ثورة يناير: الحرية ضائعة بين السجن والمنفى

ثورة يناير: الحرية ضائعة بين السجن والمنفى

25 يناير 2019
من تحرك مطالب بالإفراج عن عبد الفتاح وآخرين (Getty)
+ الخط -
يفتح السؤال عن الحرية، بعد ثماني سنوات على ثورة 25 يناير في مصر، والتي كانت مطلباً رئيسياً للثوار، جراحاً كثيرة لم تندمل بعد، وقد أجابت عنه منظمات دولية ومحلية متعددة، في تقارير متكررة. اليوم يقبع الكثير من رموز الثورة في السجون أو يعيشون في الخارج، فيما اقتصر نشاط آخرين على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما تعتقد قلة منهم أن الثورة لا تزال أمامها فرصة. فعلى سبيل المثال، سُجن المدون علاء عبد الفتاح عام 2015 لخمسة أعوام بعد محاكمته لاتهامه بتنظيم تظاهرة عام 2013. ومن النشطاء البارزين الآخرين الموجودين في السجن حالياً، أحمد دومة، الذي أدى دوراً بارزاً في ثورة 2011. وصدر حكم بالسجن المؤبد 15 عاماً على دومة بتهم إثارة الشغب والتحريض على العنف والهجوم على قوات الأمن.

وقبل أسبوع واحد من الذكرى الخامسة للثورة، وافق مجلس النواب المصري على قانون سنّه الرئيس الانتقالي عدلي منصور نهاية عام 2013، يحظّر التظاهر من دون الحصول على موافقة مسبقة من وزارة الداخلية، مع تشديد العقوبة على المخالفين. وبمقتضى هذا القانون جرى احتجاز المئات من شباب جماعة "الإخوان المسلمين" وقوى وحركات شبابية عديدة، وصدرت على مئات آخرين أحكام بالسجن، بعضها يزيد على عشر سنوات. كما تم القبض على رئيس أركان الجيش المصري السابق سامي عنان بعد إعلانه ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية، وانسحب آخرون لشعورهم بانعدام الحيادية مثل خالد علي، المرشح الرئاسي السابق. كما تتعرض ثورة يناير لتشويه مستمر من جانب إعلاميين تابعين للسلطة حالياً.

وضع الحريات والصحافة بشكل خاص رصدته منظمة "هيومن رايتس ووتش"، التي أشارت في تقرير صادر عنها عام 2017 إلى قيام الحكومة المصرية بوضع صحيفتي "البورصة" و"دايلي نيوز إيجبت" المستقلّتين وموقعي "مصر العربية" و"كايرو بورتال" الإخباريين المستقلين على قوائم الكيانات الإرهابية. وأدى هذا إلى تجميد أموال المنافذ المذكورة وإخضاعها لإدارة صحيفة "أخبار اليوم" الحكومية. وفي مارس/آذار 2017، خفّفت محاكم استئناف عقوبة السجن سنتين إلى سنة واحدة مع إيقاف التنفيذ، بحق نقيب الصحافيين السابق، يحيى قلاش، واثنين من أعضاء مجلس الإدارة هما خالد البلشي وجمال عبد الرحيم (جارٍ الاستئناف النهائي حالياً أمام محكمة النقض، أعلى محكمة استئنافية في مصر). وفي مايو/أيار 2017، حجبت الحكومة 21 موقعاً لمجموعات سياسية ومنافذ إخبارية. وحتى أكتوبر/تشرين الأول كان عدد المواقع المحجوبة قد بلغ أكثر من 425 موقعاً، بينها مواقع لمنظمات حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"مراسلون بلا حدود". وقامت قوات الأمن بالقبض على النشطاء استباقياً، قبل تظاهرات متوقعة. وعلى سبيل المثال، في بداية إبريل/نيسان 2017، أوقف الأمن 190 ناشطاً سياسياً، أغلبهم في مداهمات منزلية، قبيل الموافقة البرلمانية في أواسط يونيو/حزيران على قرار حكومي مثير للجدل بضم جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر إلى السعودية.


كما أشار تقرير "هيومن رايتس ووتش" إلى أن حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي استمرت في رفضها المطلق لأي معارضة، فشرّعت قوانين قمعية، لا سيما قانون الجمعيات الأهلية الذي قد يقضي على المنظّمات المستقلة، وأعادت حالة الطوارئ، في ظل استمرار شبه مطلق للإفلات من العقاب على انتهاكات قوات الأمن، بدعوى مكافحة "الإرهاب". وأوضح التقرير أن قوات الأمن قبضت على مئات المعارضين، واستهدفت بالأساس جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة، ومارَس "جهاز الأمن الوطني" التابع لوزارة الداخلية الاحتجاز التعسفي والإخفاء والتعذيب بحق الأفراد. وهناك حالات كثيرة لما يبدو أنها أعمال إعدام خارج نطاق القضاء، ومنها قتْل أشخاص كانوا محتجزين في مشاهد "تبادل إطلاق نار" وصفتها بـ"تمثيلية".
وفرضت الحكومة حظراً إعلامياً على عملياتها الخاصة بمكافحة الإرهاب في شمال سيناء، وقام تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، باستهداف المدنيين وقوات الأمن، حسب التقرير.

من جهتها، قالت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، وهي مجموعة مستقلة، إنه حتى أواسط أغسطس/آب، كان 378 شخصاً قد اختفوا قسراً على مدار الأشهر الـ12 السابقة، وكان 87 شخصاً على الأقل ما زالوا مختفين. ولا تشمل هذه الأعداد من وُجدوا قتلى بعد الاختفاء. وفي مايو/أيار 2017 اعتقلت قوات الأمن حنان بدر الدين، المشاركة في تأسيس "رابطة أسر المختفين قسرياً". واتهمتها النيابة بـ"الانضمام لتنظيم محظور" وتحفّظت عليها في الحبس الاحتياطي. كما احتجز عناصر من الأمن الوطني سراً المحامي إبراهيم متولي، المشارك في تأسيس الرابطة نفسها، في سبتمبر/أيلول، عندما كان مسافراً إلى اجتماع لـ"فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاختفاء القسري وغير الطوعي" في جنيف. فيما بعد، اتهمت النيابة متولي بـ"ترويج أخبار كاذبة" حول المختفين قسراً وبالتجسس لصالح جهات أجنبية.

وبحسب "مراسلون بلا حدود"، فحتى أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2017، كان 17 صحافياً لا يزالون وراء القضبان. وفي 21 أكتوبر من العام نفسه، كان الصحافي هشام جعفر قد أمضى أكثر من سنتين في الحبس الاحتياطي، وهي أقصى مدة مسموح بها بموجب القانون المصري، بناء على اتهامات بتلقي تمويل أجنبي لمؤسسته، "مدى ميديا"، والانضمام إلى تنظيم محظور. وحرمته السلطات من الرعاية الطبية الملائمة لمرض في البروستاتا. أما إسماعيل الإسكندراني، الصحافي الذي يغطي أحداث سيناء، المحبوس احتياطياً منذ أكثر من ست سنوات، فيواجه اتهامات بنشر أخبار كاذبة والانضمام إلى تنظيم محظور.