيان وبيانون وقرى كفر حمرة وياقد العدس والليرمون. وكذلك انقطعت الطرق الرئيسية في منطقة الأتارب، غرب حلب، نتيجة المواجهات.

كما طاولت آثار القتال سكان المخيمات في الشمال السوري. وقال ناشطون إن الاشتباكات في محيط مخيمي دير بلوط والمحمدية في جندريس بريف عفرين، شمالي حلب، أدّت إلى مقتل شاب مدني وإصابة أربعة آخرين، في ظلّ ظروف معيشية صعبة يعيشها المهجرون في تلك المناطق نتيجة الأحوال الجوية السيئة وتدني المساعدات المقدمة. كما قتل طفل وأصيب عدد من المدنيين في مخيم معراتا بريف إدلب الجنوبي الشرقي، نتيجة الاشتباكات الدائرة في المنطقة، فيما تشهد مخيمات أطمة، شمالي إدلب، حركة نزوح نتيجة سقوط رصاص طائش جراء الاشتباكات.

وفي وقت سابق، أعلنت "جامعة حلب الحرة"، ومعهد إعداد المدرسين التابعين للحكومة السورية المؤقتة في مدينة الأتارب، غرب حلب، عن توقّف الدوام وتأجيل الامتحانات بسبب المواجهات الحالية.

في غضون ذلك، تُبذل جهود لتحييد بعض المناطق عن القتال بناء على رغبة سكانها والفصائل الموجودة فيها. وفي هذا الإطار، أعلنت "هيئة تحرير الشام" تحييد بلدة كفرناها بريف حلب الغربي، وذلك بعد الاتفاق مع الوجهاء فيها على بقاء عناصر "الزنكي" ضمن "نقاط الرباط" مع قوات النظام، وعدم المساس بهم، ومنع أي عمل من كفرناها وعليها.

كما أعلنت فصائل عسكرية تابعة لـ"الجيش السوري الحر" تشكيل "مجلس عسكري" في مدينة كفرزيتا، شمال مدينة حماة، "استجابة لرغبة من الفصائل العسكرية والهيئات الثورية ونداءات الأهالي والنازحين، وحرصاً على وحدة الصف وما يقتضيه الواجب تجاه المدينة"، بحسب بيان للمجلس، الذي أوضح أنه سيقف على مسافة واحدة من كل الفصائل، مضيفاً أنه يرفض الاقتتال الداخلي بين الفصائل، ويسعى إلى تحييد المدينة عن أي اقتتال. ويضم المجلس كلاً من "الفوج 111" التابع لـ"جيش إدلب الحر" و"لواء سيف الله" التابع لـ"الفرقة الوسطى" و"لواء الحمزة" التابع لـ"جيش العزة"، وجميعها فصائل من "الجيش السوري الحر".

ومع احتدام هذه المعارك، كان اللافت دخول كل من روسيا والنظام السوري على خط العمليات العسكرية، حيث شنّ الطيران الروسي غارات عدة على بلدات ريف إدلب الجنوبي، ما أسفر عن إصابات في صفوف المدنيين ودمار واسع في المنازل.

وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إنّ الطيران الروسي استهدف قرى المنطار والتمانعة، جنوبي إدلب، بغارات عدة، فيما بثّ الدفاع المدني السوري تسجيلاً مصوراً يظهر عملية انتشال سبعة أشخاص، بينهم طفل وسيدتان، كانوا عالقين تحت أنقاض منازلهم في قرية المنطار، غربي مدينة خان شيخون.

ويأتي ذلك في ظلّ قصف مدفعي متواصل من قوات النظام على بلدات ريف حماة الشمالي وجنوبي إدلب، حيث تزامن القصف الروسي مع قصف براجمات الصواريخ نفذته قوات النظام المتمركزة في جبل الأكراد على بلدتي بداما والناجية، غربي محافظة إدلب. كما طاول القصف المدفعي مدينة مورك ومحيط مدينة اللطامنة ومحيط قرى لحايا ومعركبة والصخر، شمالي حماة.

وتتزامن هذه التطورات الميدانية مع إعلان مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، أنه سيزور تركيا، اليوم السبت، برفقة المبعوث الخاص إلى سورية جيمس جيفري، ورئيس الأركان جوزيف دانفورد، بهدف التنسيق بشأن انسحاب قوات بلاده من الأراضي السورية.

وفي هذا الإطار، قال الناطق باسم الهيئة العليا للمفاوضات السورية المعارضة، يحيى العريضي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ قرار الانسحاب الأميركي من سورية أربك كل الحسابات، إضافة إلى تحرّك الإيرانيين الذين قال إنه "تربطهم علاقات وثيقة مع جبهة النصرة وثمّة تنسيق بين الجانبين على الأرض". وأضاف العريضي أنّ "سعي النصرة للسيطرة على بعض المناطق في الشمال السوري، وخصوصاً بلدة دارة عزة، هدفه تعزيز موقفها حيال تركيا، واستحقاقات المرحلة المقبلة".

المساهمون