تهديدات النظام السوري وروسيا تحاصر إدلب

تهديدات النظام السوري وروسيا تحاصر إدلب

01 فبراير 2019
مخاوف على مصير آلاف المدنيين في إدلب(إبراهيم ياسوف/فرانس برس)
+ الخط -
يسود ترقب حذر شمال غربي سورية، مع تصاعد تهديدات النظام السوري وحلفائه بشن هجوم واسع لإخضاع محافظة إدلب، معقل المعارضة السورية البارز والذي استولى على معظمها تنظيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) المصنف إرهابياً، في وقت تبدو فيه تركيا ساعية لترتيب أوراق المنطقة عبر حلول سياسية تجنّب شمال غربي سورية هذا العمل العسكري الذي دخل الروس طرفاً في التلويح به.

وقبيل مباحثات تركية روسية بدأت أمس في موسكو حول سورية، وعلى رأسها التطورات في إدلب، كانت الخارجية الروسية تصعّد لهجتها تجاه إدلب، قائلة إن مسلحي "هيئة تحرير الشام" في إدلب "يقصفون المناطق المجاورة لمواقع نشاطهم يومياً، ويحشدون قواتهم قرب خطوط التماس" مع النظام السوري. وأعربت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، خلال مؤتمر صحافي أمس، عن قلق بلادها إزاء ما تشهده إدلب، و"ورود تقارير عن محاولات الإرهابيين القيام باستفزازات باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في سورية"، مدعية أن "مجموعة من نشطاء ما يسمى بالمنظمة الإنسانية الخوذ البيضاء، زودت بعض المستشفيات في إدلب بالأجهزة اللازمة لتصوير الاستفزازات باستخدام الكيميائي". ولطالما استخدمت موسكو هذه الذريعة من أجل معاودة قصف مناطق في شمال غربي سورية، إضافة إلى ذريعة محاربة الإرهاب الذي تمثله "جبهة النصرة".

كذلك أشارت زاخاروفا إلى أن التوترات حول منطقة تخفيض التصعيد لا تقل. ودأب المسؤولون الروس منذ بداية العام الحالي على التعبير عن عدم رضاهم من طريقة تعاطي الأتراك مع ملف الجماعات المتطرفة، وخصوصاً "هيئة تحرير الشام"، وفق اتفاق سوتشي المبرم في سبتمبر/أيلول الماضي بين روسيا وتركيا، ملمحين إلى إمكانية السماح للنظام بالتدخل عسكرياً في شمال غربي سورية. فيما لم تأتِ زاخاروفا على ذكر المجزرة التي ارتكبتها قوات النظام يوم الثلاثاء، متجاوزة اتفاق سوتشي، بقصفها بشكل عشوائي مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي من مواقعها في منطقة أبو دالي، ما أدى إلى مقتل 12 مدنياً.

في غضون ذلك، بحث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان، خلال اتصال هاتفي بينهما، الأوضاع في سورية، وشدد على التزام موسكو بالعملية السياسية في سورية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وقرارات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي. وأكد استعداد روسيا للتعاون لمصلحة التسوية السورية، من دون أي محاولات مصطنعة لإبطاء عمل الأمم المتحدة في العملية السياسية. من جهته، دعا لودريان لإطلاق قنوات الاتصال بين رعاة مفاوضات أستانة و"المجموعة المصغرة الخاصة بسورية" لإيجاد قواسم مشتركة.

بالتوازي مع التصعيد الروسي، كان النظام السوري يواصل شن حرب نفسية وإعلامية ضد محافظة إدلب. وتحدثت صحيفة "الوطن"، أمس الخميس، عن إرسال المزيد من التعزيزات لريف حماة الشمالي. وأكد قيادي في الجيش السوري الحر في ريف حماة الشمالي لـ"العربي الجديد" أن قوات النظام "تحشد بالفعل بشكل كبير، خصوصاً في منطقة الغاب، وريف حماة الشمالي"، مضيفاً "في الأسبوعين الماضيين تم تكثيف القصف المدفعي والصاروخي على العديد من المناطق الآمنة، وخصوصاً أرياف حماة وإدلب". وتوقّع القيادي قيام قوات النظام بعمل عسكري محدود على أحد المحاور خلال فترة قريبة "إلا إذا أسهمت المواقف الدولية في منع هذا الأمر"، وفق قوله.

مقابل ذلك، كانت "هيئة تحرير الشام" تنفي بشكل غير مباشر ما ذكرته صحيفة "يني شفق" التركية يوم الثلاثاء عن خطة تركية تستهدف ترتيب أوراق شمال غربي سورية وتتضمن حل الهيئة لتجنيب المنطقة عملاً عسكرياً من قِبل النظام وحلفائه. واتهم مسؤول العلاقات الإعلامية في "تحرير الشام"، عماد الدين مجاهد، الصحيفة بـ"رمي التهم جزافاً، ونقل الأخبار غير الصحيحة، والبعيدة كل البعد عن المهنية الأصيلة والمبادئ الأخلاقية في نقل الكلمة والوفاء لأمانتها"، وفق بيان. وكانت صحيفة "يني شفق" التركية قد سربت ما قالت إنه جانب من رؤية أنقرة لمصير شمال غربي سورية، والذي يتضمن حل "تحرير الشام" ودمج عناصرها في فصائل المعارضة السورية، خصوصاً "فيلق الشام" المقرب من الجيش التركي، بعد إنشاء المنطقة الآمنة على طول الشمال السوري غربي نهر الفرات وشرقه. كذلك تتضمّن الخطة ترحيل المسلحين الأجانب إلى بلدانهم، وإعلان حكومة مركزية في مناطق الشمال السوري عقب حل "حكومة الإنقاذ" التابعة للهيئة، و"الحكومة المؤقتة" التابعة للائتلاف الوطني السوري، والتي تمنع "تحرير الشام" أي نشاط لها في محافظة إدلب، واقتصر نشاطها المحدود على منطقة "درع الفرات" في ريف حلب الشمالي.


ومن الواضح أن "تحرير الشام" تحاول المناورة مع الجانب التركي لتجنّب عمل عسكري ضدها، وتعاملت مع التفاهمات التركية الروسية ضمن اتفاق سوتشي بشكل "طيّع". كذلك يبدو أنها ليست بصدد ممانعة فتح الطرقات الدولية، بل باتت تطرح نفسها كطرف في الحلول وليس طرفاً في المشاكل، على الرغم من أنها حيّدت المعارضة السورية في إدلب كي تبقى الطرف الأقوى في معادلة الصراع. وتأمل الهيئة أن يتم التعامل معها كسلطة أمر واقع من الممكن أن تكون جزءاً من حل نهائي في شمال غربي سورية، وهو ما أثار حفيظة مجموعات متطرفة أخرى، منها تنظيم "حراس الدين" محدود التأثير في محافظة إدلب. وأصدر التنظيم بياناً رفض فيه تشكيل مجلس عسكري بقيادة ضابط منشق عن جيش النظام "يملك قرار السلم والحرب"، مشيراً إلى رفضه فتح الطرقات الدولية، ومستغرباً عدم ممانعة "هيئة تحرير الشام" ذلك، ومطالباً الأخيرة بـ"سلاحنا وحقوقنا". كذلك دعا إلى النفير العام لـ"كسر شوكة النظام وحلفائه"، مشيراً إلى أن "الوقت وقت إرهاق النظام اقتصادياً، لا فتح طرق إمداده"، وفق البيان.

من جهته، كشف غانم الخليل، عضو الهيئة السياسية في إدلب، وهي هيئة سياسية تأسست في محافظة إدلب عام 2016 من قبل فعاليات مدنية وناشطين، أن الشهر المقبل "سيكون حاسماً داخلياً"، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد": "سيتم تشكيل حكومة مركزية موسعة لكل الشمال السوري مع قيادة عسكرية موحدة وحل ملف المسلحين المهاجرين". وأشار إلى أن هناك توافقاً تركياً غربياً بشأن مصير إدلب، مضيفاً: "لن يسمحوا بأي عملية عسكرية. وأعتقد أن الأمور تتجه نحو الاستقرار".

ولكن المحلل العسكري مصطفى البكور رأى أن مصير إدلب "يخضع للتجاذبات الدولية"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "سيكون لتركيا الدور الأبرز من خلال محاولتها إيجاد توازن بعلاقاتها مع روسيا والولايات المتحدة، فعلاقتها (تركيا) مع روسيا تبغي منها تحقيق مصلحتها في الشمال السوري المحرر، وعلاقتها مع أميركا تريد منها تحقيق مصلحتها في إقامة المنطقة الآمنة". وبالنسبة لإدلب، قال البكور إن "الأمور ذاهبة باتجاه ما ترغب فيه تركيا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الروس والنظام وإيران لا يلتزمون بعهودهم، وبالتالي لا يمكن استبعاد فرضية العمل على استعادة السيطرة على إدلب من قبل الروس والنظام والإيرانيين بالقوة العسكرية في حال كانت الظروف مناسبة لهم".

وتعوّل المعارضة السورية على موقف تركي صارم يمنع قوات النظام من مهاجمة منطقة تضم نحو 4 ملايين مدني، ما سيتسبّب في خلق أزمات كبرى لهم. وفي هذا الصدد، رأى القيادي في الجيش السوري الحر العقيد فاتح حسون، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "وفق التجاذبات الدولية غير المسبوقة، والتسابق على ترسيخ مصالح الدول الفاعلة في الملف السوري، والحشود التي يقوم بها النظام ومن ورائه روسيا في المنطقة، تتعزز مخاوف المدنيين القاطنين في منطقة إدلب وحولها". وأضاف: "من المؤكد أن وجود نقاط المراقبة التركية في المنطقة سيحول دون حدوث اجتياح، أو تمادٍ بالقصف، أو شنّ عملية عسكرية واسعة، وذلك على الرغم من العقبات الكبيرة التي وضعتها هيئة تحرير الشام أمام تركيا، والتي أضعفت موقفها أمام روسيا". وذهب حسون إلى القول إن "تركيا لن تسمح للنظام باكتساب أراضٍ جديدة، ومن ثم يجب أن نعين نحن أنفسنا ومن يقف معنا، بأن تحل هيئة تحرير الشام نفسها، وتستبعد قياداتها، وتتجه نحو الاعتدال، وتشارك في إزالة أسباب تصنيفها إرهابية، وبغير ذلك سيكون مصير المنطقة غير مطمئن".